«الأسير» و«الفئة الصامتة».. في لوحات مصطفى حسني بفيينا

الفنان المصري وثق الثورة المصرية قبلها بسنوات

وجوه مساجين تحمل تعابير غاضبة بحثا عن الحرية
TT

بطاقة الدعوة لمعرضه تقول: «إن كان عملك الفني أكثر من كونه مجرد هواية فإنه سوف يبقى، أما إن كان مجرد تقليد فإنه سوف يندثر ويتلاشى». لا أدري إن كانت تلك كلمات قالها الفنان النحات المصري مصطفى حسني أم هي لغيره إلا أنها تمثل بكل صدق روح معرضه الذي أقامه بالعاصمة النمساوية، بدعوة من المركز الثقافي المصري، وتنسيق مع السفارة المصرية لدى النمسا. وبحكم فعالياتهما المشتركة والمتواصلة يعتبران ثنائيا نشطا، إذ يعملان دون انقطاع لنقل مختلف أشكال وأنماط الثقافة المصرية إلى فيينا في مناسبات مجانية.

معرض النحات مصطفى حسني «من الخردة إلى الفن» ضم أكثر من مجسم وعدد من التماثيل وبضع لوحات جميعها من الحديد الخردة، مستعينا على تجسيد أعضاء بحصى وحجارة، مما أكسب صناعته دقة في التشكيل والكثير من التجديد والابتكار.

مصطفى حسني، كما قال لـ«الشرق الأوسط»، لم يدرس النحت كعلم أكاديمي في كلية أو معهد، وإنما عشقه كهواية مارسها وانطلق فيها، واصفا بلهجة مصرية: «موهبة لم تنمُ شوية شوية بل انفجرت على طول». وأكد أنه لا يزال يتعامل مع منحوتاته كلعب تستهويه وتجعله يشعر بأنه لا يزال طفلا في عالم الفن، مما يشعره عندما يجلس للنحت وكأنه يلعب بقطع حديد خردة (يشتريها ولو في جيبه آخر جنيه) بمختلف الأحجام، منها الخفيف والثقيل، ومنها السميك والرفيع وبمختلف الأشكال، منها المربع والمدور والمستطيل، ومن ثم يستخدمها كمادة أو خامة يتطلب التعامل معها الكثير من الصبر والمهارة والتنسيق، كما تتطلب قبل كل شيء الكثير من الحب والعاطفة.

أما بالنسبة للحصى، فإن أشكالها تستهويه ولدرجة أنه لا يجد حرجا في جمعها حيثما كان «لا أخجل أن أنحني وألتقطها وأستخدمها من دون أن أغير لونها أو شكلها, كما أنني لا أعتمد على دليل أو كتالوغ لنقل فكرة، إذ تكون الفكرة وليدة لحظتها».

مصطفى, وهو من سكان القاهرة وله من العمر 38 سنة، بدأ التعامل مع خردة الحديد منذ أن كان في 14 من عمره، مفتخرا بأن أصعب عمل لا يستغرق بين يديه أكثر من عشرة أيام، وأحيانا يكمل لوحة معقدة تستغرقه تماما في أربعة أيام فقط. بعض لوحات مصطفى لها أسماء من واقع الحياة اليومية بأفراحها وأتراحها كتلك اللوحة التي أوشكت أن تنطق، وهي تجسد باب زنزانة تطل من خلال فتحاته وجوه مساجين تحمل تعابير غاضبة وثورة بحثا عن الحرية.

وردا على سؤال من«الشرق الأوسط» إن كانت تلك اللوحة مستوحاة من وحي ثورة الربيع المصري؟ أجاب بكل صدق أنها قديمة صنعها سنوات قبل الثورة، وأطلق عليها اسم «الأسير» فيما أطلق على لوحة تجسد مظهر وهيئة مهرج اسم «الفئة الصامتة»، مشيرا إلى أنها تقديرا لفئة لا تتحدث، وإن كانت تبذل كل جهدها لإسعاد الآخرين.

تخلو لوحات النحات مصطفى حسني من الألوان عدا اللون الطبيعي للحديد مع لمسة لمعان شفاف مسح بها خاصة الحصى، وعلى الرغم من ذلك لم ينتقص غياب الألوان من قدرته على تجسيم كثير من الأنشطة وفنون مصرية شعبية تقليدية كالراقصة الشرقية والفلاحة وجاموستها وراقص التنورة، ناهيك عن عدد من الحيوانات، بما في ذلك تمساح ضخم لم يعترف بالحدود، فعبر من منبع النيل منسابا إلى مصر، كما قال النحات مازحا.