فرنسا تؤكد أنها تناقش مع الروس تنحي الأسد.. ولافروف ينفي

موسكو تؤكد مجددا عدم تزويد سوريا بمروحيات قتالية

متظاهرون خلال احتجاجات للمطالبة برحيل الأسد خرجت أمس في منطقة ياروب قرب دمشق (رويترز)
TT

يبدو أن باريس تسعى فعلا للعب «دور ريادي» في المسألة السورية وفق ما أعلنه وزير خارجيتها يوم الأربعاء الماضي. فقد أكد لوران فابيوس، أمس، أن مباحثات جارية مع روسيا، الطرف الدولي الحامي للنظام السوري، تركز على «المرحلة الانتقالية» وعلى نوعية السلطة التي ستقوم في دمشق بعد تنحي أو رحيل الرئيس بشار الأسد، لكن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، سارع بنفي هذا معلنا أنها تتناقض مع موقف بلاده.

وكشف الوزير الفرنسي عن تطور إضافي في تعاطي فرنسا مع المعارضة السورية يتمثل في سعيها لتزويدها بمعدات اتصال على غرار ما يفعل الأميركيون. فضلا عن ذلك، عرض فابيوس لما يمكن أن يكون عليه «السيناريو العسكري» في حال سلكت الأمور منحى كهذا، علما بأن رئيس الجمهورية، فرنسوا هولاند، «لم يستبعد» مشاركة فرنسا في عمل من هذا النوع، ولكن تحت راية الأمم المتحدة.

وفي حديث صحافي لإذاعة «فرانس أنتير»، رجح فابيوس أن تستضيف مدينة جنيف في نهاية الشهر الحالي اللقاء الأول لـ«مجموعة الاتصال» التي يسعى المبعوث الدولي العربي، كوفي أنان، لتشكيلها. وبحسب فابيوس، فإن هذه المجموعة ستكون «شبيهة بما هو عليه مجلس الأمن الدولي».

وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية، أمس، إن التوجه هو أن تضم المجموعة ما بين 12 و15 عضوا هم، إلى جانب الأعضاء الـ5 الدائمين في مجلس الأمن الدولي، تركيا والسعودية وقطر والجامعة العربية ودول ناشئة مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وممثل عن الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن إيران مستبعدة من المجموعة بعد رفض 3 دول غربية رئيسية، هي: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، مشاركتها فيها باعتبارها «جزءا من المشكلة وليس طرفا في الحل».

وبحسب مصادر دبلوماسية فإن «فائدة» المجموعة قياسا لمجلس الأمن الدولي أن حق النقض (الفيتو) غير موجود. لكن حتى عصر أمس لم يكن قد صدر شيء عن أنان أو من يمثله يؤكد معلومات الوزير الفرنسي الذي لم يكتف بالقول إن الغرض من الاجتماع تدعيم تنفيذ خطة أنان بل ذهب أبعد من ذلك، إذ اعتبر أن الغرض سيكون البحث في المرحلة الانتقالية في سوريا وهو ما تتم مناقشته حاليا مع موسكو على الأخص. وقال فابيوس: «إن الروس ليسوا متمسكين اليوم بشخص الأسد، إذ هم يرون أنه طاغية وقاتل وأنهم بارتباطهم به فإنهم يضعفون أنفسهم». واستطرد فابيوس قائلا: «لكنهم (الروس) حساسون ويتساءلون عمن سيحل محل الأسد إذا طرد من السلطة وهذه هي المسألة التي يتم النقاش حولها».

وترى فرنسا أن أحد أوجه المشكلة يتناول شكل السلطة بعد رحيل الأسد وهو الأمر موضع النقاش في الوقت الحاضر على المستوى الدولي ومع المعارضة السورية. وبحسب باريس، كما شرح الوزير فابيوس موقفها، فإنه «لا يمكن توقع الانتقال بين ليلة وضحاها من نظام بشار الأسد إلى نظام ديمقراطي مطهر وكامل»، ولذا فإن البحث جار مع الأميركيين والروس والمعارضة حول الأطراف التي ستتكون منها السلطة القادمة. ولم يستبعد الوزير الفرنسي أن يكون من بينها، إلى جانب شخصيات من المعارضة الحالية، «عدد من الأشخاص الذين انتموا إلى النظام السابق من غير أن يكونوا في الصفوف الأمامية».

وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية واسعة الاطلاع، أمس، إن الموضوع تمت مناقشته بين مدير الشؤون السياسية في الخارجية الفرنسية جاك أوديبير مع الجانب الروسي يوم الخميس، وإن الروس «يفكرون في المرحلة التي ستلي رحيل الأسد». وكان أوديبير قد زار موسكو بمعية السفير الفرنسي السابق في دمشق، أريك شوفاليه، والسفير جان كلود كوسران، رئيس المعهد الدبلوماسي الدولي في باريس، وأحد أفضل الخبراء الفرنسيين في الشؤون العربية.

غير أن بروز استحقاقين أساسيين في الأسابيع الثلاثة المقبلة؛ وهما اجتماع جنيف ومؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي سيلتئم في العاصمة الفرنسية في 6 يوليو (تموز) المقبل لا يمنع الغربيين من التفكير في بدائل في حال لم تنفع الضغوط السياسية والاقتصادية في حمل الأسد على الرحيل. ومن هذه الزاوية يعود «الخيار العسكري» إلى الطاولة، الأمر الذي أشار إليه الوزير الفرنسي، أمس.

وبحسب فابيوس، فإن رحيل الأسد يمكن أن يكون نتيجة لـ«انتصار عسكري ميداني واضح وصريح، الأمر الذي سيستدعي معارك قاسية وبالغة الشدة». ولذا، فإن باريس لا تستبعد أن تقدم للمعارضة السورية وسائل اتصال. لكن الناطق باسم الخارجية أوضح أن هذه المعدات لن تعطى إلا للمدنيين لا للمعارضة المسلحة لتمكينهم من التواصل مع الخارج. وتستبعد باريس، حتى الآن، تقديم السلاح للمعارضة. لكنها «تعرف» أن السلاح يصل إليها من مصادر كثيرة لم تسمها.

وأعلن فابيوس أن الأوروبيين سيناقشون فرض عقوبات جديدة على سوريا، وتحديدا على العسكريين. وسيتم ذلك في أول اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد بعد 10 أيام في بروكسل. فضلا عن ذلك، ستطرح فرنسا مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي لوضع خطة أنان تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على عقوبات وتدابير قسرية أخرى بحق الدول التي لا تلتزم به ما قد يصل إلى استخدام الوسائل العسكرية.

وفي هذا السياق، استبعد فابيوس أن تكون العمليات العسكرية على «صورة حرب لأن ذلك أمر بالغ التعقيد»، لكنه رأى في المقابل أن التدخل يمكن أن يكون على شاكلة إيجاد ممرات إنسانية تحت حماية عسكرية أو عبر عمليات جوية، لكنه استبعد هذا السيناريو «في الوقت الحاضر» لصالح استراتيجية مزدوجة: زيادة الضغوط على النظام السوري «عبر العقوبات وغيرها» والمضي في المناقشات مع الطرف الروسي. وأشار فابيوس إلى أن مناقشات عالية المستوى حول بلورة مخرج من الأزمة السورية ستتم في لاس كابوس (المكسيك) بمناسبة قمة الدول العشرين الأسبوع المقبل التي سيشارك فيها الرئيس الروسي بوتين، فضلا عن ذلك سيوفر اجتماع جنيف ثم مؤتمر باريس فرصتين إضافيتين لهذا الغرض.

غير أن مصادر واسعة الاطلاع في باريس تستبعد أن يتم اللجوء إلى الحل العسكري في الأمد المنظور لجملة أسباب؛ منها: الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن الأمر الذي يرفضه الروس والصينيون رفضا تاما. ومن الأسباب أيضا تردد الحلف الأطلسي الذي يكرر دوما بأن لا دور له في سوريا. أما التدخل من خارج الغطاء الدولي فإنه يطرح إشكاليات أخرى أكثر صعوبة فضلا عن افتقار عمل من هذا النوع للقاعدة القانونية الضرورية له.

ومن جانبه وتعليقا على ما قيل نقلا عن الإدارة الأميركية في وقت سابق حول أنها تجري محادثات مع موسكو حول موضوع الانتقال السلمي للسلطة في سوريا، قال لافروف إن روسيا لا تجري أي نقاشات حول موضوع استقالة الرئيس السوري، بشار الأسد، مؤكدا أنه «إذا قيل ذلك حقا فإنه كذب. فلم يجر نقاش كهذا ولا يمكن أن يجرى لأن ذلك يتعارض تماما مع موقفنا».

وأشار لافروف إلى أن ذلك ينطبق أيضا على ما قيل حول احتمال إجراء محادثات بين روسيا وفرنسا حول مسألة «استقالة بشار الأسد». وقال: «أكرر أن الأقوال التي تزعم بأننا نجري محادثات مع أحد حول مصير سوريا بعد رحيل الأسد هي أقوال كاذبة. ونحن لا نقوم بالإطاحة بأنظمة عن طريق الموافقة على أعمال أحادية الجانب في مجلس الأمن الدولي ولا من خلال المشاركة في أي مؤامرات سياسية».

وكانت نولاند الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأميركية قد أعلنت أول من أمس عن أن «محادثات تجرى مع موسكو حول احتمالات التطورات السياسية في سوريا بعد تنحي بشار الأسد عن السلطة». وحول مواضيع مباحثات لافروف مع نظيره العراقي زيباري قالت المصادر الروسية الرسمية إن الجانبين تناولا الملف السوري وآفاق تنظيم مؤتمر دولي في موسكو بشأن التسوية في سوريا بمشاركة جميع أطراف الأزمة والدول المؤثرة فيها إلى جانب التطورات السياسية في العراق على ضوء تفاقم الأوضاع الأمنية هناك، بالإضافة إلى مستقبل التعاون الاقتصادي بين البلدين، وخصوصا في مجال الطاقة.

كما أعلن سيرغي لافروف عن ضرورة إدراج إيران ضمن قائمة المشاركين في المؤتمر الدولي الذي سبق واقترحته موسكو حول سوريا. وقال في ختام مباحثاته مع نظيره العراقي، هوشيار زيباري، في موسكو: «إن قائمة المشاركين يجب أن تكون محدودة، لكنها يجب أن تمثل حتما كل اللاعبين الخارجيين المحوريين. ونعتبر أن القائمة يجب أن تتضمن قبل كل شيء الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي وجيران سوريا، وبينهم العراق وتركيا ولبنان والأردن إلى جانب السعودية وقطر وجامعة الدول العربية وإيران».

وقال لافروف: «نعتقد بضرورة توجيه الدعوة إلى الدول المذكورة بما فيها إيران في حال نعتزم الاسترشاد بمنطلقات القضية ومصلحة تعبئة كل الإمكانات المتوفرة لدى الأسرة الدولية من أجل وقف العنف والتحول بالأوضاع إلى المجرى السلمي بعيدا عن الانطلاق من أولويات آيديولوجية». وأضاف: «نحن على يقين بأن اللاعبين الخارجيين يجب أن يبحثوا الخطوات الرامية إلى تحقيق الاتفاق حول إجراء الحوار السوري الشامل بين الحكومة السورية وكل التنظيمات المعارضة، كما تقضي بذلك خطة كوفي أنان».

وأشار الوزير الروسي إلى أن عقد المؤتمر يستهدف بحث السبل اللازمة للتأثير على كل الأطراف السورية من أجل وقف العنف والتحول نحو الحوار. وإذ أكد إصرار موسكو على عقد المؤتمر قال: «إن الجانب الروسي أطلع كل المشاركين المحتملين على رؤيته للمؤتمر وأهدافه ومهامه. ونجري الآن اتصالات نشيطة من أجل التنسيق في المواقف». أما عن احتمالات المشاركة في مؤتمر جنيف حول سوريا الذي من المقرر عقده في 30 يونيو (حزيران) الحالي في حال مراعاة بعض الشروط، قال لافروف بضرورة توفر القوام المناسب للمشاركين، وأن يبحث المؤتمر مسألة المساهمة في الحوار السياسي، دون أن يقرر مسبقا مستقبل النظام السياسي في سوريا. وأضاف: «في حال مراعاة هذين الشرطين فإننا مستعدون للمشاركة وسنشارك حتما في هذا المؤتمر».

ومضى الوزير الروسي ليؤكد أن خطة كوفي أنان توفر الفرصة اللازمة لتحقيق التطور الديمقراطي في سوريا، مشيرا إلى ضرورة عدم جواز تفويت مثل هذه الفرصة. وأضاف أنه «من المهم مبدئيا عدم تصعيد الأجواء الإعلامية من خلال خطوات أحادية الجانب وعبر الإدلاء بتصريحات وبيانات عاطفية وتحريض بعض فصائل المعارضة المسلحة على تشديد الموقف والتخلي عن إجراء الحوار مع السلطات».

عادت موسكو لتؤكد مجددا عدم تزويدها لسوريا بأي طائرات هليكوبتر عسكرية جديدة أو بأي أسلحة يمكن استخدامها ضد المتظاهرين والمدنيين. وتعليقا على الأنباء التي قالت بـ«توريد روسيا لطائرات هليكوبتر مقاتلة من طراز (مي – 25) إلى سوريا»، قالت الخارجية الروسية في بيان أصدرته أمس: «إن روسيا لا تقوم بتوريد أي مروحيات مقاتلة جديدة إلى سوريا». وكشفت الخارجية الروسية عن أن روسيا قامت بالإصلاح الدوري الروتيني لبعض المروحيات السورية، السوفياتية الصناعة (الروسية)، التي سبق وأمدت بها سوريا منذ سنوات طويلة، وأعادتها إليها منذ فترة. وأشارت إلى أن «ما تقدمه روسيا إلى سوريا من أسلحة يقتصر على الأسلحة الدفاعية ومعظمها أنظمة للدفاع الجوي جرى التعاقد عليها في وقت سابق وبما لا يتعارض مع المواثيق الدولية». وكانت فيكتوريا نولاند الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأميركية أشارت إلى أن اتهامات كلينتون تتعلق بـ3 مروحيات قديمة تم ترميمها في روسيا وهي حاليا في طريقها إلى دمشق.

وفي ختام مباحثاته مع نظيره العراقي هوشيار زيباري، أمس، في موسكو، أعلن سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، أنه «لم يسمع أقوالا جدية صادرة عن الإدارة الأميركية تفيد بنيتها حول استخدام القوة ضد سوريا»، وإن أشار إلى أن «الأميركيين يعلنون كعادتهم عن أنهم لا يستبعدون أي احتمالات لحل القضية السورية». وأضاف الوزير الروسي قوله إن بلاده تعرب عن أملها في أن لا تقوم الولايات المتحدة بما قد يستهدف الالتفاف على مجلس الأمن الذي قال إنه لن يوافق على تغيير النظام في سوريا.

إلى ذلك اتصلت أمس وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون هاتفيا برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي وتناقشا حول التطورات في المنطقة والعنف في سوريا وتأثيراته على الأوضاع في لبنان. كما عبرت كلينتون عن قلقها حول الأحداث التي شهدها لبنان مؤخرا وتقديرها للجهود التي تبذلها الدولة اللبنانية للسيطرة على الأوضاع.