سباق عملاقي القطاع البنكي الأميركي يواصل خطف الأنظار

«سيتي غروب» و«بنك أوف أميركا» بينهما قواسم مشتركة

TT

لقد اعتاد «بنك أوف أميركا» أن يكون السهم الذي يحب «وول ستريت» أن يكرهه. وفي المقابل، كان يفترض أن يكون «سيتي غروب» ذلك البنك المتعثر الذي بدأ أخيرا في ترتيب أوراقه.

لكن هذين الدورين المألوفين تم عكسهما في 2012، ومع قدوم موسم أرباح البنوك، الذي من المنتظر أن يبدأ في وقت لاحق من الأسبوع الحالي، سوف يراقب المستثمرون عن كثب كي يروا كيف سيتبارى هذان البنكان فيما بينهما. وهناك الكثير مما يشترك فيه البنكان، فكلا العملاقين اضطر إلى اللجوء إلى الحكومة من أجل الحصول على مساعدة إثر الأزمة المالية التي وقعت سنة 2008، وكلاهما لديه رئيس تنفيذي قضى معظم مدة ولايته في تطهير إرث الفوضى والمآزق الذي آل إليه.

أيضا، فإن كلتا المؤسستين اضطرت إلى إصدار كميات كبيرة من الأسهم الجديدة بهدف زيادة رأس المال، مما عزز ميزانيتيهما حقا، ولكنه تسبب في أن يصبح سعر الأسهم أقل من المستوى المرتفع الذي كان عليه قبل الأزمة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن كلا البنكين يواجه شبح تخفيض التصنيف الائتماني له من قبل وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز إنفستورز سيرفس»، في منتصف مايو (أيار) المقبل.

وحتى الشهر الماضي، كان يبدو أن «سيتي غروب» يتعافى بسرعة أكبر، ولكن حينما رفض بنك الاحتياطي الفيدرالي اقتراح المؤسسة بإعادة شراء أسهمها وزيادة حصة مساهميها من أرباح الأسهم بعد اجتيازها اختبارات التحمل الشهر الماضي، شعر المستثمرون بالقلق من احتمال أن يكونوا قد راهنوا على الحصان الخطأ.

وقد اجتاز «بنك أوف أميركا» كل اختبارات التحمل التي خضع لها هذه المرة أيضا - بعد عجزه سنة 2011 عن توزيع الزيادة في أرباح المساهمين التي كان المستثمرون يأملون في الحصول عليها - وآثر الاستمرار في زيادة رأس المال خلال الفترة المتبقية من 2012. وقفزت أسهم «بنك أوف أميركا» بنسبة 66 في المائة هذا العام، في حين ارتفعت أسهم «سيتي غروب» بنسبة 33 في المائة، وسط موجة أوسع من الارتفاعات في الأسهم المالية. وبعد أن ظل بنك «سيتي غروب» خارج دائرة الضوء خلال العامين الماضيين، اللذين نجح خلالهما في تحقيق أرباح بلغت 21 مليار دولار، عادت المشكلات المحتملة للبنك إلى الظهور ولفت الانتباه من جديد، حيث أعلن موقع «TheStreet.com»، بعد نشر نتائج اختبارات التحمل في مارس (آذار) الماضي: «(سيتي غروب) هو (بنك أوف أميركا) الجديد».

وما زال من الممكن أن يقوم فيكرام بانديت، الرئيس التنفيذي لبنك «سيتي غروب»، وكبار المسؤولين الآخرين بالبنك، بزيادة أرباح المساهمين بالمؤسسة، وإن كان هذا سيتم في الربع الرابع وبقدر أقل مما كان مقترحا في البداية. وقد أوضح بريان موينهان، الرئيس التنفيذي لـ«بنك أوف أميركا»، أن زيادة مستويات رأس المال والتخلص من الأصول غير الأساسية، وليس إعادة رأس المال إلى المستثمرين، هما أهم شيء في الوقت الراهن.

ويقول جيسون غولدبرغ، محلل بشركة «باركليز»، إنه صدم حين فشل «سيتي غروب» في الحصول على موافقة بنك الاحتياطي الفيدرالي، مضيفا: «لقد أجرينا اختبارات تحمل مصطنعة اجتازها (سيتي) بمستوى معقول».

ويضيف أيضا أن ما فاجأه بالقدر نفسه هو الطفرة التي شهدها «بنك أوف أميركا» هذا العام، حيث أصبح أداؤه بعيدا تماما عن أدائه العام الماضي، حين كان السهم، الذي أغلق على سعر 9.23 دولار الخميس الماضي، يغازل مستوى 5 دولارات، وكانت التساؤلات تزداد عما إذا كان يمتلك ما يكفي من رأس المال، ومشيرا إلى أداء سهم «بنك أوف أميركا» هذا العام، يقول غولدبرغ: «لو سألتني في يناير (كانون الثاني) الماضي عما إذا كان هذا الشيء سيرتفع بنسبة 66 في المائة، لقلت إنك مجنون. لقد قاموا ببعض التدخلات من أجل رفع سعره».

وقد كانت اختبارات التحمل التي أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي، والتي تعد الثالثة والأكثر صرامة منذ وقوع الأزمة المالية سنة 2008، تهدف إلى معرفة مدى تأثر مستويات رؤوس أموال البنوك في حالة حدوث تراجع اقتصادي عميق في الولايات المتحدة وتعرض أوروبا لصدمة متزامنة مع ذلك. وتم إلزام البنوك بإبقاء نسبة رأس المال من الشريحة الأولى - (Tier 1) وهو أقوى مقياس لقدرة أي بنك على امتصاص الضربات المالية - عند نسبة 5 في المائة أو أكثر في ظل الوضع الذي يحدد بنك الاحتياطي الفيدرالي ملامحه.

وقد اجتاز كل من «بنك أوف أميركا» و«سيتي غروب» الجزء الأول من الاختبار، ولكن بعد أخذ خطة «سيتي غروب» لإعادة رأس المال في الاعتبار، تراجعت نسبة رأس المال من الشريحة الأولى لدى البنك إلى 7.9 في المائة. وقد فوجئ مسؤولو «سيتي غروب» نفسه بقرار بنك الاحتياطي الفيدرالي، ولكن مع اتجاه الأنظار للتركيز على الأرباح هذا الأسبوع، بدأ «وول ستريت» يشعر بمزيد من التفاؤل بشأن بنك «سيتي غروب».

وأعلن غولدبرغ، الخميس الماضي، رفع تقديراته لأرباح «سيتي غروب» الربعية بدرجة كبيرة، حيث توقع أن تصل إلى 1.30 دولار للسهم، بعد أن كانت 97 سنتا للسهم، بفضل مبيعات الأصول لمرة واحدة وكذلك تحسن أداء أسواق رأس المال مما أدى إلى زيادة إيرادات التداول، بينما حافظ على تقديره بخصوص «بنك أوف أميركا» كما هو عند 9 سنتات للسهم في الربع الأول.

وسوف يظهر أول مؤشر على شكل أداء البنوك الكبيرة خلال الربع الأول الجمعة المقبلة، حين تعلن اثنتان من أقوى المؤسسات في هذا القطاع، وهما «جي بي مورغان تشيس» و«ويلز فارغو»، أحدث نتائجهما المالية. ومن المقرر أن ينشر «سيتي غروب» تقاريره المالية يوم 16 أبريل (نسيان) المقبل، يليه «بنك أوف أميركا» الذي سيكشف عن أرباحه يوم 19 من الشهر ذاته.

ورغم النتيجة السلبية التي حققها بنك «سيتي غروب» في اختبارات التحمل وتحسن أداء «بنك أوف أميركا»، فإن بعض المحللين ما زالوا حذرين بشأن الأخير، الذي تخلى مؤخرا عن مركزه بوصفه أكبر بنك في البلاد أمام «جي بي مورغان تشيس».

ويقول كريس كوتوفسكي، محلل بشركة «أوبنهايمر»: «المقارنة بين (سيتي) و(بنك أوف أميركا) من الموضوعات المفضلة بالنسبة لي». ويتداول كلا السهمين عند مستوى 70 في المائة تقريبا من القيمة الدفترية، وكلاهما ظل يرفع مستويات رأس المال باطراد منذ الأيام العصيبة التي شهداها سنة 2008. ومع ذلك، يفضل كوتوفسكي «سيتي غروب»، ويعود السبب الأكبر في ذلك إلى أنه لا يواجه الصعوبات المتعلقة بالرهن العقاري التي يعاني منها «بنك أوف أميركا».

وقد قام «بنك أوف أميركا» وعملاق القروض مرتفعة المخاطر الذي قام بشرائه سنة 2008، وهو شركة «كانتري وايد فينانشل»، بتوريق وبيع رهون عقارية تساوي قيمتها حاليا 750 مليار دولار قبل أن تنفجر فقاعة قطاع الإسكان، وهناك ما قيمته 220 إلى 250 مليار دولار تقريبا من تلك الرهون العقارية يشهد تأخرا في السداد أو تم حبس الرهن المربوط به. ويقول كوتوفسكي إن المستثمرين خسروا نحو 125 مليار دولار، وهم يحاولون الضغط على «بنك أوف أميركا» من أجل إعادة شراء بعض من تلك الأوراق المالية، معللين ذلك بأن القروض تمت بصورة غير سليمة.

كان «بنك أوف أميركا» قد خصص بالفعل مبلغ 15 مليار دولار من أجل تغطية الخسائر المحتملة نتيجة عمليات استرداد الرهون تلك، لكن كوتوفسكي يقول: «من يدري: هل هذا كاف أم لا؟» وأضاف: «ربما يكون هذا كافيا، ولكن لا توجد طريقة للتأكد من ذلك». ويقول إن بنك «سيتي غروب» يواجه هو الآخر خسائر محتملة من استرداد الرهون، لكن هذه الخسائر لا تعادل سوى جزء بسيط مما يكابده «بنك أوف أميركا».

وبالنظر إلى كل أوجه التشابه بين البنكين، يقول المحللون إن الأرباح في المستقبل سوف تخضع لعوامل مختلفة في المؤسستين الماليتين العملاقتين. ويأمل المستثمرون في «بنك أوف أميركا» أن يفيد البنك من حالة التعافي التي قد يشهدها الاقتصاد الأميركي ككل، وسوق الإسكان على وجه الخصوص. وتأتي 78 في المائة من إيرادات «بنك أوف أميركا» من داخل الولايات المتحدة.

أما بالنسبة لبنك «سيتي غروب»، فهو مرتبط أكثر بشكل أداء «وول ستريت»، وكذلك بأداء الأسواق العالمية، التي يأتي منها نحو نصف إيرادات البنك، خاصة في مناطق ناشئة مثل آسيا وأميركا اللاتينية.

ويقول ديفيد إليسون، مدير لصناديق الاستثمار ببنك «إف بي آر»، الذي يستثمر في الشركات المالية ويمتلك أسهما في كلتا المؤسستين: «سوف يتحسن وضع (بنك أوف أميركا) إذا تحسن الوضع في قطاع الإسكان. نشاط (سيتي غروب) تجاري أكثر، وسوف يستفيد إذا تحسنت أوضاع القروض الاستهلاكية».

ويقول إليسون إن المهم في الأمر هو أنه بعد ثلاث سنوات فقط من شطبهما من «وول ستريت»، «فإن كلا البنكين سوف ينجو ويعود إلى تحقيق الأرباح. لم تحن نهاية العالم بعد».

* خدمة «نيويورك تايمز»