الازدحام الخانق في شوارع المدن وطرقاتها أصبح ظاهرة يومية مدمرة لأعصاب سائقي السيارات وركابها أيضا. ولكن التطور التكنولوجي المتسارع الخطى يعد منذ اليوم بأن الفرج آت.. وآت قريبا، فالسيارة التي تقود نفسها قادمة إلى مدننا، وفي وقت أقرب مما كان يتصوره المتفائلون.
استنادا إلى معلومات «المطلعين»، سوف تتميز سيارات «الجيل الجديد» بقدرتها على توجيه ذاتها بالسرعات البطيئة، والتوقف عند الضرورة، ومن ثم استئناف رحلتها وحتى التسارع عند الحاجة، وفقا لظروف السير. وكل ذلك سيتم بشكل تلقائي وأوتوماتيكي بالكامل.
ويقول المطلعون على هذا التطور التكنولوجي المذهل إنه صمم للقضاء على الظاهرة المزمنة التي تشهدها حاليا معظم مدن العالم الكبرى دون استثناء، أي اضطرار السيارات للسير ببطء بالغ، ثم التوقف، ثم الانطلاق ثانية.. وهكذا دواليك وعلى فترات ليست بالقصيرة أبدا بحيث باتت رحلة أي موظف يستخدم بسيارته للذهاب إلى عمله، ولو كانت المسافة قصيرة، تتطلب في أفضل الظروف ساعة أو أكثر من الزمن.
أما التكنولوجيا الجديدة فهي تتيح للسائق فرصة التحول إلى النمط الأوتوماتيكي في القيادة لتجنب التوتر الذي تسببه مثل هذه القيادة المجهدة، مما يتيح له رفع نظره عن الطريق أمامه، ورفع قدميه عن دواسات البنزين والمكابح وغيرها.
عمليا، تشكل هذه التقنية خطوة أولى في مسيرة طرح تدريجي للسيارة المستقلة بذاتها تماما، والتي لا تحتاج إلى تدخل سائقها كونها ستقود نفسها بنفسها في شوارع المدن.. بسرعات كبيرة وبدرجة عالية من السلامة والأمان.
ويبدو أن شركات كبيرة مثل «مرسيدس بنز»، و«أودي»، و«بي إم دبليو»، و«فورد»، دخلت فعليا ساحة التنافس الشديد على كسب «مجد» التحول إلى الشركة الأولى التي تطرح مثل هذه السيارات في أوروبا أولا، ومن ثم في بقية أرجاء العالم.
مصادر من شركة «مرسيدس» تفيد بأنها ستستعين بأولى مكونات هذا النظام المتطور للقيادة في طرازاتها الجديدة من سلسلة، أو عائلة «إس»، التي تعتبر من أفخر مجموعاتها. ووصف بعض الذين تسنى لهم تجربة هذا النظام بأنها ظاهرة قيادة غير عادية فعلا، بحيث يمكن للسيارة أن توجه ذاتها عبر حالات السير المكتظ بالمركبات والآليات المختلفة.
تعمل هذه التقنية عن طريق استخدام الكاميرا المركبة على الزجاج الأمامي للسيارة بحيث تتعقب السيارة السائرة أمامها، فتتولى هذه الكاميرا، وأجهزة الاستشعار الأخرى، رصد الخطوط البيضاء التي تحدد رواقات السير في الشوارع، وتنظم مرور السيارات، بحيث تدرك السيارة أين هي، بعد تحديد موقعها تماما، الأمر الذي يجعلها تستوعب درجة المنعطفات وكيفية التواء وجهة السير، لتحدد هي، إلكترونيا، مقدار إدارة المقود بصورة دقيقة جدا، من دون أي تدخل من قبل السائق.
ويجري جمع كل هذه المعلومات والتطبيقات على خريطة يؤمنها نظام ملاحة إلكتروني للسيارة يعمل بمساعدة الأقمار الصناعية. وهذا يعني أنه إذا انحرفت السيارة السائرة في المقدمة عن وجهتها، أو غيرت نهج سيرها، تدرك سيارة «القيادة الذاتية» أنها غير معنية بذلك، وبالتالي لا تتبعها. وهذا النظام صمم للعمل في سرعات تقل عن 25 ميلا في الساعة.
يتولى كومبيوتر السيارة تنظيم كل هذه الأمور بدقة بالغة، بما في ذلك الإشراف على الرادار، وأجهزة الاستشعار المركبة في المقدمة التي يمكنها تقدير المسافة الفاصلة عن السيارة الأمامية، فضلا عن تحديد السرعة، والحفاظ على مسافة كافية بين السيارات لأغراض الأمان. وهكذا تستطيع السيارة من تلقاء ذاتها قيادة ذاتها، والتوقف عند الحاجة، والقيام بجميع عمليات الكبح والتسارع والتباطؤ، كل ذلك من دون تدخل السائق الذي يمكنه في هذه الأثناء مطالعة الصحيفة اليومية إن شاء ذلك، هذا إذا سمحت القوانين المرعية بذلك.
وستطلق «مرسيدس» على نظامها هذا وصف «المساعد في الطرق المزدحمة»، ليتبعه لاحقا في العام المقبل نظام شبيه آخر ستعتمده شركة «بي إم دبليو»، وتسميه «سيارة المدن». أما «أودي» فتنوي إطلاق نظامها الخاص المنافس الذي تصفه بالمتطور، في الوقت تعمل فيه شركة «فورد» على تطوير نظامها الذي سيعتمد في طراز «مونديو»، وذلك بعد الانتهاء من تطويره على مدى العامين المقبلين على الأرجح.
وفي غضون ذلك، كشفت «جنرال موتورز» عن أنها ستعتمد نظامها الخاص أيضا في سياراتها «فوكسهول»، (أوبل) المصنوعة في أوروبا.
ومع دخول هذا النظام الجديد من تقنية السيارات، يصبح السائقون، لأول مرة في التاريخ، غير مسيطرين تماما على سياراتهم، تماما مثل ربابنة الطائرات التجارية الموجودين في مقصورة القيادة للتدخل إذا ما حصل طارئ ما على ما يسمي «الطيار الأوتوماتيكي»، وبالتالي القيام بالمزيد من المناورات الصعبة إذا ما تطلب الأمر ذلك.
قد يكون لرفع السائق يده عن المقود، وتسليم الأمر إلى السيارة الذاتية القيادة، مضاعفات قانونية في بعض البلدان التي تنص قوانينها على مسؤولية السائق في جميع الظروف والأحوال، وأن تكون يده دائما موضوعة على عجلة القيادة، وقدماه بقرب الدواسات الأرضية التي تتحكم بالسرعة والمكبح والمقبض (الكلاتش)، إلا أن إدخال مثل هذه التقنية قد يقتضي، إما تغيير قوانين السير، أو تعديلها بحيث تلبي التقنية الجديدة كأن يطلب من السائق أن يكون متنبها ويقظا طوال الوقت، حتى ولو كانت سيارته تعتمد التقنية الجديدة، لأنه هو وحده الذي يتحمل المسؤولية النهائية.. وبذلك لن يسمح له، مثلا، أن يطالع صحيفته اليومية، أو يستخدم هاتفه الجوال، حتى ولو كانت التقنية الجديدة تسمح بذلك.
والسيارات الذاتية القيادة هذه قد تساعد كثيرا على حل مشكلات السير خلال فترات الازدحام، لأنها ستترك فسحة زمنية مدتها ثانيتان أو أكثر بين السيارة والأخرى، وذلك وفق تنظيم دقيق أشبه ما يكون بالساعة السويسرية، كما يقول الخبراء.
ولكن لا تزال هناك بعض العقبات الفنية التي ينبغي تذليلها قبل اعتماد هذه التقنية، منها وضع خطوط وإشارات سير واضحة على الطرقات تسهل على مستشعرات السيارة ملاحظتها ومتابعتها، وألا يحول المطر الغزير مثلا دون قيام هذه المستشعرات بقراءة هذه العلامات.