الديمقراطية في إسبانيا: الدعاية السياسية من 1976 إلى 2011

ديمقراطية إسبانيا وأساليب الدعاية السياسية في معرض بمراكش المغربية

TT

خلافا للمواضيع التي تدور حولها أغلب المعارض، التي تركز على الرسم والنحت والصورة الفوتوغرافية، اختار معرض «35 سنة من الديمقراطية في إسبانيا: الدعاية السياسية من 1976 إلى 2011»، برواق معهد «سرفانتيس» بمراكش، أن يقدم نموذجا للحملات الانتخابية والاستفتاءات التي نظمت خلال السنوات الـ35 الأخيرة بهذا البلد، انطلاقا من زاوية نظر المواطنين في الشارع، بحيث تعرض فيه، وبشكل كرونولوجي (متسلسل)، مختارات جماعية من أكثر من 50 إعلانا، ومئات الملصقات والأشياء الرمزية، التي زينت بها المدن والقرى، على مدى تلك السنوات، تدعو المواطنين للتصويت على حزب معين أو تحالف ما، أو لصالح اقتراح ما أو ضده.

وحتى يتاح للزوار من تصور السياق السياسي والاجتماعي للديمقراطية الإسبانية، يقدم المعرض ملصقات لبعض المرشحين المعروفين، استطاعوا أن يصبحوا رؤساء حكومات، مثل أدولفو سواريث وفيليبي غونثاليث وخوسيه ماريا أثنار وخوسيه لويس رودريغيث ثاباتيرو وماريانو راخوي، إلى جانب آخرين حاولوا، الوصول إلى مواقع المسؤولية، انطلاقا من مواقع أخرى، مثل مانويل فارغا، سانتياغو كارييو، إنريكي تيرنوغالبان، كما نكون مع بعض المرشحين المثيرين للجدل، مثل رويث ماتيوس، أو حتى الانقلابي تيخيرو الذي سعى للحصول على الحصانة البرلمانية سنة بعد محاولته الانقلابية الفاشلة، وآخرين.

ويمثل المعرض، الذي اعتمد في اختيار معروضاته فرادة المقترح وجمالية رسمه ورسالته، تأريخا بصريا للتجربة الديمقراطية في إسبانيا، حيث يغطي الحقبة الأكثر أهمية في التاريخ المعاصر لهذا البلد، إذ إنه خلال هذه الفترة، عاشت إسبانيا أكبر حقبة ديمقراطية في تاريخها، توثقت فيها ديمقراطيتها وتقوت، فكان من مكاسبها الأساسية حق الاقتراع الحر المباشر الذي بواسطته يختار المواطنون، في كل 4 سنوات، ممثليهم في المؤسسات الوطنية والمستقلة والمحلية والأوروبية. إضافة إلى ذلك أنه في هذه الحقبة، أيضا، تم استفتاء الإسبان، لإبداء رأيهم حول مواضيع ذات أهمية خاصة، مثل الإصلاح السياسي في 1976، والتصويت على الدستور في 1978، والانضمام إلى الحلف الأطلسي في 1986، والتصويت على الدستور الأوروبي في 2004، أو مختلف دساتير الجهات المستقلة، وغيرها. وعلى مدى هذه الفترة، ظلت الأحزاب السياسية تستغل هذه المواعيد للاقتراب من المصوتين محاولة جذبهم برموزها، ومرشحيها ووعودها؛ لذلك يلاحظ، من خلال الشعارات والخطوط والفنون المستعملة في كتابة أسماء الأحزاب، كيف تطورت مختلف أساليب الإقناع المستعملة بحسب تقنيات التواصل المتبعة في تثبيت الديمقراطية في المجتمع الإسباني.

بشأن رأيه في موضوع المعرض، وقيمة المعروضات، يقول عبد الصمد الكباص، الإعلامي والكاتب المغربي، لـ«الشرق الأوسط»: «في هذا المعرض نكون مع شعارات وملصقات تعكس حملات انتخابية لا تستغبي المتلقي، بل تحترم ذكاءه بشكل فائق، وهذا ما يتبين من خلال دقة الرسائل التي تتضمنها وجمالية الملصقات وتنوع الوسائط، والاقتصاد الكبير على المستوى اللغوي. لذلك يتبين أن منتج الخطاب السياسي يعرف ويعترف بأن هذا الخطاب هو ممارسة بين قطبين واعيين كل طرف يدرك تماما الوضعية التي ينطلق منها: الناخب أو المنتخب. كما نلاحظ تنوعا جذريا من دون تماه بين الشعارات، التي لا تتشابه، كما أن الملصقات متباينة في توجهها ومضمونها، وهو ما لا يوجد في الممارسة الانتخابية المغربية بعد. هذا يعني أن الدعاية الانتخابية الإسبانية قطعت شوطا كبيرا تعكس من خلاله جودة الانتقال الديمقراطي الذي عاشته إسبانيا».

وحيث إن خيار تقديم معرض يتناول الديمقراطية في إسبانيا، من جانب الدعاية السياسية، خارج إسبانيا، وفي مدينة مغربية، يمكن أن يثير أسئلة الفضوليين حول دواعيه ومراميه، حرص رامون أديل أرخيليس، مفوض المعرض، على القول، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن المعرض «لا يسعى إلى تقديم دروس لأي كان، فردا كان أو جماعة»، وإنه مجرد «تأريخ لمرحلة محددة في الزمن، وتكريم لرجال ونساء صنعوا ديمقراطية إسبانيا»، كما «يلخص رغبة في عرض هذه التجربة أمام جمهور واسع ديمقراطي ومتنوع، بحيث يمكن أن تكون لها أهميتها على مستوى التلقي وأخذ فكرة عن مسار ديمقراطية بلد مثل إسبانيا».

ويرى أرخيليس أن الكثير من المقترحات المعروضة شكلت في وقتها رهانا تواصليا، بينما اعتمدت نماذج أخرى على حملات أكثر تقليدا وكلاسيكية، وهي كلها نتيجة عمل نشطاء سياسيين وخطاطين ورسامين وفرق تواصلية، حيث نكون مع رسومات لفنانين مختلفين، مثل خينوبيس، ومجموعة كرونيكا، وكينو، وخوسيه رامون سانتشيث، وخوسيه رامون باييستيروس، وكوبري، وأغاثا رويث دي لاباردا، وغيرهم لم تكتب لهم الشهرة. كما أن بعض مثقفي تلك الفترة وكتابها يظهرون، أيضا، كمرشحين مثلما هو الشأن بالنسبة لغابرييل ثيلايا أو رفائيل ألبيرتي. كما يلاحظ أنه، مع مرور الوقت، أصبحت الحملات، وبخاصة في حالة الأحزاب الكبرى، تدرس أكثر وتكون أكثر اختصارا وتصل إلى الناخب عبر وسائط متعددة، حيث تغير الفضاء الخطي التواصلي بفضل تطور وسائل الاتصال (الراديو، والسينما، والتلفزيون)، ثم لاحقا، بعد الغزو الأخير للتقنيات الحديثة (الإنترنت، المواقع الإلكترونية) المصاحبة لشبكات التواصل الاجتماعي (المنتديات والمدونات الإلكترونية، الـ«فيس بوك».. إلخ).

ويلاحظ أن المعرض ركز أكثر على الحملات الأولى (1977 و1979) التي، نظرا لبعدها الزمني، يمكن أن تثير مشاعر من عاشها أو تقدم للشباب دليلا يوثق كيف كان النضال من أجل الديمقراطية. ومن الانتخابات العامة الأخيرة (2011) تم اختيار 3 عينات تمثل الثنائية الحزبية الرئيسية (راخوي والحزب الشعبي، إلى جانب روبالكابا والحزب الاشتراكي العمالي الإسباني)، و«الصيحة الصماء» للفنان خوان مارتين ثارثا التي اقتحمت الحملة، إلى جانب تحريك ما سمي «إم 15» المطالب بحقوق الأقليات.

وإلى جانب الشعارات والملصقات التي تحتوي على صور المرشحين، نكون مع كثير من الرسائل في الأشياء الرمزية التي تهدى أو تباع أثناء التجمهرات، من أجل تغطية مصاريف الحملات، وتسمى «أدوات الترويج الانتخابي»، مثل الملصقات والشارات والعلامات واللافتات المعدنية واليوميات وقسيمات الشراء وحاملات المفاتيح، التي كانت تستعمل لإظهار الهوية الحزبية للناخبين.

وخلال فترة السبعينات، كانت أعواد الثقاب والولاعات أو منافض السجائر هي التي تثير الضجة لأنها كانت مستعملة جدا في ذلك الوقت. وبعد ذلك ظهرت أشياء كثيرة لا تحصى مثل اليوميات وأقلام الحبر وأوراق النرد والأقراص والأشرطة السمعية وأشرطة الفيديو وألعاب الأطفال والمصابيح اليدوية والسكاكين والأقلام الملونة والأكواب وشفرات الحلاقة ومكعبات روبريك، وما إلى ذلك.

وفي بداية المرحلة الانتقالية، شهدت الأفلام السينمائية السياسية طفرة نوعية في سياق دينامية الاهتمام المتزايد بالسياسة الذي شجعته حرية التعبير والصحافة وحرارة «رفع الغطاء»، كما كان يطلق على خلع الممثلين ملابسهم في بعض الأفلام السينمائية، لذلك كان للتعددية السياسية ولاجتماعات الجماهير الانتخابية وقع لا يمكن إنكاره على السينما، لذلك يخصص المعرض جناحا صغيرا للملصقات والصور المطبوعة لبعض اللقطات من هذه الأفلام، التي أنتجت بجودة متفاوتة، تمثل لديمقراطية جديدة مليئة بالإقطاعيين، وأتباع فرانكو المتأخرين، والمرتشين الاقتصاديين والسياسيين وشخصيات مفسدة.

كما نجد فيها، أيضا، انعكاسا للانتخابات، ففيلم النائب (1978) لإلوي دي لا إغليسيا، الذي لعب فيه خوسيه ساكريستان دور البطولة، يبين لنا التناقضات اليومية التي يعيشها سياسي لا يريد أن يكشف عن حقيقة كونه مثليا.

كما يقدم فيلم «صوتوا على غوندينسالبو» (1978)، مع الممثل أنطونيو فيارنديس، صورة لمرشح لمجلس المستشارين يائس لأن عليه أن يتكيف مع الديمقراطية، بينما يعتبر فيلما «عمدة بالانتخاب» (1976) و«العمدة والسياسة» (1982)، وهما معا من بطولة ألفريدو لاندا، أحسن الأفلام التي تعكس، بسخرية، الانتخابات البلدية الأولى، قبل أن يأتي فيلم «صوت السيد كايو المتنازع حوله» (1986)، المستمد من رواية لميغيل ديليبيس، بنفس العنوان، ليعطينا نظرة أكثر تأملا عن الانتخابات العامة لعام 1979.