العنف المنزلي.. في قلب حملة انتخابات الرئاسة في فرنسا

مرشح جبهة اليسار يدعو لمنح الإقامة إلى أي أجنبية تعاني من الاعتداء الجسدي

موظف يقوم بلصق صور مرشحين على جدار في مدينة ليون، مع بدء حملة الانتخابات الرسمية، أمس (أ.ف.ب)
TT

إنه موسم الوعود الانتخابية في فرنسا، بكل أنواعها، بحيث يخيل لمن يتابع خطابات المرشحين المتنافسين على الرئاسة أن البلد سيتحول إلى جمهورية فاضلة على أيديهم بين ليلة وضحاها، وأن الجريمة والبطالة والديون وعجز صندوق الضمان الصحي ستتراجع دفعة واحدة بمجرد أن يقتنع الناخب بأحد المرشحين ويمنحه صوته.

هذه المرة أضيفت إلى المشكلات الاجتماعية الموعودة بالحل قضية شائكة تشبه جبل الجليد، ذلك أن ما يخرج منها أمام الناس وفي وسائل الإعلام ليس سوى جزئها البسيط، بينما تتكدس في أقسام الشرطة ملفات بعشرات الآلاف لدعاوى محكومة بالعجز والصمت، هي في حقيقتها الجزء المختفي تحت الماء من جبل الجليد. إنها ظاهرة العنف الزوجي ضد النساء في بلد يعتبر رائدا في ميدان حقوق الإنسان ويرفع عاليا راية المساواة بين الجنسين. ويكفي لفهم حجم الظاهرة أن نعرف أن أكثر من 150 امرأة فقدت حياتها في العام الماضي بسبب العنف العائلي، أي أن امرأة تموت في فرنسا بما معدله كل يومين بسبب الاعتداء الجسدي الذي تتعرض له على يد رجل من أسرتها وغالبا ما يكون شريك حياتها، مع العلم بأن الأرقام تستند إلى الشكاوى التي سبق وتقدمت بها نساء ضد شركائهن، ذلك أن كثيرات يواجهن الموت، وتسجل الوفاة كحادث غير إجرامي وقع نتيجة القضاء والقدر.

يختلف المرشحون في درجة الاهتمام الذي يولونه لهذه المشكلة في برامجهم الانتخابية. إن نيكولا ساركوزي، الرئيس الساعي لولاية ثانية، بارع في استنباط مقترحات جديدة مع كل ظهور جديد له أمام الناخبين. وبهذا فقد تفتق ذهنه عن وسيلة جهنمية للحصول على التمويل اللازم لحماية النساء المعنفات، فقال إنه سيجعل مرتكبي العنف يدفعون من جيوبهم جانبا من الدعم المخصص للضحايا. وإذا كان ساركوزي قد وضع، في ولايته الحالية، مؤشرات وخططا للحد من العنف الزوجي، فإن متنافسا آخر على الرئاسة، هو نيكولا دوبون إنيان، يتهم العدالة الفرنسية بأنها متراخية في ما يخص التعامل مع شكاوى العنف ضد النساء. وفي ندوة عقدت في معهد باريس للعلوم السياسية وتواجه فيها الطلاب مع عدد من المرشحين، دعا مرشح حركة «قيام الجمهورية» إلى «إعادة بناء العدالة» والسعي لتطبيق قوانين تبقى حبرا على ورق.

ليس العنف الزوجي وحده ما يطالب مرشحون بالتصدي له، وإنما الأشكال الأخرى من الحط من شأن المرأة مثل الاغتصاب والتحرش الجنسي أو المعنوي في العمل وكذلك انتشار الدعارة. وفي سبيل خفض أرقام الضحايا وأعداد الوفيات، دعت مرشحة أحزاب البيئة إيفا جولي ومعها المرشحان جان لوك ميلانشون (جبهة اليسار) وفرنسوا بايرو (وسط) إلى إصدار قانون جديد لتأطير كل هذه القضايا التي تلقي بضررها على النساء. إنهم يدعون في برامجهم إلى تشكيل ورشة تشريعية كبيرة تغطي النواقص القائمة التي تمنع متابعة أحوال الضحايا وردع مرتكبي هذا النوع من العنف، بالإضافة إلى تعزيز حملات التوعية وأسس التربية. ويتفق المرشحون الثلاثة على ضرورة تخصيص المزيد من مساكن الطوارئ لاستقبال النساء المعنفات. ويذهب ميلانشون، الصاعد في استطلاعات الشعبية، إلى حد الوعد بإصدار رخص إقامة في فرنسا للنساء الأجنبيات من ضحايا العنف الزوجي.

أين فرنسوا هولاند من هذه القضية؟ يعد المرشح الاشتراكي، في حال فوزه، بأن يكون أكثر تشددا في تطبيق العقوبات التي يتضمنها القانون ضد الأزواج العنيفين. لكن هولاند لا يقدم المزيد من التفاصيل في برنامجه الانتخابي. أما مارين لوبن، مرشحة اليمين المتطرف، فإن وعودها تقوم على «منح مكان حقيقي» للضحايا عموما، في الإجراءات القضائية، دون تركيز خاص على النساء المشتكيات من العنف الجسدي والنفسي.

وقد يبدو ضرب المرأة أخف وطأة من دفعها نحو الدعارة في ظل أرقام للمكتب المركزي لمكافحة الاتجار بالبشر تؤكد وجود نحو 20 ألف بائع وبائعة هوى في فرنسا، غالبيتهم من النساء. ومع بروز ظاهرة المافيات التي تتاجر بالنساء الآتيات من شرق أوروبا وأفريقيا والصين، يصبح من المنطقي الحديث عن إرغام للنساء، بل والقاصرات منهن، على العمل في تجارة يلقين فيها معاملة الرقيق. إنها المشكلة التي يتحرج المرشحون من الخوض في تفاصيلها رغم أن جدلا عاما دار حول منع الدعارة بشكل حاسم وكامل، بناء على طلب الجمعيات النسائية، أو إعادة الترخيص لدور البغاء التي كانت قائمة في فرنسا حتى منتصف القرن الماضي، نزولا عند رغبة أصحاب النظرة الواقعية.

لقد صدرت تعديلات قانونية، في عهد ساركوزي، منعت فتيات الليل من اعتراض سبل الزبائن في الأماكن العامة وعلى الطرقات الخارجية، غير أن القانون ظل ملتبسا في تفسيراته، وهو يدين ما سمي بـ«التقرب السلبي»، كما لم يدخل حيز التطبيق وهو يهدد بمعاقبة الزبون، أيضا، في بلد يفد إليه أكثر من 70 مليون سائح في السنة. وهنا أيضا يرتفع صوت ميلانشون، مرشح جبهة اليسار، ليدعو وبشكل واضح إلى منع تجارة الجسد من خلال ردع زبائنها قبل غانياتها. وفي حين لا يحبذ بايرو، مرشح الوسط، إلغاء نظام الدعارة باعتبارها أقدم مهنة في التاريخ، كما تدعو إيفا جولي إلى «التوعية» حولها، فإن هولاند يدفع بالكرة إلى الملعب الأوروبي ويطالب بحل شامل لها على صعيد القارة كلها وبعد استشارات محلية موسعة يشارك فيها المواطنون.

ألطف الوعود الساعية لإنصاف المرأة هو ذاك الذي دعا إليه المرشح دوبون إنيان والقاضي بإطلاق علامة «نساء - رجال» تمنح للشركات والمعامل التي تطبق العدالة في المرتبات بين الجنسين، على مدى 5 سنوات متتالية، على أمل أن تشجع هذه العلامة الترويج لمنتجاتها.