أكثر من 21 مليون جزائري ينتخبون اليوم خامس برلمان تعددي وسط تخوفات من عزوف واسع

الاتحاد الأوروبي يتعهد باحترام نتائج الانتخابات ما دامت شفافة وديمقراطية

جزائريات يمررن أمام ملصقات لمرشحين للانتخابات التشريعية في الجزائر أمس (رويترز)
TT

يتوجه الجزائريون اليوم (الخميس) إلى صناديق الاقتراع لاختيار 462 عضوا في «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة الأولى في البرلمان)، في خامس انتخابات برلمانية تعددية، أكثر ما يميزها إلحاح السلطات على أن يصوت الجزائريون فيها بكثرة حتى لا تكون الجزائر «نشازا»، في منطقة شهدت تجارب انتخابية ناجحة.

وتضم اللائحة الانتخابية 21.6 مليون ناخب، يتنافس على الظفر بأصواتهم نحو 25 ألف مترشح يمثلون 44 حزبا، و186 لائحة ترشيح مستقلة، يوجد من بينهم 7700 امرأة. ويعتبر ترشح المرأة بكثافة من أهم ما يميز اقتراع اليوم، وكان الدافع إلى ذلك قانون جديد يشجع على المشاركة السياسية للمرأة، ويخصص لها نسبة 30% من تشكيلة البرلمان المقبل.

وأعطى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تعليمات صارمة للإدارة بخصوص البقاء على الحياد في العملية الانتخابية، التي يقوم عليها 400 ألف إداري.

وسبقت الانتخابات مراجعة عدة قوانين مدرجة في إطار الحريات وممارسة الديمقراطية؛ أهمها قوانين الإعلام والانتخابات والأحزاب. وفي سياق هذه المراجعة، سمحت السلطات بتأسيس 28 حزبا بعد أن رفضت ذلك 12 سنة، أي منذ وصول بوتفليقة إلى الحكم. ويقول مراقبون إن الخوف من انتقال عدوى الربيع العربي إلى الجزائر هو ما دفع حكومتها إلى «تقديم تنازلات» للجزائريين، برفع القيود نسبيا عن وسائل الإعلام الحكومية، وإتاحة الفرصة لرأس المال الخاص لإنشاء قنوات تلفزيونية، بعدما ظل هذا المجال مغلقا منذ نصف قرن. كما أطلق بوتفليقة مشاورات سياسة مع كل الأحزاب والنقابات وتنظيمات المجتمع المدني، في إطار إصلاحات سياسية أهم ما فيها تعديل للدستور، يرتقب أن يكون مطلع العام المقبل وسط توقعات بأن يرغب بوتفليقة في تغيير نظام الحكم، بنقله من نظام رئاسي ذي صلاحيات واسعة إلى برلماني يمنح لغرفتي البرلمان سلطات إضافية في الرقابة على السلطة التنفيذية. ولم يسبق لبوتفليقة أن قام باستشارة الطبقة السياسية منذ وصوله إلى السلطة.

ويتنافس على أصوات الناخبين، ستة أحزاب إسلامية هي: «حركة مجتمع السلم» و«حركة النهضة» و«حركة الإصلاح الوطني»، وقادتها الثلاثة شكلوا حلفا سموه «تكتل الجزائر الخضراء»، يدخل المعترك بلوائح مرشحين موحدة. إضافة إلى أحزاب «جبهة العدالة والتنمية» بقيادة زعيم التيار الإسلامي المتشدد عبد الله جاب الله، و«جبهة التغيير» و«جبهة أجيال الجزائر الجديدة». في المقابل، يبدو حزبا «السلطة» الأقدر على مواجهة الإسلاميين؛ وهما «التجمع الوطني الديمقراطي» بقيادة رئيس الوزراء أحمد أويحيى، و«جبهة التحرير الوطني» بزعامة وزير الدولة عبد العزيز بلخادم. ودخلت «الجبهة» المنافسة، وهي في أسوأ أحوالها، بسبب انشقاق خطير في صفوفها جراء رفض كثير من القياديين الطريقة التي اختار بها بلخادم المرشحين.

ويشارك في اقتراع اليوم أقدم حزب معارض هو «جبهة القوى الاشتراكية» بعد أن قاطع البرلمان منذ 15 سنة. لكن الحزب العلماني المعارض «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» غاب عن هذا الموعد هذه المرة، فيما انخرط في المنافسة «حزب العمال» (اليسار التروتسكي)، الذي تقوده لويزة حنون، وهي أول امرأة تشارك في انتخابات الرئاسة ببلد عربي (2004 و2009). ويرتقب أن «تتقاسم» كل هذه الأحزاب، مقاعد البرلمان دون أن يتمكن أي واحد منها من حصد الأغلبية.

يشار إلى أن قيادات ومناضلي وأنصار «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة، تم إقصاؤهم من الترشح ومن تأسيس حزب لأن السلطة حملتهم مسؤولية الأزمة الأمنية، بواسطة قانون المصالحة الذي صدر في 2006 وبموجب التدابير التي أدخلتها على قانون الأحزاب. ودعت «الجبهة» إلى مقاطعة الانتخابات.

ويجري اقتراع اليوم بحضور 500 مراقب أجنبي، ينتمون للأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي. وقال وزير الداخلية دحو ولد قابلية للصحافة، إن وجودهم في العملية الانتخابية «ضمانة على شفافية الاستحقاق». وأوضح أن الجزائر «لن تنظم انتخابات أقل نزاهة من الانتخابات التي جرت في تونس والمغرب ومصر»، ولكن الوزير لا يتوقع أن يفرز الصندوق بالجزائر مشهدا سياسيا شبيها بما جرى في الدول العربية الثلاث؛ بمعنى أنه يستبعد أغلبية إسلامية.

وأبدى ولد قابلية خوفا من عزوف الجزائريين عن الصندوق، وعبر عن ذلك بقوله: «الخوف من مقاطعة الانتخابات يسكنني». وبحسب وزير الداخلية، يوجد سببان يبرر بهما الجزائريون عدم التوجه إلى مكاتب الانتخاب بكثافة؛ الأول أن «قطاعا من المواطنين يعتقدون أن التصويت أو عدمه لا يفيد في شيء، بذريعة أن النتائج محددة سلفا، وهذا مبرر لا يستقيم في رأيي». والسبب الثاني أن «كثيرا من المواطنين يرون أن المرشحين لا يرقوْن إلى تطلعاتهم».

وقال ولد قابلية إن اتهام السلطات بتزوير الانتخابات «كان دائما المبرر الذي يختفي وراءه المهزومون في الانتخابات، فهؤلاء ينددون بالتزوير حتى لو توفرت كل شروط الشفافية والنزاهة في العملية الانتخابية»، مشيرا إلى أن الرئيس بوتفليقة «تعهد بأن يكون الاستحقاق المقبل غير شبيه بالمواعيد الانتخابية الماضية». وفهم من كلام الوزير أن كل الاستحقاقات التي مضت كانت ناقصة المصداقية.

ويهون كل المسؤولين في الدولة من مبادرة التحالف التي أطلقها الإسلاميون. وقال رئيس الوزراء أويحيى لمقربين منه في هذا الموضوع: «سواء قام هذا التحالف أم لا، فالناخب الجزائري يعرف جيدا السلعة المعروضة في سوق السياسة». ورفض أويحيى عقد مقارنة مع بلدان أخرى، قائلا إن الجزائر «تملك خصوصيات، والمجتمع الجزائري لا يشبه بالضرورة المجتمعات (العربية) الأخرى». وعَر عن قناعته بأن استحقاق 10 مايو (أيار) 2012، سيختلف عن تونس ومصر والمغرب. أما الإسلاميون، فقد صرحوا بأنهم سيحصدون الأغلبية «إلا إذا فعل التزوير فعلته».

إلى ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يدعم عملية الإصلاح في الجزائر ويتابع عن كثب تنفيذ الإصلاحات التشريعية التي اعتمدت مؤخرا.

وفي سياق ذلك، قال مايكل مان، المتحدث باسم كاثرين آشتون منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، لـ«الشرق الأوسط» إنه بناء على دعوة من الحكومة الجزائرية، قام الاتحاد الأوروبي بإرسال وفد لمراقبة الانتخابات في الجزائر لأول مرة. وأضاف مان أن وفد البعثة الأوروبية لمراقبة الانتخابات ليس من مهامه التحقق من صحة نتائج الانتخابات وإنما الغرض من المهمة هو تقييم مدى امتثال العملية الانتخابية للمعايير الدولية والإقليمية والوطنية، وأن بعثة المراقبة الأوروبية سوف تصدر بيانا أوليا بعد وقت قصير من يوم إجراء الانتخابات، يلي ذلك إصدار تقرير نهائي وشامل حول الاقتراع.

وبشأن فحوى التقرير، قال المتحدث الأوروبي إنه سيتضمن توصيات مستقبلية لأي انتخابات تجري في ما بعد. وحول من يتوقع فوزه في الانتخابات، قال مان إن التكتل الأوروبي الموحد سيحترم نتائج الانتخابات ما دام أنها جرت بشكل شفاف.