آخر نساجي سجاد القصاقيص في مصر يقاوم اندثار مهنته

ورثها عن والده ويعتبر عميدا لحرفييها

«العم» سيد الكحيل ينسج سجاد القصاقيص على نوله الخشبي («الشرق الأوسط»)
TT

ينحني فوق قطعة من السجاد يعاملها بعناية بالغة، ويحرص عليها كابنه، يجلس «العم» سيد كحيل فوق أريكة واسعة داخل محله في القاهرة الفاطمية، حيث يحاول إحياء مهنة قديمة أوشكت على الاندثار بفعل التقدم الصناعي الذي قضى عليها، هي مهنة نسج «سجاد القصاقيص».

الوصول إلى «العم» سيد كحيل، الذي يحمل فوق كتفيه 65 سنة، لم يكن سهلا، فورشته الصغيرة تقع في زقاق متفرع من حارة صغيرة (زاروب) بشارع المعز لدين الله الفاطمي في ناحية المغربلين، بالقاهرة الفاطمية، تلك البقعة التي يفوح منها عبق التاريخ وأصالته.

«العم» سيد قال لنا وهو يغزل السجاد من قصاصات القماش والملابس القديمة والستائر والمفروشات بالنول اليدوي: «مفيش غيري في الصنعة دلوقتي.. لا في المغربلين ولا في المناطق المحيطة بها من السيدة زينب والحسين والدرب الأحمر وباب الخلق والخليفة»، مرجعا الأمر إلى انتشار السجاد والموكيت الذي تنتجه المصانع ذات الماكينات الضخمة.

وحقا، يمثل «العم» سيد، بمفرده اليوم، المقاومة الباسلة التي تحاول الصمود أمام التقدم الصناعي الذي ضرب الصناعة النسيجية اليدوية في مقتل، وأخذ يحوّل أرباب المهنة إلى متقاعدين بالإجبار.

ثم أضاف: «عملت بهذه المهنة منذ كنت صغيرا، وتعلمتها من والدي الحاج، الذي كان هو رئيس الصنعة ومن روادها في خمسينات وستينات القرن الماضي، وظل يعمل فيها حتى وفاته. كانت لديه أربعة محلات لصناعة سجاد القصاقيص أقدمها في درب البندق بالناصرية، بالإضافة إلى السيدة زينب والمغربلين وطولون».

ولخص «العم» سيد علاقته بمهنته بقوله: «أنا ولدت تحت النول الخشبي وسأموت تحته»، في إشارة إلى ارتباطه العميق بسجاد القصاقيص وعجزه عن ترك نسجه على الرغم من قلة الدخل من وراء هذه المهنة.

ثم أوضح شارحا: «كنت أخرج من المدرسة وأذهب إلى محل والدي لأراقبه وهو يعمل. كان يضع قصاصات القماش في النول الخشبي مستخدما في ذلك بَكَرة معلقة من علٍ ومشطا نحاسيا ومطواة تطوى السجادة بعد غزلها ودفّة ومكّوكا خشبيا ونيرا مكونا من عيون عدة يُدخل في كل عين فتلة خيط». ثم أشار إلى أنه بمرور الوقت أحب المهنة وعمل بها بعد تخرجه، وحتى خلال فترة تجنيده كان يعمل بها في الإجازات.

كحيل وصف زبون سجاد القصاقيص الآن بأنه «صاحب مزاج وغاوي أشياء تراثية»، وقال: «أيام زمان كان ضغط الشغل كبيرا، زبون داخل وزبون خارج.. وكانت زحمة الشغل تصل ذروتها في شهر رمضان وقبل عيدي الفطر والأضحى، وكذلك كان المسيحيون يقبلون على سجاد القصاقيص في عيد القيامة».

وعن كيفية حصوله على القصاقيص التي تعتبر المادة الخام في صناعته، قال: «كانت ست البيت تأتي بما عندها من قصاصات مجمّعة في شكل كرة كبيرة، فنبادر بدورنا إلى وضع هذه القصاصات في جيوب النير المركّب في النول الخشبي، وكان عمل السجادة الكبيرة يستغرق يوما أو يومين على أقصى تقدير».

وتابع: «استمر هذا الوضع حتى أواخر الثمانينات من القرن الماضي، وبعدها قل تدريجيا حتى أصبحنا نحن الذين نجمع القصاصات ونشتريها من مصانع النسيج وتشتريها ست البيت جاهزة حسب المقاس».

وبرّر العم سيد تراجع الإقبال على سجاد القصاقيص بالقول: «الله يسامحهم صناع الحصير والموكيت وقّفوا حالنا، ولم نعد نعمل بشكل كاف.. إن كثيرين من صنّاع سجاد القصاقيص توقفوا عن العمل بالمهنة وغيروا نشاطهم بسبب قلة الدخل، ولكن على الرغم من ذلك فأنا مستمر فيها مهما كانت الصعوبات». واستطرد: «سجاد القصاقيص نظيف ورخيص وبجميع المقاسات، فالسجادة المقاس الكبير لا يتعدى ثمنها الخمسين جنيها وأما الصغيرة بطول مترين وعرض 70 سم فسعرها 15 جنيها، وهذا بخلاف أن سجادة القصاقيص سهلة التنظيف ويمكن غسلها في المنزل».

وبصراحة ومرارة قال: «دخلي من سجاد القصاقيص لا يكفيني أنا ومساعدي الذي يعمل يوميا من الثامنة صباحا وحتى الخامسة مساء مقابل 30 جنيها في اليوم، وأنا مكسبي لا يزيد على 30 جنيها أخرى، ولهذا قررت أنا أؤمن على نفسي بتأمين خاص بدأت في تقاضي معاش بموجبه يبلغ 267 جنيها، وفي بعض الأوقات تتحسّن الظروف عندما يطلب البعض صناعة أطقم سجاد تستخدم كأغطية لمقاعد السيارة، بخلاف القرى السياحية التي قد يطلب أصحابها أيضا كميات كبيرة من سجاد القصاقيص، وطبعا العمل معهم يتطلب علاقة جيدة بالمسؤولين بهذه القرى، وفي هذه الحالة يتحسّن الدخل كثيرا».