جنبلاط لـ «الشرق الأوسط»: بشار الأسد يعيش في عالم آخر.. ولا مكان له في الحل

قال إن إنقاذ سوريا من الخراب يتم بمبادرة روسية ـ إيرانية

النائب وليد جنبلاط («الشرق الأوسط»)
TT

لا صوت يعلو فوق صوت المعركة لدى رئيس «جبهة النضال الوطني» اللبنانية النائب وليد جنبلاط، فالزعيم الدرزي المشهور بقدرته على استشعار المخاطر، يقف اليوم رافعا مجموعة «لاءات» يرفعها من أجل «مصلحة الوطن» بحيث أصبحت معها بعض «التفاصيل الصغيرة» التي كادت تطيح بالائتلاف الحكومي، الذي هو جزء أساسي منه، «تافهة» أمام المخاطر التي تتهدد لبنان والمنطقة.

لم يعد «البيك» مهتما كثيرا بشكل قانون الانتخاب، ولا بالنسبية التي حاول بعض حلفائه في الحكومة «تحجيمه» من خلالها. كلها «تفاصيل.. والتفاصيل سخيفة أمام المخاطر الكبرى المحدقة بالوطن». النائب جنبلاط لا يرى في لبنان مفرا من الحوار مهما أخذ من الوقت ومهما كانت إنتاجيته ضئيلة، فالحوار أولوية بالنسبة إليه.. حول سلاح حزب الله الذي يرى أنه لا بد من أن يأتي اليوم الذي يتم فيه استيعابه داخل الدولة، والحوار حول الهواجس التي تضرب حزب الله جراء إحساسه والشيعة بخطر محدق جراء التطورات في سوريا.. أما حكومة ميقاتي فهي جزء من سلاح «تأجيل الفتنة» وهو غير نادم على دعمها ومستمر في ذلك.

أما في سوريا، التي تحتل أحداثها جزءا كبيرا من اهتمامات جنبلاط الذي قطع علاقته بالنظام منذ 9 يونيو (حزيران) 2011 بعدما تأكد له أن (الرئيس السوري) بشار الأسد «يعيش في عالم آخر»، يرى جنبلاط أن إنقاذ سوريا لا يكون من خلال استمرار حكم بشار الأسد، أو هذه المجموعة التي تحكم سوريا وتقودها إلى الخراب، معتبرا أن «المؤتمر الدولي» الذي دعت إليه روسيا هو فرصة أخيرة ويجب الإسراع في اغتنامها «لأن الوقت يداهمنا وسوريا تسير نحو الخراب».

ولا يرى جنبلاط مبررا لمخاوف الأقليات في سوريا، ومنها الطائفة الدرزية التي ينتمي إليها وتشكل واحدة من هذه الأقليات الكبرى في سوريا، «وإذا جرى الإسراع في الحل السياسي فلن يكون ثمة خطر على الأقليات». وهنا نص الحوار..

* الموضوع الأساسي هذه الأيام هو ما يقال عن حرب أهلية انغمست فيها سوريا، فما رأيك؟

- يمكن تفادي هذا المخطط المدمر لسوريا بتوافق دولي سريع، لأن مفتاح الحل دولي، وهو في يد موسكو وبكين، وموسكو بالتحديد، وموسكو مع حليفتها الجمهورية الإسلامية (إيران)، فإذا كانت هذه الدول حريصة على الأمن والاستقرار وعلى مصالحها في سوريا، تستطيع أن تجد توافقا من خلال ما يسمى «المؤتمر الدولي حول سوريا» الذي ستحضره كل الدول الكبرى وتجد الطريقة لإنقاذ سوريا، وإنقاذ سوريا لا يكون من خلال استمرار حكم بشار الأسد، أو هذه المجموعة التي تحكم سوريا وتقودها إلى الخراب. هل يمكن الوصول إلى حل انتقالي؟ علينا أن نسأل المعنيين الذين يعرفون العمق السوري، وهم الإيرانيون والروس.

* الحل السياسي لا يبدو واقعيا من قبل الطرفين، النظام والمعارضة..

- المعارضة على مستوى التنسيقيات في الداخل، والمعارضة الخارجية، لم تكن تستطيع منذ البداية أن تجد تسوية مع نظام اعتمد الحل الأمني، منذ درعا في عام 2011 وإلى اليوم. إن ما يجري من دمار وخراب وقتل وتعذيب وخطف، كبير جدا فوق التصور، لكن نظريا وعمليا هناك دول حريصة على الوضع السوري، وقلنا منها روسيا والجمهورية الإسلامية، فماذا تريد هذه القوى؟ المجتمع الدولي رضخ، وأعلن القبول بالمؤتمر الدولي. المؤتمر الذي يعني الاعتراف بمصالحهما في سوريا. أليس من الأفضل الإسراع في هذا المؤتمر وإنقاذ سوريا للوصول إلى حل مشابه للحل في اليمن حيث نجحت المبادرة الخليجية؟

* وكيف ستكون هوية المبادرة في سوريا؟

- مبادرة روسية – إيرانية–صينية عنوانها إنقاذ سوريا من الفوضى أو مما يقولون إنه الحرب الأهلية والخراب. عندما نسمع ما يجري من بعيد نرى أن سوريا تدمر.

* يبقى هناك خطر التقسيم العرقي والطائفي..

- لا أوافق على هذا الأمر. التقسيم العرقي والطائفي غير ممكن، والسعي إليه معناه الفوضى، فهل يوافق الجمهورية الإسلامية وروسيا الفوضى في سوريا؟ ما زلت أرى أن هناك إمكانية للحل من خلال مؤتمر دولي تتمثل فيه إيران مباشرة أو من خلال روسيا، لكن الوقت يداهمنا.

* ما هو الخيار الآخر؟

- لا يوجد خيار آخر. هناك الخيار الذي تمارسه العائلة الحاكمة، وهو الخيار الأمني الذي لن يؤدي إلا إلى المزيد من الخراب والدمار في سوريا.

* هناك مخاوف الأقليات في سوريا، ومن بينها المسيحيون والدروز، فكيف تقيم موقف الطائفتين من الأزمة؟

- إذا جرى الإسراع في الحل السياسي فلن يكون ثمة خطرا على الأقليات في سوريا. أنا لا أوافق على الرأي القائل بتحالف الأقليات. في سوريا مجتمع متحضر متنوع، وتحالف الأقليات بدعة اخترعها النظام لحماية نفسه. هناك أولا مصير الشعب السوري بكل مكوناته. والشعب السوري يأمل بحل سياسي، فالحل الأمني دمر سوريا، وسيدمرها أكثر إذا لم يجر تدخل سريع روسي – إيراني وصيني إلى حد ما رغم بعد الصين.

* ماذا عن الوضع الدرزي – السني، بعد حوادث الخطف والخطف المضاد التي تدخلت أنت من أجل تطويقها؟

- تبين أن الوطنيين في جبل العرب وحوران أقوى. وأن التيار الوحدوي السوري أقوى بكثير من النعرات الطائفية والمناطقية.

* ألا تخشى من أن تلقي التطورات السورية بالمزيد من الثقل على الوضعين الأمني والسياسي في لبنان؟

- أما وقد تطرح فكرة المؤتمر الدولي، أدعو جميع الفرقاء في لبنان من «14 آذار» و«8 آذار» أن ننأى بأنفسنا عما يجري في سوريا. الوضع أصبح في سوريا أكبر بكثير من قدراتنا الذاتية. ومدخل هذا الأمر هو الحوار، والحوار مفيد جدا، فلنحاول أن لا نستورد المشكل السوري إلى داخل لبنان، وهذا يبدأ بـ«مناطق» بعل محسن والتبانة وعكار وبالحديث السياسي.

* ما المقصود بالحديث السياسي؟

- لا يستطيع المرء أن يقف فقط عند 7 مايو، كما يقف عندها البعض في تيار المستقبل. علينا أن نتجاوز 7 مايو، وأن نرى المستقبل.

* كل الأطراف تقول إنها لا تتدخل في الشأن السوري؟

- هناك فريق في لبنان يؤيد النظام السوري، وهو فريق المقاومة، وهناك فريق يؤيد الشعب السوري. ومهما ظن هؤلاء الأفرقاء أنهم يستطيعون أن يغيروا شيئا في سوريا، فلن يستطيعوا أن يغيروا. بما أن المطروح اليوم مناقشة مستقبل سوريا بين الدول الكبرى، فلا أعتقد أن أحزابا محلية تستطيع أن تفعل شيئا. يكون من الغباء من قبل بعض الأحزاب المحلية، أيا كان شأنها وحجمها، أن تتدخل. من الأفضل أن لا نتدخل. نتدخل فقط في شأن واحد هو الشأن الإنساني عبر إعطاء الضمانات للاجئين السوريين في الشمال وحتى في البقاع. وقد اتفقنا في لجنة الحوار على تقديم الإغاثة. الإغاثة لهذا اللاجئ الذي لا ناقة له ولا جمل إلا أنه أصيب بلعنة التهجير.

* علاقتك لا تزال مقطوعة مع النظام؟

- آخر زيارة قمت بها إلى هناك كانت في 9 يونيو الماضي، وقد اقتنعت بعدها بأن بشار الأسد يعيش في عالم آخر. وقد رأينا خطابه الأخير (في افتتاح مجلس الشعب) وهو الخطاب نفسه الذي ألقاه بعد أحداث درعا (عند بدء الاحتجاجات). إنه يعيش في عالم مختلف، ولا يقبل بأن الحل الأمني أوصل سوريا إلى الخراب.

* كيف كان توفقك في علاقتك مع حزب الله وعداؤك للنظام السوري؟

- حزب الله واقع على الأرض اللبنانية. وإذا ظن البعض أن باستطاعته إلغاء حزب الله بـ«شخطة قلم» فهو مخطئ. الحزب يمثل 50 أو 60 في المائة من الشيعة في لبنان، والمقاربة مع الشيعة والحزب يجب أن تكون على قاعدة أن هذا السلاح الذي تمتلكه المقاومة، الذي كان له دور أساسي في الدفاع عن لبنان عام 2006 وتحرير الجنوب في عام 2000، يجب أن يكون يوما ما في حضن الدولة. أما الحديث الدائم والممل بأن لا حوار في ظل وجود السلاح، فهو يؤدي إلى مزيد من التأزم وغير مجد، لا على المستوى السياسي ولا النفسي.

* ما تقييمك لجلسة الحوار الأولى التي انعقدت مؤخرا؟

- بداية ممتازة. والنقاط التي طرحها رئيس الجمهورية كانت ممتازة أيضا. لقد طرح الرئيس 3 نقاط؛ هي أولا: كيفية الاستفادة من سلاح الحزب في الدفاع عن لبنان، أي أن لا يكون هذا السلاح مرتبطا بالصراع العربي – الإسرائيلي، ولا أن يكون كما قال أحدهم في طهران للدفاع عن إيران إذا ما تعرضت لهجوم على برنامجها النووي. ثانيا: كيفية الوصول إلى حل لإخراج السلاح من المدن. ثالثا: معالجة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وهو الأمر الذي اتفقنا عليه بالإجماع في الجولة الأولى من الحوار عام 2006.

* المشكلة أننا اتفقنا.. ولم يتم تنفيذ أي منها حتى الآن..

- سآخذك إلى مكان آخر. في آيرلندا الشمالية استلزم الأمر 15 سنة للوصول إلى السلم الأهلي بين الكاثوليك والبروتستانت وذلك بجهد بريطاني ودولي مشترك. ليست هناك حلولا سحرية. في النهاية يجب أن نجلس معا. من يحمل السلاح في الجنوب ليس غريبا. أذكر بتجربة مع الفلسطينيين حيث كان يعتبر فريق من اللبنانيين أن الفلسطيني غريب. وجرى قسم من الأحداث في لبنان على خلفية من يؤيد هذا الغريب ويعاديه، وكنا في اليسار نؤيده وكان آخرون يعادونه. لكن هذا السلاح لم يخرج إلا بتسوية. لم تستطع إسرائيل بكل قوتها العسكرية إخراج السلاح إلا بتسوية سياسية على الرغم من أن كل ما أحدثته من خراب ودمار، فكيف الحال إذا كان هذا السلاح مع مواطن لبناني يشعر بقلق. نعم هناك مواطن لبناني يشعر بقلق نتيجة الحدث السوري ويعتبر أن ما يجري مؤامرة دولية على وجوده.

* وفي المقابل، هناك مواطن آخر يشعر بقلق من هذا السلاح..

- عظيم. جرى ما جرى في 7 مايو، لكن من غير المفيد أن نجعل من 7 مايو «كربلاء» ثانية.

* وهذا السلاح يشكل ذريعة لسلاح آخر..

- إذن نحن أمام أفق مسدود. ليس هناك حل إلا بالحوار وتدعيم المؤسسات، ويوما ما سيتم استيعاب هذا السلاح داخل مؤسسات الدولة.

* هل توافق القائلين بأننا نعيش في لبنان نفس الأجواء التي كانت سائدة قبل الحرب الأهلية؟

- لا أوفق، لأننا نكون نستسلم ونسقط إمكانية الحل.

* ألا تخشى الحرب الأهلية؟

- لا أوافق على الاستسلام، علينا أن نبقى مصرين على الحوار والأمل.. لا أوافق على الاستسلام.

* لكن الحوار يبقى منقوصا في ظل غياب بعض أطرافه لأسباب أمنية وغير أمنية؟

- ومن هو غير المستهدف أمنيا ومهدد بشكل أو بآخر؟ فليتواضع البعض.. وحتى إذا كانت هناك مخاطر، فالشعب يستحق منا أن نطمئنه لأنه يشعر بالقلق، ولا يكبر كل واحد نفسه أكبر من اللازم.

* هل توافق على قيام حكومة حيادية كما طرحت قوى «14 آذار»؟

- ماذا يقصدون بحكومة حيادية؟ لم أفهم.. من الذي يستطيع اليوم تأليف حكومة حيادية؟ أما حكومة وحدة وطنية، فأنا موافق عليها، فليتفضل الشيخ سعد الحريري وأهلا وسهلا به. ليس لدي مانع، وأتمنى اليوم قبل الغد أن أغادر هذه الحكومة. إذا كانت قوى «14 آذار» تملك الحل السحري عبر حكومة تكنوقراط أو حكومة حيادية أو حكومة أخرى، فليتفضلوا، كل ما قمت به–ولست نادما–أنني والرئيس نجيب ميقاتي أخرنا الفتنة.. الفتنة قيل إنها ستقع عند صدور القرار الظني (في قضية اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري)، وذلك بالتعاون مع رئيس الجمهورية فكانت الحكومة الحالية.

* هذه الحكومة التي تتعرض لانتقادات الحلفاء قبل الخصوم؟

- من يملك أفضل، فليتفضل. أهلا وسهلا بهم.. لا يوجد أسهل من الانتقاد من بعيد.

* هذه حكومة تحمل بذور الخلافات فيها، إنتاجها ضئيل والخلافات مستمرة..

- فلنضع جانبا المشكلات الداخلية الصغيرة.. هناك أمور أكبر بكثير. لقد تم التوافق على مشروع الموازنة وبعض التعيينات. بشيء من التوافق «يمشي الحال».. وأنا لست خائفا.

* هل ستجري الانتخابات إذا استمر الوضع على ما هو؟

- تجري الانتخابات، ولمَ لا؟ وليفز من يملك صدقية أكبر.. لكن في نهاية المطاف لا يمكن أن نلغي حقيقة أن التأزم حول قضية السلاح يحتاج إلى الحوار. الانتخابات لا تلغي الحوار، فالحوار هو مدخل للانتخابات.

* حوار يمهد للانتخابات؟

- الحوار مطلوب لأن هناك حدثا هائلا ومخيفا في سوريا، ولهذا يجب أن ننأى بأنفسنا عن الحدث السوري بالحوار وعدم نبش الجراح السابقة وننظر إلى المستقبل.

* انتخابات وفق أي قانون؟

- القانون هو مجرد تفصيل.. حماية الوطن أهم من كل شيء.

* تقبل بالنسبية تحت هذا العنوان؟

- كل هذا مجرد تفصيل، والتفاصيل سخيفة أمام المخاطر الكبرى المحدقة بالوطن.