مسؤولون أميركيون وخبراء يرجحون تراجع احتمالات الحرب على إيران

أرجعوه إلى موافقتها على المفاوضات.. والانقسام داخل إسرائيل.. ورفض واشنطن المواجهات العسكرية

TT

بعد شتاء شابه التوتر حول احتمالية نشوب صراع عسكري وشيك بشأن البرنامج النووي الإيراني، يعتقد مسؤولون أميركيون ومحللون دوليون أن احتمالات اندلاع حرب في المستقبل القريب قد انخفضت بشكل كبير.

يستشهد هؤلاء الأشخاص بمجموعة من العوامل التي تؤكد على عدم نشوب هذا الصراع في الوقت الراهن، فقد دفع التهديد بفرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة بالإيرانيين إلى محاولة تبني بعض التكتيكات الأكثر مرونة في تعاملاتهم مع الولايات المتحدة والقوى الأخرى، فيما ساعد إحياء المفاوضات المباشرة على تخفيف وطأة التصريحات المثيرة من جانب كل الأطراف.

بدأ الانقسام المتزايد بين القادة السياسيين ومسؤولي الجيش والاستخبارات في إسرائيل حول الحكمة من مهاجمة إيران، في الصعود إلى السطح في هذه الآونة، في الوقت الذي يبدو فيه البيت الأبيض مصمما على منع نشوب أي مواجهة من شأنها أن تؤدي إلى حدوث اضطرابات في أسواق النقط العالمية في عام الانتخابات الأميركية.

قال مسؤول في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأسبوع الحالي: «أعتقد أن الأجواء قد أصبحت هادئة».

في الوقت ذاته، لا يستبعد أحد إمكانية تلاشي حالة التفاؤل الراهنة، فيقول دينيس روس، الذي تولى سابقا مسؤولية السياسة الإيرانية في إدارة أوباما: «على الرغم من عدم وجود اتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل حول الوقت المتبقي، فإن هناك اتفاقا على منح الوسائل الدبلوماسية بعض الوقت. لذلك أعتقد أن التركيز في الوقت الراهن منصب على المفاوضات، وهذا لا يعني زوال خطر استخدام القوة، ولكنه يكمن خلف تلك المحاولات الدبلوماسية».

تعد المحادثات التي عقدت منذ أسبوعين في إسطنبول بين إيران والولايات المتحدة وبعض القوة العالمية الأخرى بمثابة نقطة تحول في التفكير الأميركي الحالي حول إيران. ساد القليل من التفاؤل الأجواء في واشنطن في الأيام التي سبقت انعقاد تلك المحادثات، لكن المفاوضين الإيرانيين بدوا أكثر مرونة وانفتاحا على حل تلك الأزمة عما كان متوقعا، على الرغم من عدم التوصل لأي اتفاق، سوى على عقد جولة أخرى من المحادثات في بغداد الشهر الحالي. ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن التهديد الذي يلوح في الأفق بفرض عقوبات اقتصادية أكثر صرامة التي ستصبح نافذة المفعول اعتبارا من 1 يوليو (تموز) المقبل، هو ما أقنع الإيرانيين باتخاذ تلك المفاوضات بصورة أكثر جدية، وهو ما قلل بدوره من خطر نشوب تلك الحرب.

يقول أحد مسؤولي الإدارة الأميركية، الذي اشترط، مثل المسؤول الأول، عدم الكشف عن اسمه عند مناقشة بعض الأمور الحساسة: «لقد توالى حدوث مجموعة من العوامل، مثل المحادثات والعقوبات، لذا، أعتقد أن الناس قد بدأوا يدركون الآن أنه يجب إعطاء بعض الوقت لحل تلك المسألة. ولذا، فإن الطريقة الحالية التي تجمع بين الدبلوماسية والضغوط تقدم نافذة أمل لحل هذه الأزمة».

وفي لقاء تلفزيوني يوم الأربعاء، قال السناتور جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي: «لدي ثقة بأن هناك سبيلا للمضي قدما».

وقد سعى كبار المسؤولين الإيرانيين لتصوير جولة المفاوضات التي عقدت في إسطنبول على أنها ناجحة، وهو ما اعتبر إشارة، وفقا للمسؤولين الأميركيين والمحللين الدوليين، على أن الحكومة الإيرانية تعد الرأي العام لعقد صفقة مع الغرب والتي قد يتم تصويرها على أنها انتصار لإيران.

قال وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي عقب تلك المحادثات: «أعتقد أننا في بداية النهاية لما أسميه الملف الإيراني المصطنع»، متوقعا «حدوث المزيد من التقدم في الاجتماع الذي سيجري في بغداد».

وأفادت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية، التي تسيطر عليها الحكومة الإيرانية، أن رجل الدين البارز آية الله كاظم صديقي قد أدلى بتصريحات إيجابية حول تلك المفاوضات، حيث قال في خطبة الجمعة أمام آلاف المصلين في طهران إنه إذا أظهرت الولايات المتحدة والدول الأخرى التي تتفاوض حاليا مع إيران «تصرفا منطقيا في المحادثات النووية، ستكون النتيجة مرضية للجميع».

وأضاف صديقي، طبقا للوكالة، إن اجتماع إسطنبول قد أظهر «قوة وكرامة الأمة الإيرانية التي نتجت عن مقاومة الشعب الإيراني التي جاءت وفقا لتوجيهات المرشد الأعلى».

في الوقت ذاته، أدت سلسلة التصريحات العلنية التي قام بها بعض المسؤولين الحاليين والسابقين في الجيش والاستخبارات الإسرائيلية حول الحكمة من مهاجمة إيران إلى حدوث انقسام في الحكومة الإسرائيلية المحافظة بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وجاء أحدث تعليق في هذا الشأن من جانب يوفال ديسكين، وهو الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي في إسرائيل المعروف باسم «شين بيت»، الذي قال يوم الجمعة الماضي إنه ينبغي عدم الوثوق في نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك لتحديد السياسة الإسرائيلية تجاه إيران. وأضاف ديسكين أن أحكام كلا الرجلين يتم اتخاذها على أساس «مشاعر غيبية». وأكد ديسكين، الذي كان يتولى قيادة «شين بيت» حتى العام الماضي، أن شن أي هجوم على إيران قد يجعلها تسرع من وتيرة العمل في برنامجها النووي.

وقبل أيام قليلة، أشار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بيني غانتس خلال مقابلة شخصية مع صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، إلى أن الخطر النووي الإيراني ليس وشيكا بالشكل الذي صوره نتنياهو. وخلال تعليقه على تلك القضية، أشار غانتس إلى أنه يتفق مع تقديرات الاستخباراتية الأميركية التي تشير إلى أن إيران لم تقرر بعد ما إذا كانت ستسعى لصناعة قنبلة نووية أم لا.

وقال غانتس في حديثه مع صحيفة «هآرتس»: «تقترب إيران خطوة تلو الأخرى من النقطة التي تصبح عندها قادرة على أن تقرر إن كانت تريد صنع قنبلة نووية أم لا، ولكنها لم تقرر بعد ما إذا كانت ستقدم على الخطوة الأخيرة أم لا». وأشار غانتس إلى أن الأزمة لن تصل لذروتها خلال العام الحالي، ولكنه أضاف: «من الواضح أنه كلما تقدم الإيرانيون في برنامجهم النووي، زاد الأمر سوءا».

ويتعامل نتنياهو مع تلك الانتقادات في الوقت الذي يواجه فيه احتمال إجراء الانتخابات خلال العام الحالي، بدلا من العام المقبل، لأسباب سياسية داخلية.

وهناك انقسام حاد داخل المؤسسة الإسرائيلية في هذا الشأن، لأن إسرائيل تهدد بشن هجوم أحادي الجانب على المنشآت النووية الإيرانية إذا ما كانت الولايات المتحدة لا ترغب في القيام بذلك. وتخشى الولايات المتحدة من أن تقوم إسرائيل بشن هجوم على إيران، مما قد يؤدي إلى جر الولايات المتحدة إلى تلك المواجهة واتساع نطاق الحرب في المنطقة.

وقد بدا جو الأزمة أكثر وضوحا في شهر مارس (آذار) الماضي، عندما قام نتنياهو بزيارة إلى واشنطن. وحاول الرئيس الأميركي باراك أوباما - خوفا من فقدان أصوات اليهود في الانتخابات الرئاسية - أن يُحدث نوعا من التوازن من خلال إظهار التأييد لإسرائيل، ولكن دون تأييد القيام بأي عمل عسكري في أي وقت قريب. وقال أوباما حينئذ إنه «يؤيد إسرائيل» وأشار بقوة إلى أن الولايات المتحدة سوف تشن هجوما عسكريا لمنع إيران من تصنيع قنبلة نووية.

وأوضح أوباما أنه لن يكون على استعداد لتبني سياسية «الاحتواء» تجاه إيران، التي تعني موافقة الولايات المتحدة على تصنيع إيران قنبلة نووية في الوقت الذي تحاول فيه منع سباق التسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط.

وقد جاء التخلي عن سياسية «الاحتواء» خيارا سياسيا نتيجة نقاش مكثف داخل الإدارة الأميركية، مما جعل واشنطن تتخذ موقفا أكثر قربا من تل أبيب، وتم النظر إلى تلك الخطوة من جانب البيت الأبيض على أنها أكبر مكافأة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خلال زيارته لواشنطن. ومع ذلك، أوضح أوباما أنه يعتقد أن الوقت قد حان لإعطاء الفرصة للدبلوماسية.

ومع ذلك، حذر بعض المحللين من اشتعال الأزمة الإيرانية مرة أخرى في حالة عدم تحقيق تقدم كبير في المحادثات التي ستحتضنها العاصمة العراقية بغداد. وكانت اجتماعات إسطنبول تهدف إلى تحديد ما إذا كانت طهران جادة في بدء جولة جديدة من المفاوضات أم لا، ولكن من المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة وغيرها من الدول خلال محادثات بغداد بمطالبة إيران بالبدء في مناقشة تفاصيل صفقة محتملة. وقد يتطلب هذا أن تظهر إيران رغبة في تقديم تنازلات بشأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم، ربما عن طريق الموافقة على التوقف عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، وهو المستوى الذي يفوق اللازم لإنتاج الطاقة السلمية.

* خدمة «نيويورك تايمز»