صحافة العالم: المصريون بين القانون والثورة

«واشنطن بوست»: مبارك أول رئيس في الربيع العربي يحاكم بالمؤبد وبراءة نجليه أثارت الغضب

لقطات من الصحف العالمية التي غطت محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك أمس («الشرق الأوسط»)
TT

مع توقع ردود فعل رسمية أميركية تؤيد الأحكام التي أصدرها القضاء المصري على الرئيس السابق حسني مبارك ووزير داخليته وتطلب من الشعب المصري المحافظة على تحول سياسي سلمي، سار الإعلام الأميركي على نفس النهج عاكسا أخبار الأحكام، وفي الوقت نفسه، أخبار تذمر عدد غير قليل من المصريين.

وكتبت صحيفة «واشنطن بوست» في صدر صفحتها الأولى عناوين: «مبارك مصر يلقى السجن المؤبد للقتل خلال الثورة. مظاهرات بسبب أحكام أخرى. براءة رجال أمن». وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» في صدر صفحتها الأولى عناوين: «توتر جديد في مصر بسبب أحكام على نظام مبارك. القضاة يواجهون تهم التقصير». وفي صحيفة «اركنسا ديموغراط» صورة عملاقة لمبارك وراء القضبان وهو يستمع إلى الحكم ضده وقد وضع نظارة سوداء على عينيه، وبدا صامتا. مع عنوان: «السجن مدى الحياة لمبارك. تبرئته وولديه بتهم الفساد».

وكتبت صحيفة «واشنطن بوست»: «صار مبارك أول رئيس ديكتاتوري في ثورة ربيع العرب يحاكم بالسجن في الوطن الذي كان يحكمه. لكن، براءة ستة من كبار رجال الأمن كانوا اتهموا بأنهم أصدروا أوامر القتل في مظاهرات ميدان التحرير، وأيضا، براءة مبارك وولديه من تهم الفساد، أغضبت كثيرا من المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع محتجين ضد ما قالوا إنه ظلم من القضاء المصري».

ونقلت مراسلة الصحيفة في القاهرة على لسان يسري عبد الرزاق، أحد محامي حسني مبارك بأن مبارك والعدلي سيستأنفان.

وربطت صحيفة «نيويورك تايمز» بين الأحكام والانتخابات الرئاسية التي ستجرى هذا الشهر بين محمد مرسي، مرشح الإخوان المسلمين، وأحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك. وكتبت: «بينما اتهم مرسي شفيق بأنه ليس إلا مبارك متخفيا، وأنه مثل مبارك كان قائدا للسلاح الجوي المصري، وأن حكمه سيكون امتدادا لحكم مبارك، اتهم شفيق مرسي بأنه يريد فرض الشريعة في مصر، واضطهاد الأقباط وغير المسلمين، وتحويل مصر إلى دولة دينية مثل إيران.

وتوقعت صحيفة «بوسطن غلوب» أن الثوريين يقدرون على مقاطعة الانتخابات لعدم وجود شخص ثوري مثلهم. لكن ربما ستصوت أغلبيتهم مع مرسي (الإسلامي المحافظ)، لأن شفيق يمثل، في رأيهم، نفس النظام الذي أسقطوه في السنة الماضية.

وتوقعت صحيفة «سانفرانسسكو كرونيكل»، أثناء سردها لأحداث مصر والأحكام التي صدرت هناك، أن الإخوان المسلمين سوف يستغلون الأحكام، ويقولون إنها أقل مما يجب، وأن المجلس العسكري الحاكم، والمرشح شفيق يؤيدان هذه الأحكام المخففة لأنهما يريدان «استمرار مبارك دون مبارك».

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها مبارك السجن منذ اعتقاله في سنة 2011، لأنه، خلال هذه الفترة كان في مستشفى عسكري. ورغم أن فريق الثلاثة قضاة الذي أصدر الأحكام برأ الرئيس السابق وولديه من تهم الفساد بسبب نهاية الفترة القانونية للمحاكمة، قال فريق القضاة إن علاء مبارك وجمال مبارك سيبقيان في الحجز بتهمة الاحتيال في سوق الأوراق المالية، وهي تهمة منفصلة سيحاكمان عنها في المستقبل.

وكانت صحيفة «نيويورك تايمز»، في تغطيتها للمحاكمات، قالت إن القضاة أعلنوا عدم وجود أدلة كافية لإدانة ستة مسؤولين من كبار رجال الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين. وإن القضاة استشهدوا بما قال الاتهام بأن وزارة الداخلية كانت غير متعاونة في تقديم أدلة تدين رجال الشرطة. وإن القضاة قالوا إن هذا ليس ذنبهم، ولكنه ذنب الاتهام.

وأثار قرار الحكم بالسجن المؤبد على مبارك، ردود فعل في إسرائيل أيضا، وتباينت ما بين «الحزن الشديد على الصديق»، كما عبر عن ذلك وزير الدفاع الأسبق، بنيامين بن أليعازر من حزب العمل، والتشفي بمصر من خلال إبراز «الفوضى التي جلبتها الثورة المصرية، حيث لا يريدون قضاء ولا ديمقراطية حقيقية»، كما قال أحد المقربين من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو.

وقد احتل نبأ المحاكمة العناوين الرئيسية في الصحف ووسائل الإعلام على الإطلاق. وكتبت صحيفة «هآرتس» على صدر صفحتها الأولى بالبنط العريض: «الحكم بالسجن المؤبد على مبارك أصاب كل إسرائيلي بالإحباط». وقالت إن الحكم أصاب جميع الإسرائيليين بالصدمة، مثلما أصابه (مبارك) بالنوبة القلبية عقب النطق بالحكم عليه». وأنشأت صحيفة «هآرتس»، مقالا افتتاحيا حول الحكم، قالت فيه إن «الحكم الذي فرض على مبارك يشكل جزءا جوهريًا في عملية محاسبة النفس مع الماضي، وهي عملية تمر بها جميع الثورات. فهنا لم تتم الإطاحة بالرئيس فحسب، وإنما معاقبته أيضا. وإلى جانب الحكم عرضت مصر أمس نموذجًا مميزًا لمثل هذه العملية من محاسبة النفس.. فلم يتم جر جثة مبارك في شوارع العاصمة كما كان الأمر عليه بالنسبة للقذافي في طرابلس.. ولم يفر مبارك من بلاده كما عمل نظيره التونسي زين العابدين بن علي، ولم يذبح شعبه كما فعل الرئيس السوري بشار الأسد. فقرر مبارك البقاء في بلاده والمثول أمام المحكمة وقضاء عقوبته فيها».

وفي مقال مطول للكاتب الإسرائيلي والمحرر في الصحيفة، تسيبي برئيل، بعنوان «إحباطات الديمقراطية»، كتب: «إن محاكمة مبارك فاجأت الخبراء والمحللين الإسرائيليين المتابعين للشأن المصري، وتسببت في مشاعر الإحباط لدى الجمهور الإسرائيلي، كما نجمت هذه المشاعر عن الفجوة بين مشاعر الإسرائيليين والرواية التاريخية بالنسبة للدور المركزي الذي لعبه مبارك في التسبب في تدهور مصر، وتحولها إلى دولة فساد وقمع من جهة، والحكم من جهة أخرى».

وفي السياق نفسه قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أكثر الصحف العبرية انتشارا في إسرائيل، إنه من الظلم أن يموت مبارك البالغ حاليا من العمر 84 عاما داخل السجن بمزرعة طرة، بعد كل هذه السنوات من العمل لأجل بلده، على حد قولها. وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن مبارك أجهش بالبكاء لدى وصوله بمروحية من المحكمة إلى السجن مباشرة، موضحة أن مبارك سيرتدي ملابس سجين طيلة حياته. فيما كتبت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن الرئيس المصري الذي خلعه شعبه في ثورة شعبية كبيرة أصيب بنوبة قلبية بعد إدانته أمس بالضلوع في قتل متظاهرين في يناير (كانون الثاني) 2011. وفي السياق نفسه كتب الخبير الإسرائيلي بالسياسة المصرية والشؤون العربية عوديد جرانوت مقالا في الصحيفة تحت عنوان: «صعب للمشاهدة»، تناول خلاله محاكمة مبارك، قائلا: «بصفتي إسرائيليًا كان من الصعب علي مشاهدة مبارك وهو في الـ84 من عمره، وهو ينقل بنقالة على متن مروحية إلى سجن طرة، حيث من المقرر أن يبقى طيلة حياته هناك».

وأما صحيفة «يسرائيل هيوم»، المعروفة بقربها من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فقد بدت متشفية بمصر. وعلى صفحتها الأولى أيضا، نشرت كاريكاتيرا لمبارك داخل جسد فرعون مقبوض عليه، في إشارة إلى الحكم الصادر ضد مبارك أمس بالسجن المؤبد 25 عاما. وعلى الصعيد السياسي قال عضو الكنيست بنيامين بن أليعازر، وزير الدفاع الأسبق، إنه «يشعر بحزن عميق على قرار المحكمة المصرية».

واهتمت الصحف الأوروبية ومنها في بلجيكا وهولندا ولندن بالأحكام التي أصدرها القضاء المصري في محاكمة الرئيس المصري السابق مبارك، وقالت الصحف البلجيكية إن المواطنين المصريين اختاروا الخروج إلى الميادين وخاصة ميدان التحرير للتعبير عن غضبهم، بسبب الأحكام التي صدرت وكان البعض منهم ينتظر حكما بالإعدام على من قتلوا المتظاهرين. أما الصحف الهولندية فقد أشارت إلى الرد الغاضب والسريع من جانب أهالي الضحايا داخل قاعة المحكمة، عندما هتفوا مطالبين بتطهير القضاء والقصاص من خلال عقوبة الإعدام، التي طالب بها الادعاء العام المصري، كما أشارت وسائل الإعلام الهولندية إلى أن الحكم بالمؤبد ضد مبارك والعادلي ليس لمسؤوليتهما المباشرة عن قتل المتظاهرين، ولكن المسؤولية السياسية في حماية المواطنين».

كما اهتمت الصحف البريطانية بالحدث ومن هذه الصحف «الديلي تلغراف» التي خرجت بعنوان يقول: «من فرعون إلى سجين.. الحكم على مبارك بالسجن مدى الحياة. الحكم قسم البلاد بين جناح مسرور لإحقاق العدالة، وجناح آخر يرى أن المحاكمة كانت مهزلة».

ويقول كاتب المقال نك ميو إن مبارك ظل، على مدى ثلاثين عاما، حاكما أشبه بالفرعون، كلمته قانون، أهدر مليارات من أموال الدولة، وسيطر على دولة مصر البوليسية، لكن بدا مبارك منكسرا ومهانا وهو في الرابعة والثمانين من العمر، وهو ينقل بطائرة هليكوبتر إلى سجن طرة، حيث سجن العديد من خصومه، بعد ساعتين فقط من إعلان القاضي عن الحكم في ضلوعه بمقتل نحو 850 محتجا خلال الثورة المصرية. ويقول الكاتب إن مبارك بدا وكأنه كان يبكي، رافضا في البداية الخروج من المحكمة بعد أن أدرك أنه لن ينقل إلى المستشفى العسكري الذي قضى فيه معظم فترة احتجازه في انتظار المحاكمة.

ومن صحيفة «الاوبزيرفر» نقرأ عنوانا آخر يقول: «الحكم على حسني مبارك استقبل أولا بحماس، ثم تلاه الغضب». وتقول الصحيفة إن المصريين ردوا بغضب شديد وهم يستمعون إلى نص الحكم المخفف على رئيسهم السابق، وهو حكم مفتوح تماما للاستئنافات والمراجعات القضائية. وتنقل الصحيفة عن خبراء في القانون قولهم إن الحكم بالسجن مدى الحياة على مبارك يبقي الباب واسعا أمام اعتراضات قانونية واستئنافات». من جهته قال الكاتب البريطاني روبرت فيسك أمس في «الإندبندنت» البريطانية إن المصريين ينتظرون ليروا ما إذا كان أحمد شفيق، رئيس وزراء مبارك السابق، أم مرشح الإخوان المسلمون محمد مرسي سيصبح رئيسا للجمهورية. وأشارت «الإندبندنت» إلى أن الحكم على مبارك بالسجن المؤبد هو بمثابة حكم عليه بالموت. وأوضح أن مبارك كان يحارب الإرهاب لصالح الغرب فقد كان صديقا معتدلا للغرب وربما كان ذلك هو السبب وراء عدم صدور حكم ضد جمال وعلاء. وقالت الصحيفة: «لا شك أنهما سوف يغادران مصر».