تونس: انطلاق الاحتفالات الدينية بكنيس «الغريبة» في جربة وسط إجراءات أمن مشددة

رئيس نقابة قوات الأمن الداخلي يفند اتهامات بقتل متظاهرين وجرحهم أثناء الثورة

TT

انطلقت، أمس، في تونس الاحتفالات الدينية الموسمية للطائفة اليهودية بكنيس «الغريبة» بجزيرة جربة (550 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة)، على مدى يومين، وذلك وسط حضور أمني وعسكري لافت في الجزيرة.

ويشارك في احتفالات هذا العام، بحسب ما ذكره المنظمون، نحو ألف يهودي تونسي من أصل ألفين يشكلون الأقلية اليهودية في البلاد، إلى جانب 500 قدموا من دول أوروبية.

وقال بيريز الطرابلسي، رئيس الطائفة اليهودية في جزيرة جربة، لـ«الشرق الأوسط» إن «المهم ليس هو عدد الزوار ولكن الأهم هو إنجاح الموسم حتى تعود الثقة إلى اليهود وتتبدد مخاوفهم».

وكانت هيئة مكافحة الإرهاب في إسرائيل حذرت رعاياها مطلع الشهر الحالي من التوجه إلى تونس، وأشارت في بيان إلى وجود استعدادات لاستهداف مواقع يهودية بمناسبة الاحتفالات الدينية بين التاسع و10 مايو (أيار) الحالي بكنيس «الغريبة».

وحول التعزيزات الأمنية وارتباطها بتلك التحذيرات، قال الطرابلسي إن تونس على عكس الكثير من البلدان الأخرى «آمنة»، ولا توجد أي مؤشرات سلبية تؤكد وجود أي أخطار من أي نوع.

وأكدت وزارة الداخلية التونسية من جهتها أنها اتخذت كل الاحتياطات والتدابير الضرورية لتأمين الاحتفالات الدينية ولا مبرر لأي تخوفات.

وعادة ما تشهد الاحتفالات في كنيس «الغريبة» بجربة، وهو الأقدم في أفريقيا حيث شيد منذ ألفي عام، مشاركة ما بين 6 آلاف و7 آلاف زائر، بينهم ألف من إسرائيل. لكن هذا العدد تقلص منذ قيام الثورة التونسية في 14 يناير (كانون الثاني) 2010 بسبب الاضطرابات الأمنية والاجتماعية التي اجتاحت تونس وصعود تيارات سلفية متشددة رفعت شعارات مناوئة لليهود.

وأدت انفلاتات أمنية بعد فرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي إلى إلغاء الاحتفالات بالكنيس العام الماضي، واقتصارها فقط على بعض الطقوس الدينية.

وكان كنيس «الغريبة» تعرض قبل 10 سنوات لهجوم انتحاري بشاحنة مفخخة أسفر عن سقوط 21 قتيلا، بينهم 14 سائحا ألمانيا و5 تونسيين وفرنسيان.

وتأمل تونس في أن يسهم نجاح الاحتفال الديني اليهودي في جربة لهذا الموسم في إنعاش الموسم السياحي هذا العام، حيث تتطلع الدولة إلى استقطاب أكثر من 6 ملايين سائح.

وصرح وزير السياحة إلياس فخفاخ: «لدينا تنسيق يومي مع وزارة الداخلية، ولدينا أمن سياحي، وحسب المعطيات الأمنية لا يوجد داع للقلق من الأوضاع في جربة. الأمور تحت السيطرة».

ومع توافد الزوار على جزيرة جربة هذه الأيام كثفت السلطات من احتياطاتها الأمنية والصحية في الجزيرة.

وقال شاهد عيان لوكالة الأنباء الألمانية إن قوات من الأمن والجيش تفرض حراسة مشددة على مداخل الجزيرة كما تقوم بعمليات تفتيش دقيقة للوافدين، وبخاصة في منطقة الرياض حيث يوجد كنيس «الغريبة».

كما قام الجيش التونسي بتركيز مستشفى عسكري ميداني متعدد الاختصاصات في جزيرة جربة يكون رهن إشارة الزوار.

وقال العميد محمد السوسي في تصريحات صحافية أوردتها وكالة الأنباء التونسية: «تم اتخاذ كل الاحتياطات والتدابير لتوفير الحماية لزوار تونس وحماية الوطن بالتنسيق بين كل المتدخلين أمنيا وعسكريا وصحيا».

إلى ذلك، دعا وزير الداخلية في الحكومة التونسية المؤقتة، علي العريض، الليلة قبل الماضية المحتجين في عدد من المحافظات التي تشهد إضرابات واعتصامات بالهدوء، ومنح الحكومة مزيدا من الوقت حتى تنطلق في تنفيذ برامج التشغيل والاستثمار.

وبعث العريض إشارات تطمينية للمواطنين الغاضبين في الوقت الذي كان فيه عدد من المحافظات يشهد اضطرابات وأعمال تخريب مساء أول من أمس، الثلاثاء، أبرزها حرق مقر لحركة النهضة الإسلامية، التي تقود الائتلاف الحاكم، احتجاجا على «تباطؤ» الحكومة في الانطلاق بتنفيذ برنامجها التنموية.

وقال العريض في حديث مقتضب للقناة التلفزيونية «الأولى» إن «الحكومة المؤقتة عاقدة العزم على الانطلاق في عقد مجالس وزارية مخصصة للمحافظات فور انتهاء المجلس الوطني التأسيسي من مناقشة الموازنة العامة والمصادقة عليها».

وأضاف العريض أن «الاستثمار والتشغيل ومشاريع التنمية ستغطي كل الـ24 محافظة دون استثناء»، لكنه حذر من أن استمرار الإضرابات العامة سيكون له تأثير على مناخ الاستثمار وعلى أداء الموسم السياحي.

وعادت الاحتجاجات لتضرب بقوة عددا من المحافظات من بينها مدنين والقصرين وقفصة خلال الـ48 ساعة الأخيرة.

وكان متظاهرون غاضبون قد عمدوا مساء أول من أمس، الثلاثاء، إلى حرق مقر حركة النهضة بمدينة تالة التابعة لمحافظة القصرين (30 كيلومترا جنوب غربي العاصمة)، وقطعوا عددا من الطرق المؤدية إلى المدينة احتجاجا على تأخر برامج التنمية والتشغيل الحكومية فيها.

ونظم أهالي الرديف، إحدى مدن الحوض المنجمي المنتج للفوسفات بمحافظة قفصة، إضرابا عاما احتجاجا على ما اعتبروه تباطؤا من جانب الحكومة في إيجاد حلول لمشكلات المنطقة.

وأعلن المجمع الكيميائي التونسي بمدينة قابس الصناعية (400 كيلومتر جنوب العاصمة) عن توقف الإنتاج كليا بمعامله بدءا من أمس بعد أن شهد انخفاضا إلى أدنى مستوياته في الأيام الأخيرة بسبب نفاد مخزون الفوسفات القادم من الحوض المنجمي بقفصة الذي يشهد اعتصامات متواترة.

وفي مدينة مدنين تجددت الاحتجاجات لليوم الثاني على التوالي على خلفية مطالب بالتنمية والتشغيل رفعها عدد من المحتجين.

وقالت الحكومة إنها سترسل في 13 مايو الحالي وفدا يتكون من وزراء التشغيل والتنمية والشؤون الاجتماعية إلى محافظة مدنين للاستماع إلى مطالب ممثلي جمعية العاطلين عن العمل.

يذكر أن عدد العاطلين في تونس قد تجاوز 750 ألف عاطل، بينما أقر حمادي جبالي رئيس الحكومة المؤقتة في وقت سابق أمام المجلس الوطني التأسيسي بأن الدولة لن تكون قادرة على خلق أكثر من 75 ألف وظيفة هذا العام.

من جهة أخرى، فند إلياس الجراي، رئيس نقابة قوات الأمن الداخلي، الاتهامات الواردة في تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الأحداث التي جدت أثناء الثورة، والموجهة لقوات الأمن ومسؤوليتها عن نحو 80 في المائة من الإصابات التي أدت إلى حالات الوفاة خلال الثورة، ونسبة 96 في المائة من الإصابة بجروح.

وقال الجراي لـ«الشرق الأوسط» إن تلك الاتهامات مبالغ فيها، وإن الاحتجاجات خلال الثورة لم تكن سلمية، وبالتالي كان رجال الأمن في حالة دفاع عن النفس. وأضاف أن قوات الأمن لم تعمل على قمع الثورة، وهي التي تملك السلاح أو الرصاص، وأنها طبقت تعليمات عليا بالمحافظة على الأمن دون استعمال الرصاص الحي، مشيرا إلى أن قوات الأمن نفسها تعرضت لعمليات قنص.

وبشأن إصدار أول حكم من القضاء العسكري ضد رجلي أمن متهمين بقتل التونسي سليم الحضري، والقاضي بسجن كل واحد منهم مدة 20 سنة، قال الجراي إن الرصاصة التي أطلقت على الحضري واحدة فكيف يتم الحكم على رجلي شرطة بالسجن 20 سنة لكل واحد منهما. واعتبر أن الحكم غير منطقي وغير معقول، على حد تعبيره، وهو ما جعل قوات الأمن الداخلي تنفذ اعتصاما وتحمل الشارة الحمراء مدة 3 أيام بعد صدور الحكم.