«البيت النوبي» بالأقصر.. يستعيد تراث الأجداد

رسومات فرعونية وعربية ونوبية بالحنة للزوار الأجانب والمصريين

فتيات نوبيات يقمن بالرسم على أوان من الفخار بالبيت النوبي
TT

يحمل هذا المكان رائحة أرض وثقافة النوبة، وتفوح منه أنماط شتى من فنونهم اليدوية البسيطة الباهرة سواء في الرسم على الفخار والجلد، أو صناعة السجاجيد والملابس الشعبية المزركشة بصور من الطبيعة النوبية. كما يستقبل زواره برسومات وموتيفات من الحنة المحببة خاصة على كفوف الفتيات والنساء.

يعرف المكان باسم «البيت النوبي» كما هو مألوف بين الناس، أو رسميا «المركز الحضاري النوبي»، الذي شيد للحفاظ على التراث النوبي القديم المتميز بجماله وروعته واستخدامه للخامات المحلية في تصنيع المنتجات الحياتية التي يعتمد عليها الإنسان النوبي. ويلعب البيت دورا مهما في الحفاظ على هذا التراث من الاندثار ولتعويض أبناء النوبة المهجرين عن بيئتهم الطبيعية التي افتقدوها بعد تهجيرهم.

افتتح «البيت النوبي» القابع بجنوب مدينة الأقصر على الحافة الشرقية لنهر النيل عام 2007، كمشروع للارتقاء بصناعة الحرف النوبية من خلال استخدام خامات البيئة في إحياء فنون التراث النوبي، ويضم المشروع عددا من الحرف اليدوية مثل مشغولات الخوص والجريد ومشغولات الخرز والسجاد والكليم والفركة والفخار والجلود ورسم الحنة.

ويقع «البيت النوبي» على مساحة كبيرة، ويشتمل على مبنى مكون من طابقين منشأ على الطراز النوبي، الطابق الأول منه تتوسطه مندرة لاستقبال الزائرين و6 غرف لتصنيع المنتجات اليدوية التي تمثل التراث النوبي، أما الطابق الثاني فمخصص لعقد الدورات التدريبية للفتيات على الصناعات والحرف التي يضمها البيت. ويتم التدريب فيها على تصنيع منتجات من الخيش والجريد والخوص، وتصنيع منتجات الكليم من الصوف والقصاقيص، وتصنيع منتجات الفركة باستخدام النول اليدوي وتصنيع منتجات الفخار والخرز والحلي النوبية، وتصنيع منتجات من الجلد، بالإضافة إلى قسم خاص للرسم بالحنة سواء على النظام النوبي أو العربي أو الفرعوني.

ولم يغفل مصمم «البيت النوبي» أن يكون تشييده بنظام القباب التي كانت تبنى عليها البيوت النوبية القديمة وتسمح بمرور الهواء بما يجعله دائم التهوية ويميزه بجو ملائم طوال فترات السنة. ويحيط بـ«البيت النوبي» من الخارج مساحات خضراء وسياج من الأشجار الخضراء تعطي إحساسا بالمعيشة في الحياة النوبية القديمة.

ويفتح «البيت النوبي» أبوابه مجانا لجميع الزائرين مع عرض المنتجات اليدوية التي تقوم بتصنيعها الفتيات بأسعار بسيطة جدا.

ويعتمد المركز على القرى المحيطة والفتيات من ذوات الأصول النوبية، ويضم 47 فتاة يعملن بالحرف المختلفة الموجودة بـ«البيت النوبي».

ويهدف البيت بالإضافة إلى الحفاظ على تراث النوبة، إلى تعريف المجتمعات الدولية بالثقافة النوبية، وتحسين دخل الفتيات وإكساب المرأة النوبية مهارات الاتصال والتفاوض وتنميتها فنيا وفكريا، بالإضافة إلى إنتاج مشغولات يدوية وتسويقها للأجانب والمصريين.

ولا يقتصر دور «البيت النوبي» على تشغيل الفتيات وتعليمهن الحرف فقط، بل إن له دورا اجتماعيا حيث يقوم بعقد ندوات صحية واجتماعية لتوعية الفتيات العاملات بالبيت.

حول أنشطة البيت قالت المهندسة إيمان عياد، مديرة مشروع «البيت النوبي»: «نحرص من خلال عملنا في البيت على أن نراعي أن تناسب المنتجات جميع الأذواق، سواء المصريون أو الأجانب، فـ(البيت النوبي) يقصده الكل، لكن في الفترة الأخيرة زاد عدد المصريين وانخفض عدد الأجانب مع حالة الركود التي يشهدها القطاع السياحي».

وحول طموحات المستقبل تقول إيمان: «أتمنى أن يتحول «البيت النوبي» إلى مركز إعداد تابع لوزارة الشؤون الاجتماعية حتى يكتب له الاستمرار والبقاء»، مشيرة إلى أن «البيت يدعم من قبل الصندوق الاجتماعي على مرحلتين انتهت الأولى وبدأت الثانية، وبعد ذلك سوف يترك البيت لتقرير مصيره بنفسه، وهذا يشكل عثرة أمامنا، خاصة أن البيت يلعب دورا اجتماعيا مهما، فهو يفتح أبواب رزق للكثير من الأسر، وهناك إقبال شديد على منتجاته».

وتسعى مديرة المشروع إلى البحث عن إمكانية لوضع «البيت النوبي» على برامج زيارات الأجانب لمصر، حتى يصبح بندا أساسيا في زياراتهم لمحافظة الأقصر بجانب المعابد والمتاحف الأثرية، كما تتمنى من السادة القائمين على إعداد المؤتمرات الكبرى دعوة البيت لعرض منتجاته المتميزة لكسب رواد جدد للبيت، وللخروج من حيز المحافظة الضيق.

وأضافت مديرة المشروع أن هناك الكثير من المدارس التي تضع «البيت النوبي» على جدول زيارتها لتعريف الطلاب بالتراث النوبي من خلال الحرف التي تعبر عن إبداعات هذه الفئة المنسية.