إجماع على غياب مظاهر الدولة في شمال لبنان وتخوف من إعلان قيام «شمالستان»

الشيخ بكري لـ «الشرق الأوسط»: شئنا أم أبينا أصبح هناك ضاحية شمالية مقابل الضاحية الجنوبية

لبنانيون يقيمون خيما ويقطعون الطريق الرئيسي المؤدي إلى قرية وادي خالد للاحتجاج على اختطاف أحد أبنائها المؤيدين للثورة السورية (رويترز)
TT

بينما تتسارع الأحداث الأمنية في شمال لبنان، على وقع تطور الأوضاع ميدانيا في سوريا، برز مؤخرا - وبحسب خبراء عسكريين واستراتيجيين - أكثر من مظهر يؤكد غياب الدولة وسقوط هيبتها في مناطق الشمال اللبناني؛ انطلاقا من طرابلس وصولا إلى منطقة وادي خالد والحدود مع سوريا.

وفيما لا يتردد الداعية الإسلامي السلفي عمر بكري بالإعلان عن قيام ضاحية شمالية للبنان مقابل الضاحية الجنوبية، التي يسيطر عليها حزب الله، يحذر الخبير العسكري والاستراتيجي المقرب من الحزب أمين حطيط من عمليات تهجير تحصل في الشمال ومن تآلف الدولة والحكومة اللبنانية مع مظاهر سقوط هيبتها شمالا.

وشكلت عمليات الخطف على الهوية التي شهدتها منطقة وادي خالد الحدودية في اليومين الماضيين، والتي أعادت إلى الأذهان صور ومشاهد الحرب الأهلية، منعطفا خطيرا بتطور الأوضاع أمنيا في الشمال في ظل مساعي أكثر من طرف للتوسط لدى السوريين للإفراج عن المواطن محمد سليمان الأحمد، الذي كان قد سلم إلى الجيش السوري يوم أول من أمس ما دفع أهالي وادي خالد للرد على العملية باختطاف عدد من السوريين ولبناني.. وبالأمس، وبما سمته فعاليات عكار بادرة حسن نية، أطلق سراح اللبناني حكمت قاسم فيما لا تزال الوساطات قائمة لإعادة الأحمد من الداخل السوري.

«هو الربيع العربي الإسلامي بدأ يلقي بظلاله على الشمال اللبناني»، هكذا يفسر الداعية السلفي عمر بكري ما يحصل في الشمال «بعد كل الظلم الذي كان يرزح تحته أهل السنة في لبنان نتيجة الاحتلال السوري وغيره». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «شئنا أم أبينا أصبح هناك ضاحية شمالية مقابل الضاحية الجنوبية التي يسيطر عليها حزب الله نتيجة تلكؤ مؤسسات الدولة في حماية المواطنين وتحول الحكومة لساعي بريد للنظام السوري».

وشدد بكري على وجوب التفرقة بين الضاحية الجنوبية التي يمنع دخول الجيش والقوى الأمنية إليها والضاحية الشمالية، حيث يسمح للجيش ممارسة مهامه كما يشاء، داعيا إياه «ليفرض نفسه على الحدود مع سوريا ويعامل كل اللبنانيين بالمثل، فلا يلقي القبض على أهل السنة الراغبين بمساعدة إخوانهم في سوريا ويسمح للباصات المليئة بعشرات الداعمين للنظام بالدخول والخروج ساعة تشاء».

بالمقابل، عدد الخبير العسكري والاستراتيجي المقرب من حزب الله أمين حطيط 4 مظاهر تؤكد غياب الدولة في الشمال، وقال: «أولا: تبادل إطلاق النار بين عناصر لبنانية وعناصر أخرى أو بينها وبين الجيش السوري على الحدود. وثانيا: أعمال حرق الممتلكات لأسباب طائفية ومذهبية. وثالثا: أعمال الخطف الحاصلة.. ورابعا: أعمال التهجير».

وحذر حطيط من «أعمال تهجير لعائلات مسيحية وعلوية وشيعية»، لافتا إلى أن الدولة اللبنانية تتجنب الحديث عن الموضوع الحاصل على قدم وساق، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لكن المستغرب في الموضوع هو أن كل ما يحصل في الشمال لا يلقى رد فعل من قبل الدولة؛ التي نخشى أنها بدأت تتآلف مع هذه الحالة». واعتبر حطيط أن ما يحصل في الشمال «مدخل لحرب مدمرة للكيان والنظام اللبناني»، مذكرا بأن أهالي شمال لبنان يمثلون خمس أو سدس مجمل السكان، وأن مساحة عكار تشكل ربع مساحة لبنان، ومشيرا إلى أنه «وفي حال تحولت هذه المنطقة لمنطقة غير خاضعة رسميا لسلطة الدولة»، من أن يكون ذلك مقدمة للحرب القادمة.

أما تيار المستقبل، الذي يؤكد منسقه العام في طرابلس وعضو المكتب السياسي فيه مصطفى علوش ألا مصلحة حزبية له على الإطلاق بقيام ضاحية شمالية مقابل الضاحية الجنوبية، يرد المخاوف من قيام «شمالستان» لغياب الدولة عن القيام بمهامها على مدى سنة ونصف أي منذ اندلاع الأحداث في سوريا.. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «من المنطقي أن نرى تصرفات خارجة عن الشرعية وتندرج في إطار تأمين الحماية الذاتية وهو ما تدفع إليه الحكومة اللبنانية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة».

وإذ يؤكد علوش قيام تيار المستقبل بجهود سياسية لاحتواء المظاهر غير المألوفة التي ظهرت في الشهرين الماضيين، لا يخفي بأن هناك وجودا لجماعات سلفية وغيرها في خضم المعمعة القائمة، ويضيف: «لكننا نعول على الـ95% من أهالي الشمال الذين يتبعون المنطق السياسي السليم الذي يدعو إليه (المستقبل)».

بدوره، اعتبر رئيس جمعية «اقرأ» السلفية الشيخ بلال دقماق أن طرابلس والشمال أصبح أقرب لمحافظة سورية منها لمحافظة لبنانية؛ نتيجة التدخل السوري فيه وما يشهده من عمليات خطف لمواطنين لبنانيين على أيدي عناصر الجيش السوري والشبيحة التابعين للنظام السوري في لبنان. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كما نرى أصبح أهل وادي خالد والشمال مضطرين لتحصيل حقوقهم بأنفسهم نتيجة تلكؤ الدولة»، رافضا الحديث عن «شمالستان»، ولافتا إلى «أننا بصدد شمال مظلوم، بسبب ممارسات النظام السوري الذي يحاول وبشكل حثيث نقل أزمته إلينا».