جدل السياسة يسيطر على حياة المصريين في مرحلة ما بعد مبارك

البعض يعتبر «الإخوان» كشفوا أنفسهم في 3 أشهر فقط

TT

انطلق الحارس عبد الرحمن شريف مسرعا داخل نفق عمره ثلاثة آلاف عام مزين بنقوش هيروغليفية رائعة ليوبخ مجموعة من الشبان القادمين من القاهرة.

وصرخ شريف وفقا لتقرير لـ«رويترز» في أفراد المجموعة لانتمائها إلى قطاع من السكان أثار استياءهم الانتفاضة ضد الرجل الذي وصف بأنه فرعون مصر الحديثة (لماذا فعلتم هذا.. ألقيتم بحسني مبارك في السجن وأهنتموه ما السبب؟).

ولكن في حين أن الاضطرابات ربما أضرت شريف في مصدر رزقه لأنها تسببت في إحجام السياح عن زيارة مصر فإنها أيضا سمحت له بمساحة من الحرية السياسية ما كان ليحلم بها منذ 14 شهرا.

وفي حين لم تتحقق بعد الآمال في إنهاء الفقر والفساد ولا يزال المصريون يخشون العودة إلى العهد القديم، فإن روحا من الجدل السياسي الذي لا يمكن كبحه، فيما يبدو، منتشرة في كل مكان بدءا من دور العرض السينمائي وصالونات الحلاقة وانتهاء بطوابير المتاجر الكبيرة والمطابخ في المكاتب ومرائب السيارات.

ومع بدء العد التنازلي لأول انتخابات رئاسية حقيقية في البلاد لا يستطيع أحد أن يتوقف عن الحديث عن السباق ولمن سيعطي صوته وكيف سيؤثر هذا على مستقبله.

ولا يحتاج فتح أي حوار سياسي مجهودا كبيرا، ففي حالة شريف كانت مجرد رؤية مجموعة من الشبان كافية. وما أن انتهى من توبيخهم والحديث عن أن إسقاط مبارك كان خطأ حتى انتقل مباشرة إلى موضوع من الذي ينبغي أن يحل محله.

ويقول شريف وفقا لتقرير «رويترز» إنه لا يريد أن تسكته السلطات بعد الآن أو أن يخاف مما سيظنه الآخرون. وأضاف أن الوقت قد حان لتخوض مصر حوارا عملاقا.

وأضاف شريف (46 عاما) الذي كان يرتدي جلبابا: «بالطبع سأصوت وبالطبع سأتحدث عن الأمر مثل أي أحد. هذه حياتي ومستقبلي».

وازداد عدد البرامج الحوارية بشكل كبير منذ اندلاع الثورة لتتراجع المسلسلات الدرامية التي تشتهر بها مصر من المساحات المحجوزة لإذاعتها في الأوقات التي ترتفع فيها نسب المشاهدة. حتى البرامج التي كانت مخصصة لمناقشة أحدث الصيحات أو التعليق على الأحداث الرياضية تتخللها مناقشات سياسية.

وحين بدأ مشاهد بإحدى دور السينما في القاهرة الحديث، أثناء عرض الفيلم، عن أحدث التطورات السياسية على موقع «تويتر» لم يطلب مشاهدون آخرون منه أن يصمت بل انضموا للحديث. واقترح أحدهم أن يتجمعوا في استراحة دار العرض، قائلا: «أحتاج لمزيد من التفاصيل. لنكمل حديثنا في الخارج. وخرج جميع الجالسين في الصف للحديث».

ويخوض عدد من المسؤولين السابقين والليبراليين والإسلاميين الانتخابات التي تجري في مايو (أيار) ويونيو (حزيران)، منهم عمرو موسى وزير الخارجية المصري والأمين العام لجامعة الدول العربية سابقا الذي يتمتع بشهرة واسعة.

ومن المرشحين الآخرين رئيس المخابرات في عهد مبارك عمر سليمان، وخيرت الشاطر عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين التي حققت مكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في وقت سابق من العام الحالي.

وفي مرأب للسيارات بوسط القاهرة تجمع عدد من حراس الأمن حول مذياع ليستمعوا إلى إحدى جلسات البرلمان وهو مشهد لم يكن متصورا في عهد مبارك حين كان مجلس الشعب يكتظ بأعضاء الحزب الوطني الحاكم آنذاك وكان دوره يعتبر شكليا.

وقال الحارس الذي اكتفى بذكر المقطع الأول من اسمه وهو عزيز: «أستيقظ يوميا لأجد شيئا جديدا. هذا مثل مشاهدة مسلسل درامي أو ربما فيلم هندي.. كلا الأفلام الهندية مسلية. هذا فيلم ياباني من دون ترجمة. ولا يمكن أن أصوت للإخوان المسلمين مجددا».

وأضاف: «احتجنا 30 عاما لنكتشف حقيقة حكم الحزب الواحد الذي شهدناه في عهد مبارك لكننا لم نحتج سوى لثلاثة أشهر لنكتشف أن الإخوان المسلمين يريدون أن يفعلوا نفس الشيء».

ويواجه كثير من المصريين اختيارا حقيقيا للمرة الأولى ويحرصون على أن يسمعوا ما يفكر فيه من حولهم وما تقوله وسائل الإعلام ليساعدهم على اتخاذ القرار.

وكان النقاش الجماعي العفوي الذي خاضه أحمد مشابها. وانضم ثلاثة من المارة. كما توقف سائق يبحث عن مكان لصف سيارته ليعبر عن آرائه.

في صالونات تصفيف الشعر التي كانت الزبونات ومصففو الشعر يتحدثون داخلها بالأساس عن العلاقات العاطفية وأخبار المشاهير، تتم الآن مناقشة مستقبل البلاد والانتقال السياسي. وقال مصفف الشعر وليد محمد: «لا أدري لمن أعطي صوتي لكنني أميل لشخص مثل أحمد شفيق. نحتاج إلى رجل قوي ليعيد الأمن»، في إشارة إلى آخر رئيس وزراء في عهد مبارك والذي كان أيضا قائدا للقوات الجوية.

وطلبت امرأة من مزينة أظافرها أن تستريح قليلا حتى تعبر إلى الجانب الآخر من الغرفة لتوضح وجهة نظرها قائلة: «ماذا تقول.. لا يستطيع الرجل أن يصبح رئيسا. انتبهوا إلى تعبيرات وجهه. إنه ديكتاتور. ولا يعرف كيف ينصت لأحد».

بل إن مجلات الموضة لم تفلت من هذا الجدل. وذكرت إحدى مجلات الجمال أن المعيار الجديد للزوج المثالي هو أن ينتمي لصفوف الثوار.

وقالت علا محمد (26 عاما): «لا يمكن أن تكون بمعزل عما يحدث، لأن كل من حولك وحتى في مجلة كهذه هناك حديث عن السياسة».

ويقول كثير من المصريين إن الجدل المستمر يمكن أن يكون مملا. ويتوق البعض إلى الوقت الذي كانت فيه السياسة أبسط. ويشيرون إلى أن مناقشات كثيرة تتحول إلى سلسلة من الأحاديث من طرف واحد بحيث يشعر من يهتمون بعالم السياسة للمرة الأولى بأنهم تائهون. وقالت سلمى علي (24 عاما) وتعمل بشركة متعددة الجنسيات: «الكل يختلق دائما شيئا. الجميع يعتقدون أنهم عباقرة أو أن لديهم حلا ذكيا لكل شيء وأن حلهم هو الصواب.. لا أحد ينصت». لكن علا التي اعترفت بأنها لم تكن تشاهد نشرة الأخبار قبل الانتفاضة الشعبية قالت إن هذا الصخب له جاذبية. وأضافت نحن منشغلون ببلدنا ونحاول لعب دور نشط. أحيانا يعني هذا الدخول في حوار.