تفجيرات دمشق.. وخلط الحقائق بالأكاذيب

ناشطون: كل ليلة نحن على موعد مع أصوات انفجارات ضخمة وشائعات أضخم

TT

سكان العاصمة دمشق أصبحوا على موعد يومي، منذ عدة أشهر وبعد انتصاف الليل، مع تردد أصداء أصوات تفجيرات ضخمة في أحياء العاصمة، وغالبا تبقى مصادرها غامضة؛ إذ لا يتكشف إلا النذر اليسير عن طبيعتها، وكأنما هو «لهو خفي» في كواليس صراع يخوضه النظام من أجل البقاء.

ومنذ بدأ المراقبون - سواء العرب والدوليون - مهامهم في سوريا، ووقوع تفجيرات بنهاية العام الماضي في حي الميدان وما تبعها من سلسلة تفجيرات جاءت متشابهة إلى حد التطابق حتى في أعداد الضحايا، تزداد توقعات سكان العاصمة بازدياد هذه الأحداث، التي ارتبطت بوجود المراقبين. وهناك من يراها إحدى أبرز وسائل النظام لضبط الأمن وإرهاب المدنيين في المدن الكبرى، مثل دمشق وحلب، ولمنع خروج مظاهرات سلمية حاشدة. فلم يعد خافيا كما يقول سكان محليون أن النظام ما زال حريصا على ترشيد وسائل قمع التظاهر السلمي في دمشق وحلب، حيث ما زال يفرض سيطرته، متبعا الحل الأمني دون الحل العسكري الذي استخدمه لتدمير المناطق المتمردة في حمص وريف دمشق ودرعا وإدلب.

ويقول ناشط في حلب: «النظام لا يريد لحلب ودمشق أن تتحولا إلى حمص أو درعا، لذا فإن التفجيرات والقنابل الصوتية وسيلة ناجعة للترهيب لم يستخدمها في أي منطقة كما يستخدمها في دمشق وحلب».

بعد منتصف ليل أول من أمس الأحد سمع سكان وسط العاصمة أصوات سلسلة من التفجيرات تخللها إطلاق رصاص، وتفاوتت شدتها وكثافتها بين منطقة وأخرى بينما تداولت وسائل الإعلام العربية أنباء عاجلة عن تفجيرات تسمع في العاصمة دمشق وإطلاق رصاص كثيف. وبعد قليل، بث التلفزيون السوري صورا لما قال إنها آثار هجوم «مجموعة إرهابية مسلحة» على مبنى المصرف المركزي، في ساحة السبع بحرات وسط العاصمة دمشق، وأيضا هجوم على دورية شرطة بقذائف «آر بي جي».

وقال التلفزيون السوري إن الأضرار اقتصرت على أضرار مادية بسيطة، فيما أصيب أربعة من عناصر الأمن السوري بجراح، في هجوم على دورية شرطة في حي ركن الدين. وركزت تقارير الإعلام الرسمي على اتهام «المجموعات الإرهابية المسلحة» بـ«انتهاك» خطة المبعوث الدولي العربي المشترك، كوفي أنان، التي تهدف لوقف العنف بسوريا. وأظهرت الصور تتضرر أحد أعمدة واجهة مبنى المصرف، وتحطم سيارة الشرطة وتضرر بعض المحلات.

وأكد بيان أصدره المركز الإعلامي السوري المعارض فور انتشار أنباء التفجيرات أن «الأهداف التي تم الإعلان عن حدوث انفجارات فيها ليس لها أي أهمية عسكرية أو لوجستية»، معتبرا «إعلان التلفزيون السوري وقناة النظام (دنيا) عن تلك التفجيرات وإيفاد مندوبيها إلى تلك الأماكن وتصوريها، خطوات مشابهة لما حصل في تفجيرات سابقة ثبت أن النظام وراءها». وأهاب المركز بجميع السوريين «عدم الاندفاع وراء تلك الأخبار وتقصي الحقائق التي تكشف القصد الخبيث من وراء تلك التفجيرات، خصوصا أنها تتزامن مع وصول رئيس بعثة المراقبين الدولية إلى دمشق».

جاء ذلك، بعد تردد أصداء أصوات تفجيرات ضخمة في العاصمة تجاوز عددها الثمانية في عدة مناطق، حسب شهادات السكان، وسمعت في شرقي ركن الدين وساحة السبع بحرات وساحة الشاهبندر وساحة التحرير وساحة العباسيين والعدوي وباب مصلى وشارع بغداد ومناطق أخرى، بالإضافة إلى تفجير ضخم جرى في ضاحية قدسيا استهدف سيارة عسكرية تقلّ ضابطا بالجيش ومرافقه الشخصي، بعبوة ناسفة زرعت في الطريق وانفجرت لحظة مرور سيارتهما، ولوحظ تضرر النوافذ الزجاجية لأربعة مبان، وواجهات المحال القريبة من الموقع.

ورغم مضي عدة ساعات على تفجير ضاحية قدسيا ووقوع قتلى، فإن وسائل الإعلام الرسمية لم تأت على ذكر الحدث. الأمر الذي فسره أحد الناشطين الشباب في دمشق «بأن الإعلام الرسمي ينقل الأحداث التي يدبرها النظام بهدف إيصال رسائل معينة، ويتضح ذلك من طريقة تعاطي الإعلام الرسمي واستطراده بتركيز الصور على الأشلاء دون مراعاة المشاعر الإنسانية بهدف ترهيب سكان العاصمة وردع التظاهر». وفي المقابل، كما يتابع الناشط الشاب، «لا يقوم الإعلام الرسمي بتغطية كل عمليات التفجير والهجوم التي يقوم بها الجيش الحر وتستهدف ضباط الجيش والأجهزة الأمنية والمتعاونين، وإنما ينتقي منها ما يتناسب مع دعايته كي لا يضعف معنويات مؤيديه».

كما يرى نشطاء آخرون وجود «مبالغات في نقل وتبادل الأخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي» حول حقيقة ما يجري، فأغلب ما يتم تداوله سريعا مبني على تكهنات وقراءات لا على معلومات مؤكدة، و«ما إن يسمع أول تفجير حتى يتزايد نشاط السوريين على الصفحات الاجتماعية، وتختلط الشائعات مع المعلومات. وما بين معلومة عن موقع سماع الصوت وبين متكهن بطبيعته بحسب أهمية الموقع، قصص كثيرة تنسج وتطرح للتداول أغلبها يتلاشى قبل طلوع الفجر».

ومن تلك القصص التي تفتقر للمصداقية وسرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ومنها «فيس بوك» و«تويتر» ما قيل إنه بيان صادر عما يسمى «ألوية تحرير الشام»، حيث ينذر البيان «من الآن وصاعدا، تعلن (كتائب وألوية تحرير الشام) عن انتشار 5000 مقاتل وقناصة لضرب الشبيحة في كل مكان ليلا ونهارا»، واصفا ما جرى ليلة أول من أمس بـ«مجرد فكاهة». وشائعات أخرى تم تداولها بسرعة كبيرة عن «اشتباكات جرت ليل أول من أمس في العباسين والزبلطاني بعد هجوم للجيش الحر على الأفرع الأمنية ومحكمة ريف دمشق بالأسلحة الرشاشة وقذائف (آر بي جي)»، وأنها «أسفرت عن تخليص أكثر من 150 معتقلا من جنود الجيش الحر وتصفية عدد كبير من الشبيحة والضباط».

تلك الشائعات لم تخلف أثرا على الأرض يشير إلى حصول شيء منها، الأمر الذي فسره ناشطون بأنها شائعات يروجها النظام. وحذر الناشط «رامي» رفاقه من النشطاء السوريين من «اختراق ثوار (فيس بوك)» بعدد كبير من «الشبيحة الإلكترونيين الذين يقومون بنقل أخبار كاذبة تساعد نظام الأسد أمام المراقبين الدوليين»، وقال: «كل ما قيل عن اشتباكات في العاصمة ليل أول من أمس (كلام فارغ)، واستهداف المصرف المركزي من فعل النظام، لأن المصرف المركزي ليس مقرا سياديا ليتم استهدافه». وقال إن «الهدف من تلك الفبركات وترويج الشائعات خلط الأوراق وضرب مصداقية الثوار».