اليونان: مخاض صعب لتشكيل الحكومة وسط الضغوط الألمانية

الحزبان الرئيسيان يكافحان لإبعاد شبح إعادة الانتخابات أو خروج البلاد من اليورو

زعيم حزب «الديمقراطية الجديدة» ساماراس يتحدث إلى مجموعته البرلمانية في أثينا أمس (إ.ب.أ)
TT

واصلت اليونان المنهكة أمس جهودها في سبيل تشكيل حكومة ائتلافية لتفادي العودة إلى صناديق الاقتراع الشهر المقبل، وسط ضغوط المسؤولين السياسيين الألمان الذين نفد صبرهم ولم يعودوا يخفون رغبتهم في رؤية أثينا خارج منطقة اليورو.

وأقر زعيم أهم حزب يوناني أنتونيس ساماراس (حزب الديمقراطية الجديدة، يمين) أمام ما بقي من مجموعته البرلمانية، بأنه لن يكون من الممكن تشكيل أي حكومة دون موافقة مجموعة اليسار المتطرف «سيريزا» المعارضة لإجراءات التقشف والتي أصبحت بعد انتخابات الأحد الماضي ثاني أكبر حزب ممثل في البرلمان. وصباح أمس واصل المسؤولون السياسيون اليونانيون، الممزقون بين التزامات التقشف التي قطعتها البلاد لمقرضيها ونتائج انتخابات الأحد التي ترجمت رفضا كاملا لجهود التقشف، البحث عن صيغة اتفاق حد أدنى لتشكيل حكومة حتى لو جاءت هشة. وفي الأثناء عكست بورصتا طوكيو وباريس قلق المستثمرين من احتمال خروج سريع لليونان من منطقة اليورو وآثار ذلك.

وفي أثينا استأنف زعيما حزب «باسوك» الاشتراكي ايفانغيلوس فينيزيلوس وحزب «الديمقراطية الجديدة» اليميني أنتونيس ساماراس، الراغبان في أي ثمن بالدفاع عن بقاء اليونان في منطقة اليورو رغم هزيمتهما الانتخابية، مفاوضات هامة لتشكيل حكومة وذلك بعد تقدم طفيف أحرز الخميس بهذا الاتجاه مع حزب اليسار الديمقراطي الصغير. وتباحث الزعيمان صباح أمس لمدة نصف ساعة في انتظار لقاء آخر بين فينيزيلوس وزعيم اليسار المتطرف اليكسيس تسيبراس.

وكان فينيزيلوس اقترح أول من أمس تشكيل حكومة من شأنها أن تبقي البلاد في منطقة اليورو من جهة وضمان «أن يتم التجاوز في غضون 3 سنوات» لبرنامج النهوض المملى على أثينا من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. ولم يوضح زعيم الحزب الاشتراكي محتوى كلمة «تجاوز» التي أبقاها عمدا غامضة حيث إن التوتر بين الأحزاب يتمحور تحديدا حول مذكرة اتفاق وقعتها أثينا مع مقرضيها.

ويقول اليسار المتطرف إنه يريد إنهاء العمل بهذه المذكرة مع البقاء في منطقة اليورو. وهو ما يعني بالنسبة إلى المقرضين نيل المكاسب دون تحمل المسؤولية ما يعتبرونه غير مقبول، خصوصا الألمان منهم.

واعتبر وزير المالية الألماني فولفغانغ شوبله في مقابلة مع صحيفة «راينيشي بوست» المحلية الألمانية نشرت أمس أن «منطقة اليورو يمكنها تحمل خروج اليونان منها». وأضاف: «نريد أن تبقى اليونان في منطقة اليورو، لكن عليها أيضا أن تكون راغبة في ذلك وأن تقوم بواجباتها. لا يمكننا إرغام أحد» على ذلك. وقال شوبله أيضا: «هنا لا أحد يهدد أحدا. لكن علينا أن نكون صادقين.. وأن نقول لأصدقائنا وشركائنا اليونانيين إنه لا طريق سوى الطريق الذي نختاره معا. قمنا بالكثير حتى الآن»، في إشارة إلى خطتي إنقاذ اليونان اللتين وضعتهما الدول الأوروبية وصندوق النقد الدولي مع مساهمة هامة من دائني القطاع الخاص في الخطة الثانية. وقال أيضا: «على اليونان أن تفهم أن عليها في المقابل أن تنفذ واجباتها». ثم حذر بأنه «من الخطير تقديم حجج واهية للمواطنين بالقول: إن هناك طريقا أسهل يشفي اليونان ويجنبها كل المحن، هذا أمر عبثي».

من جهته، جعل وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي صباح أمس من احترام أثينا لواجباتها شرطا لتحويل مساعدات جديدة لها. ووسط هذه الأجواء أظهر استطلاع لمعهد مارك في اليونان أجري على عينة تزيد عن ألف شخص ونشرت نتائجه أمس أن غالبية كبيرة من اليونانيين (62.7%) تأمل في تشكيل حكومة تحالف و53% منهم يأملون تشكيلها بمشاركة حزب سيريزا.

واعتبر المحلل إلياس نيكولاكوبولوس أن تشكيل حكومة لا تحظى بدعم سيريزا يبقى ممكنا لكنه يرى أن المفاوضات ستستمر حتى منتصف الأسبوع المقبل. وأوضح أن «سيريزا على استعداد لضمان تسامحه (ولينه) شرط إلغاء التبني المتوقع في يونيو (حزيران) المقبل لإجراءات تقشف جديدة» في انتظار إعادة تفاوض شامل بشأن سياسة النهوض الاقتصادي. ولم يؤيد سوى 32% من المستطلعين تنظيم انتخابات جديدة رغم أنها ستكون حتمية في حال عدم التوصل إلى تفاهم بين الساسة لتشكيل حكومة.

ويظهر الاستطلاع أمرا هاما وهو أنه في حال تنظيم انتخابات جديدة فإن سيريزا سيأتي في الطليعة بنسبة 27% من نوايا التصويت يليه حزب الديمقراطية الجديدة اليميني بـ20% ثم حزب باسوك الاشتراكي بنسبة 12.6% واليونانيون المستقلون (يمين معارض لمذكرة التفاهم مع المقرضين) بنسبة 10% من نوايا التصويت.

ومثل هذا السيناريو سيغير تماما المعادلة في المشهد السياسي اليوناني حيث سينال الحزب اليساري المتطرف الذي يملك حاليا 52 مقعدا في البرلمان جائزة الـ50 مقعدا إضافيا التي تمنح تلقائيا للحزب الذي يتصدر النتائج، ما سيجعله في موقع قوة يتيح له عقد التحالفات التي يريدها.