هل تفسد أوروبا حفل انتخاب أوباما لدورة ثانية؟

أصبح مصيره مرهونا بقرارات أنجيلا ميركل والجمهوريين

الرئيس الأميركي باراك أوباما في طريقه إلى كاليفورنيا لمواصلة حملته الانتخابية وسط معركة اقتصادية ساخنة (أ.ف.ب)
TT

جاء التراجع الاقتصادي في الآونة الأخيرة بمثابة ضربة موجعة بالنسبة للرئيس الأميركي باراك أوباما وفرص إعادة انتخابه لولاية ثانية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لكن ربما يكون أكثر ما يثير قلق الرئيس هو ضعف سيطرته على الكونغرس الذي تمر من خلاله التشريعات الاقتصادية هنا.

إن محاولات أوباما لإقناع الناخبين خلال جولاته في جميع أنحاء البلاد بأن الأزمة المالية في أوروبا والعقبات التي يضعها الجمهوريون في طريقه هي السبب الرئيسي وراء تعثر الاقتصاد الأميركي، تؤكد شيئا واحدا فقط وهو أن مصيره مرهون بقرارات الآخرين، لا سيما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الجمهوري لمجلس النواب الأميركي جون بوينر.

وفي الداخل، دائما ما كانت خطط الرئيس أوباما لتحفيز الاقتصاد من خلال فرض تخفيضات ضريبية وبرامج لترشيد الإنفاق تتحطم على صخرة المعارضة القوية من جانب الجمهوريين في الكونغرس. ونتيجة لذلك، أصبحت الحكومة تمثل عبئا كبيرا على الاقتصاد، حيث أطاحت بأكثر من نصف مليون وظيفة على المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات والبلديات منذ أن وصلت معدلات العمالة الوطنية إلى أدنى مستوياتها في شهر فبراير (شباط) 2010.

وفي أوروبا، يواجه أوباما القيود السياسية نفسها. ويقول معظم الاقتصاديين، بما في ذلك في إدارة أوباما، إنهم يعتقدون أن الدول الأوروبية الضعيفة يجب أن تنمو إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد البقاء، لكن هذا يعني الحد من سياسات التقشف القاسية التي فرضت على تلك الدول في مقابل الحصول على مساعدات من المؤسسات الأوروبية وصندوق النقد الدولي - وهي السياسات التي لم تنجح سوى في زيادة الركود الاقتصادي في تلك الدول. ومع ذلك، تجد هذه السياسات معارضة من جانب ألمانيا، وهي البلد الوحيد في أوروبا القادر على تقديم الدعم المالي للدول الأوروبية الأفقر.

ويرى العديد من الاقتصاديين أن الجمود السياسي لا معنى له، حيث تشير السوابق التاريخية والأدلة الأخيرة إلى أن خفض الإنفاق العام في ظل تفاقم معدل الركود لن يؤدي إلى شيء سوى زيادة الانكماش الاقتصادي وتدمير الموارد المالية العامة، لأن ذلك يقلل من عائدات الضرائب، في حين أن معدلات البطالة وتكاليف إعانات البطالة آخذة في الارتفاع.

وفي بعض الدول - لا سيما في الولايات المتحدة وألمانيا - نجد أن أسعار الفائدة منخفضة بالدرجة التي تمكن الحكومات من الاقتراض بمعدلات لا تذكر، واستخدام تلك الأموال في التخفيف من تأثير الركود الاقتصادي على الفئات الأشد فقرا. وبالنسبة للولايات المتحدة، قد يعني هذا بناء طرق جديدة وتوظيف مدرسين جدد، أما بالنسبة لألمانيا فقد يعني هذا توفير الدعم المالي لمنع إسبانيا من إفلاس.

وعندما اندلعت الأزمة الاقتصادية عام 2009، لجأت العديد من الدول الصناعية والدول النامية الكبرى إلى زيادة الإنفاق العام للحفاظ على اقتصادياتها من التخبط في الوقت الذي كان يعاني فيه القطاع الخاص من الانكماش.

واليوم، تقوم بعض الحكومات، وحتى القادرة على زيادة الإنفاق وتحمل بذل مزيد من الجهود، بتخفيض الإنفاق العام، وكما كان متوقعا، بدأ الاقتصاد العالمي يتباطأ مرة أخرى.

ماذا حدث بالضبط؟ وستتعلل الدول التي دعمت تدابير التقشف بأن خطط التحفيز الاقتصادي قد تمادت بشكل كبير، وأن الديون الحكومية قد ارتفعت بصورة أكبر من اللازم. ولا تستطيع العديد من الدول الأوروبية - التي خرجت بصورة فعلية من الأسواق المالية - إنفاق المزيد، حتى لو كانت تريد ذلك، لكن السبب الذي جعل العالم يتحول بصورة جذرية من التحفيز المالي إلى التقشف المالي له علاقة وطيدة بتغير السياسة في العالم نتيجة للأزمة الاقتصادية.

ومن الصعب للغاية المبالغة في تأثير الضربة القوية التي وجهها الكساد الكبير إلى النظام السياسي. ففي الولايات المتحدة، أدى هذا الكساد إلى صعود حزب الشاي - الذي نشأ نتيجة قيام أحد مذيعي التلفزيون بتوجيه انتقادات حادة لخطة الإدارة التي تهدف لمساعدة أصحاب المنازل المثقلين بالديون. وكان حزب الشاي هو من شكل حركة «احتلوا وول ستريت» التي تعبر عن الغضب الشديد من تركيز الثروة في يد عدد قليل من الأثرياء الذين استغلوا الأزمة الاقتصادية بذكاء شديد، في الوقت الذي يعاني فيه بقية الشعب الأميركي.

وفي أوروبا، سقطت 11 حكومة في منطقة اليورو خلال فترة لا تزيد على عام - بما في ذلك مرتين في اليونان - بعد عقابها من قبل الناخبين الذين لا يرون في الأفق نهاية لهذا الانكماش الاقتصادي. وبدأت الأحزاب المتطرفة في الصعود، مثل الجبهة الوطنية اليمينية الفرنسية، التي حصلت على 18 في المائة من الأصوات في انتخابات الرئاسة الفرنسية التي عقدت الشهر الماضي، وهي نسبة قياسية بكل المقاييس. واتضحت خطوط المعركة في جميع أنحاء القارة بين المؤسسة السياسية التي تدافع عن التقشف بشتى أنواع الطرق تحت مسمى الحفاظ على منطقة اليورو، والمعارضة الراديكالية على نحو متزايد.

وقد يكون هذا النوع من الاستقطاب السياسي سمة عامة في كل الأزمات المالية، حيث لاحظ الاقتصاديون أن مثل هذه الأزمات تعمل على توسيع الفجوة بين مصالح الدائنين - مثل المصارف والمستثمرين وحتى الحكومات - والمدينين، الذي يتحولون إلى مفلسين فجأة نتيجة للأزمة التي تعصف بوظائفهم، وتدمر قيمة منازلهم.

ويعمل الدائنون على تشجيع سياسية التقشف باعتبارها أفضل وسيلة تمكن المدينين من تسديد ديونهم، ويعارضون أي جهود لمحو هذه الديون أو إعادة التفاوض على القروض، أو للسماح بارتفاع معدل التضخم بالشكل الذي يؤدي إلى خفض قيمة هذه الديون. وعادة ما تكون للدائنين، الذين يكون لديهم تمويل وتنظيم أفضل، اليد العليا في ذلك الصراع الذي غالبا ما ينتهي بخسارة المدينين، الذين يكونون أكثر فقرا بشكل عام.

ويظهر هذا الانقسام جليا في أوروبا، التي شهدت معارضة شديدة من جانب الناخبين الألمان للالتزام بتقديم المزيد من الموارد الألمانية لمساعدة البلدان المثقلة بالديون في جنوب أوروبا. ويظهر هذا الانقسام أيضا في الكابيتول هيل، الذي عارض فيه الجمهوريون خطط التحفيز التي قدمتها الإدارة من خلال مقترحات لخفض الإنفاق العام لتمويل خفض الضرائب الذي سيكون في صالح الأميركيين الأكثر ثراء. وقد أدى هذا الجمود إلى حالة من الشلل في عملية صنع السياسات على جانبي المحيط الأطلسي، ويمكن أن يؤدي إلى الكثير من الضرر الاقتصادي.

وفي ظل اقتصاد يتهاوى بشدة ومعدل بطالة يصل إلى 22 في المائة، يبدو أن اليونان قد أصبحت قريبة للغاية من الخروج من منطقة اليورو والتخلف عن سداد ديونها، وهو ما قد يؤدي إلى انفصال دول أخرى، بما في ذلك إسبانيا والبرتغال وآيرلندا، وتمزق العملة الموحدة إلى نحو 17 عملة مختلفة.

وسيتأثر الاقتصاد الأميركي بانهيار منطقة اليورو بكل تأكيد، على الرغم من أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بحجم هذا الضرر. وسيسرع مواطنو الدول الأوروبية المثقلة بالديون إلى سحب ودائعهم باليورو قبل تفكك منطقة اليورو حتى يتجنبوا تحويل مدخراتهم إلى البيزيتا أو الدراخما. وسوف تفشل المصارف وتتأثر الأسواق المالية نتيجة قيام المستثمرين بسحب أموالهم من الأصول المعرضة للخطر ووضعها في السندات الألمانية وسندات الخزانة الأميركية الآمنة نسبيا.

ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى حالة من الشلل في بعض المصارف الأميركية الكبرى، في حين سيؤدي انهيار سوق الأوراق المالية إلى العصف بمدخرات العديد من المواطنين العاديين. وسيكون هناك تباطؤ شديد في حجم الصادرات إلى أوروبا، بسبب انكماش الاقتصادات الأوروبية - وسيؤدي ذلك إلى حرمان الولايات المتحدة من أحد مصادرها القليلة للنمو.

ولكي تستوعب ما يحدث، عليك النظر إلى الأمور من هذه الزاوية: عندما أعلن مصرف «ليمان براذرز» عن إفلاسه عام 2008 أدى إلى انهيار شديد في النظام المالي العالمي، وارتفع إجمالي الديون إلى نحو 600 مليار دولار، أما الآن فوصلت الديون الحكومية لليونان وإسبانيا والبرتغال وآيرلندا - وهي أكثر الدول الأوروبية عرضة لعدم سداد ديونها - إلى نحو 1.9 تريليون دولار، وأصبحت الاقتصادات والموارد المالية الحكومية في وضع أسوأ مما كانت عليه منذ أربع سنوات.

ومع ذلك، لم يفقد الرئيس أوباما كل شيء، حيث ما زال هناك حافز قليل للجمهوريين في الكونغرس لكي يقدموا العون للاقتصاد ويعملوا على زيادة فرص أوباما في الفوز في الانتخابات، لكن يبدو أن المستشارة الألمانية ميركل قد أدركت أن ألمانيا، التي تعد المقرض الرئيسي لأوروبا، سوف تخسر كثيرا هي الأخرى في حال تفكك منطقة اليورو.

وخلال اجتماعات رفيعة المستوى على مدار الأيام القليلة الماضية، أشار مسؤولون ألمان إلى أن ألمانيا قد تكون مستعدة لبذل كل ما يلزم لإنقاذ اليورو، في مقابل الحصول على مزيد من السيطرة المركزية على الإنفاق العام في أوروبا، وهو ما يعني توفير الموارد اللازمة لمساندة حكومات الدول الأضعف، حتى تتمكن من تقليل تدابير التقشف. ومع ذلك، يتعين على ألمانيا أيضا قبول نسبة تضخم أعلى في الداخل، لمساعدة جيرانها غير القادرين على المنافسة في سد فجوة الأسعار بينهم وبين ألمانيا التي تفوقهم كثيرا من حيث المنافسة، وسيتعين عليها أيضا تشجيع الإنفاق في الداخل، لمساعدة قطاعات التصدير في البلدان الأضعف في منطقة اليورو.

وقال كينيس روغوب، وهو اقتصادي بجامعة هارفارد «تدرك ألمانيا أنها ستقوم بتقديم شيك على بياض، وهو ما يتطلب وجود تحويلات مفتوحة على مدى طويل، وستتحول القروض إلى هدايا. وفي إطار المعاملة بالمثل، تريد ألمانيا إيجاد اتحاد سياسي». وإذا لم تتجاوز منطقة اليورو حافة الخطر، فستسدي المستشارة الألمانية معروفا لأوباما لم يحصل عليه من الجمهوريين في الكونغرس.

* خدمة «نيويورك تايمز»