المصريون يشاهدون مناظرة موسى وأبو الفتوح بروح كروية

عوضتهم عن توقف مبارياتها وأمطروها بتعليقات «الركلات الترجيحية»

عمرو موسي المرشح الرئاسي يصافح منافسه عبد المنعم أبو الفتوح في بداية المناظرة التلفزيونية أول من أمس (رويترز)
TT

«شوط يا موسى»، «خذ بالك يا أبو الفتوح هيزنقك في الكورنل»، «أيوه كده رقصه على الواقف».. شعارات استعارها المصريون بقوة من زخم الولع الكروي، وشكلت متنفسا لهم، خاصة بعد توقف مسابقة دوري كرة القدم، جراء مجزرة استاد بورسعيد الرياضي، وهم يشاهدون أمس في المقاهي الشعبية المناظرة التاريخية غير المسبوقة بين اثنين من أقوى المتسابقين في الماراثون الرئاسي، عمرو موسي، وعبد المنعم أبو الفتوح.

ومثلما كان يحدث في المباريات الحاسمة التي يخوضها المنتخب القومي المصري للفوز بإحدى البطولات الأفريقية، كان المصريون يحبسون أنفاسهم على مقاعد المقهى، ثم يهتفون بعفوية كلما تصاعد الحوار بين أبو الفتوح وموسي، وقفز إلى مناطق اشتباك مراوغة ومعقدة: «جوووون»، كلما حقق أحدهما نقاطا على الآخر.

المقهى الذي تحول إلى استاد مفتوح بضاحية السادس من أكتوبر، جعل طبيب أمراض عصبية ونفسية كان يجلس على المقهى يعلق، وهو يشد أنفاسا بطعم التفاح من «الشيشة»، وعيناه متسمرتان على شاشة التلفاز الضخمة: «الناس دي كلها عايزه زيارة عاجلة لعيادتي». لكنه لم يكد يكمل كلامه حتى قفز واقفا من مقعده وهو يهتف «ده تسلل واضح».

انفعالات موسى وتوتره، انطبعت بسرعة على ردوده المراوغة، فبدا وكأنه ممثل مخضرم يستعيض عن حيوية حركة الجسد بلغة هامشية تعتمد على التعبير بملامح الوجه، ومجاز خطاب عاطفي، يحاول الهروب من عباءة ماض مثقل بالمفارقات والفجوات. فحين سأله أبو الفتوح عن معنى إعلانه تأييده ترشيح الرئيس المخلوع (مبارك)، لجأ موسى إلى حيلة ربما استقاها من رف القضايا الفاسدة في علم المنطق، وأجاب بنبرة مغلفة بالغضب والحماس، بأنه كان يهدف إلى قطع الطريق على ملف توريث الحكم إلى مبارك الابن. وهو ما دفع أحد جمهور المقهى إلى أن يهتف: «والله أنت الكابتن يا موسى». لكن سرعان ما رد عليه آخر «كابتن استبن مكانه على الدكة». ثم خفف أحدهم حدة صدام كاد يشتعل بين الطرفين قائلا بصوت مرتفع «الماتش ده كان عايز حكم أجنبي».

على عكس موسى احتفظ أبو الفتوح بدرجة واضحة من الهدوء ورباطة الجأش، والقدرة على امتصاص حدة الخصم، وتحويلها إلى ما يشبه «ركلات ترجيحية» تهدد شباكه، فلم يتهدج صوته، أو يهتز تحت سقف الأسئلة والكلام، محتفظا بنقطة ثبات بدت جلية في رده على العديد من أسئلة موسى الشائكة والتي تشكك في نزاهته الوطنية وتثير الكثير من علامات الاستفهام حولها، خاصة موقعه السابق كأحد الكوادر الأساسية في جماعة الإخوان المسلمين. لم يهرب أبو الفتوح من واقعية هذه الأسئلة المحتملة، وغلف رده بمسحة غير مباشرة بدت وكأنها محاولة للاعتراف بخطأ في الاختيار والتوجه صححه بالانحياز للمصلحة العليا للوطن والتي يضعها فوق كل اعتبار، مؤكدا أنه باسم هذه المصلحة انشق عن جماعة الإخوان وقدم استقالته منها.

وتحت سقف الهوس بالمنصب الرفيع، لم يشفع الفارق الزمني بين موسى (76) عاما وأبو الفتوح (61) عاما، لكي يتعاملا بعاطفية، ويحنو كلاهما على الآخر في لحظات إنسانية كثيرة تخللتها المناظرة، فعلى العكس اتسعت هوة الود المفقود بينهما، وبدت بشكل لافت حين تحدث الخصمان عن أحوالهما الصحية بنبرة مستكبرة، فبينما لاذ موسى بالمثل الشعبي «امسكوا الخشب» في إشارة إلى أنه يتمتع بصحة جيدة، اعترف أبو الفتوح بأنه مريض بالضغط والسكر، محيلا السبب في ذلك إلى نظام مبارك، ولم ينظر أحدهما للآخر، متمنيا له دوام الصحة والعافية.

لم يلحظ الكثيرون أناقة الملبس التي بدا عليها الخصمان المتناظران، لكن رجلا خمسينيا، وقبل أن تنتهي المناظرة هم بالخروج غاضبا من المقهى، وهو يقول: «عاملين بهوات ولابسين بدل تمنها يوكل حارة جعانة».. وفي طرف المقهى رد عليه شاب: «خدني معاك ياعم دي سيما أونطه».. ويبدو أن مقدمي المناظرة استشعروا الأمر، فرفعوها لاستراحة قصيرة لالتقاط الأنفاس.