منذ عام 1994 تحتفل مدينة أريانة التونسية، القريبة من العاصمة التونسية تونس، بعيد الورد.. ولسكان أريانة حكاية طويلة مع الورد، فهم يتفننون في غراسته بحدائقهم الغناء ويتعاملون مع الورود بحذق وحس مرهف دقيق.
ولوردة «كاليغا» المعروفة بـ«وردة أريانة» لدى العائلات القاطنة في المنطقة، علاقة وطيدة مع أهالي تونس الكبرى، أي العاصمة وضواحيها ومنها أريانة، فهي وافدة على المنطقة منذ أكثر من ثلاثة قرون، وتعمل السلطات المحلية في أريانة على تجديد العهد مع هذه الوردة العجيبة التي تستقبل الصباح بندى لا يختلف كثيرا عن دموع العذارى.
تراها مطلة من وراء السياج باحثة عن ضياء الشمس بخجلها الطفولي، فتحسب أنها المرة الأخيرة التي تطل فيها من هناك، ولكنها تفاجئ الجميع بإطلالاتها المتكررة كل ربيع.
وتجد وردة «كاليغا» حظوة وحفاوة في متنزه بئر بلحسن، الواقع حاليا وسط مدينة أريانة، إلا أنه كان في القرون القديمة وسط البساتين الغناء والمروج الخضراء. ولهذه البئر قصة تاريخية طويلة، وفي هذا الباب يقول الباحث التونسي علي حمريت إن البئر تعود إلى فترة حكم الحفصيين في تونس، وجرى الاعتماد على متنزه بئر بلحسن لجلب مياه الري إلى حدائق وجنان المستنصر بالله الحفصي. وحاول المستنصر تخفيف الضغط على مياه الحنايا الرومانية القادمة من معبد المياه في زغوان (على بعد 60 كلم عن العاصمة التونسية) وحفر تلك البئر عام 1258 للميلاد لجلب المياه إلى بساتينه المعروفة بـ«جنان أبي فهر».
ويؤكد حمريت في بحوثه التي كتبها عن متنزه بئر بلحسن أن البئر شكلت منذ بداية القرن العشرين للميلاد مكانا للراحة والاستجمام لسكان مدينتي تونس وأريانة، فمياهها العذبة التي تفيد مرضى الكلى، جرى استغلالها في تزويد الغراسات المختلفة بالماء. وهي من بين الأسرار التي تجعل وردة «كاليغا» تزهر وتعبق بأريجها في عموم منطقة أريانة التي منحها التونسيون اسم «مدينة الورد».
وتتزود العائلات من ماء الورد وتصدر الكثير منه إلى مدن أوروبية معروفة باستهلاكها للزهور ومنها الورد. وخلال عيد الورد الذي عادة ما يقع تنظيمه خلال شهر مايو (أيار) من كل عام، يجدد التونسيون العهد مع عادة التأمل مع الورد، وقد تحول كثيرون منهم إلى متنزه بئر بلحسن إبان «عيد الورد» في دورته الخامسة عشرة من 11 إلى 20 مايو الماضي. واتجهوا مباشرة إلى منبت الورود الذي استحدث عام 1995 بهدف إحياء شأن نبتة ورد أريانة والتعريف بمزاياها.
وفي هذا المجال، قالت سامية الإمام بلحاج خليفة، المكلفة المناطق الخضراء في بلدية أريانة، «إن المختصين في هذه النوعية من الورد قد هيأوا ظروف إنبات ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مشتلة لورد أريانة بعد التعرف على خصائصها وفوائدها لدى خبراء النباتات والزهور». وتؤكد أن ورد أريانة «لا يضاهى من حيث روائحه الفواحة ومنظره الوردي المميز».
هذا، وتقام سوق النباتات والزينة سنويا بمتنزه بئر بلحسن، وقد خصصت مساحة فيه لمدينة غراس الفرنسية، عاصمة صناعة العطور في فرنسا، التي ستعمل على غراسة أنواع مختلفة من الزهور، من بينها ورد أريانة الموجه بالخصوص إلى صناعة أرقى العطور العالمية. كما أن ماء الورد تستعمله العائلات التونسية لعلاج الجهاز التنفسي والمعدة والقلب وتنظيف العيون، ولا يمكن الاستغناء عنه في صنع أحلى المرطبات وأفضل مواد التجميل.
عن أهمية ورد أريانة والاتجاه نحو ترويجه في الخارج، قالت أعزيزة عبيد، وهي منتجة لماء ورد أريانة، إنها تمكنت من توجيه منتوجها من ماء الورد إلى بعض البلدان العربية ومن بينها مسقط عاصمة سلطنة عُمان. وتفضل عزيزة استعمال التقطير على الطريقة التقليدية باستعمال ما يعرف في تونس بـ«القطّار الغذائي»، علما بأنه لا يمكن مقارنة ما يفرزه من ماء ورد مع الطرق العصرية. فالمنتوج على حد تعبيرها «بعيد كل البعد عن بعضه ولا يمكن مقارنته مع ما يجري إنتاجه بالطرق المستجدة».
وحول مستقبل التعامل مع ماء الورد، قالت عزيزة في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إنها ابتدأت العمل كهواية ليس إلا وهي ما زالت تهوى التعامل مع الورد، لكنها مؤخرا أسست مصنعا صغيرا، وباتت تعطي من تجربتها لفائدة 11 شخصا «يربطهم الشغف بعالم الورد».