حامد شلبي عميد التصوير الفوتوغرافي في السعودية

يملك 40 ألف صورة وثائقية عن المملكة وصاحب أول كتاب عن فن الصورة

وجد شلبي عشقه في التصوير منذ أواخر السبعينات أو بداية الثمانينات الهجرية وكرس حياته من أجل الصورة في أشد الأماكن ثقافة في المدينة العتيقة
TT

هو ابن حارة البحر والعيدروس واليمن أعرق أحياء مدينة جدة القديمة، حيث ولد حامد شلبي عميد المصورين السعوديين، ما زالت ذاكرته تحمل الكثير عن مرابع طفولته وبيت جدته وحنينه إلى الماضي. يقول شلبي: «بيت جدتي (يرحمها الله) قطعة من الجنة لا أراه سوى بهذه الصورة». يستطرد في بيتها فناء عربي قديم تعيش في أرجائه ماشية وأرانب وبط ودجاج، وهديل حمام وزقزقة عصافير وصياح ديكة لا تنفك ذاكرتي من استحضارها في أي لحظة أحن فيها إلى عالمي القديم.

وجد شلبي عشقه في التصوير منذ أواخر السبعينات أو بداية الثمانينات الهجرية، وكرس حياته من أجل الصورة في أشد الأماكن ثقافة في المدينة العتيقة، مستحضرا أهم المصورين الذين التقاهم أو استلهم من تجاربهم بلاغة الصورة الإبداعية.

وصف شلبي المصورين في مدينة جدة القديمة في السبعينات بأنهم من أشد المبدعين بلاغة في تعاملهم مع الكاميرا وأدواتها بشكل مرن وسهل يتوافق مع الصور الشخصية والمتطلبات التي صنعت من أجلها. وأضاف: «كان المصور يعتني بطباعة الصورة بنفسه ويتولى معالجتها وتحميضها والاهتمام بمواصفاتها النوعية من دون ملل»، واصفا أحدهم بأنه كان يقوم بتصغير الصورة الشخصية إلى درجة أنه يمكنك وضعها في محل عقارب الساعة اليدوية، وكانت تلك المعايير آنذاك مثيرة للدهشة والإثارة، وعن الكاميرات التي كانت تباع قال: «إن كل شركات الكاميرات المعروفة كانت حاضرة مثلما هي الآن، وأسعار بعضها كانت خيالية لا تصدق، ففي الوقت الذي كنت أتقاضى فيه مرتبا يبلغ ثلاثمائة وستين ريالا كانت هناك كاميرات تباع بخمسمائة ريال».

وعن الصور الوثائقية في موطنه قال «إن أكثر من صور منطقة الحجاز هما البريطانيان لورانس العرب وعبد الله فيليب اللذان احتلا فيما بعد ريادة الصورة الوثائقية في الجزيرة العربية، وهما مصوران اعتليا قمة المجد من دون شك أو منازعة». غير أنه كشف لـ«الشرق الأوسط» عن أنه بالمحصلة استطاع أن يصور ما تقع عليه عدسته من دون مشقة كبيرة ويملك في مكتبته 40 ألف صورة وثائقية عن المملكة وذاكرتها التاريخية والثقافية، وذخيرة من الكتب العالمية تبلغ نحو 1500 كتاب جميعها متخصصة وعميقة في معطياتها الجمالية، موضحا أن معظم هذه الصور سيتم التنازل عنها لصالح دارة الملك عبد العزيز باتفاق مسبق.

التقى شلبي آنسل آدم في مدينة جدة، إبان معرضه المشترك مع رفيقه خالد خضر في قاعة ردك بلازا، يعد آنسل أحد أشهر المصورين العالميين بنظام الأبيض والأسود، شكلت رهافته في بناء الصورة آفاقا جمالية لا تقف عند حد. وأضاف حامد شلبي أن أحد أمنياته كانت أن يقف في الزوايا والأماكن واللحظات الزمنية التي كان آدم يلتقط فيها صوره، مبديا إعجابه بهذا المصور وأعماله الرائعة، واصفا أمين مدينة جدة، محمد سعيد فارسي، الذي استضاف الفنان والمعرض آنذاك بأنه رجل موهبة بالدرجة الأولى وقلبه مفطور بالفن منذ أول وهلة التقاه. وذكر أن من بين المصورين الذين استلهم أعمالهم البريطانيين عبد الله فيليب ولورانس العرب، معلقا بأنهما أكثر المصورين حظوة في الصورة الوثائقية عن المملكة والمنطقة برمتها.

وعن إطلالته المبكرة في الوسط الفني في مسقط رأسه قال شلبي إنه عندما جاء جمعية الثقافة والفنون بجدة كان لديه إلمام بفن التصوير وتعرف آنذاك على الأستاذ عمر بادغيش الذي أسس أول قسم للتصوير الفوتوغرافي بالمملكة، وكان بادغيش يشجع ويدعم ويشتري الكاميرات للمصورين من أجل استمرار وبقاء هذه الهواية حية، «بعد ذلك أقمت وأشرفت على أول أربع دورات للفنون في الجمعية منذ عام 1402 هجريا، كان من بين المتقدمين آنذاك المرحوم أنس أبو السمح ونايل ملا وسعود محجوب وعيسى عنقاوي وآخرون».

يقدس شلبي موضوع الصورة بشكل احترافي، ويقول عن هذا الأمر «إذا أردت أن تصور شخصية ما، فعليك أن تهتم بدراسة سلوكه الشخصي لتعرف متى يمكنك الحصول على صورة نادرة مليئة بالحيوية والمعايير الجمالية المعبرة». وركز على أن أسوأ صورة في الحياة يلتقطها المصور مستخدما الفلاش فوق الكاميرا. وقال إن واحدة من المواقف التي مرت به وما زالت تعتمر ذاكرته عندما صور أغلى فستان زفاف عروس لمصمم الأزياء السعودي عدنان أكبر، وفتاة عانت من احتراق في جانب من وجهها.

ألف حامد شلبي كتابه «التصوير الفوتوغرافي علم وفن» عام 1983، وهو أول كتاب عن فن الصورة، الوحيد من نوعه في تخصصه كتبه مصور سعودي، الكتاب يدرس لطلاب قسم التصوير بجامعة الملك عبد العزيز. وقال عنه إن الكتاب استغرق عامين ونصف العام ليخرج للقارئ والمتخصص، وأضاف أنه في ذلك الوقت لم يجد دعما ماديا حقيقيا. وقال شلبي إن الكتاب يقدم دروسا فكرية ونظرية في معايير وأبعاد الصورة الجمالية وذائقتها ومحيطها البصري، وكيف يحصل المصور على هذه القيم الجمالية بالدروس وتطبيقها وليس في أدوات المصور. واستدرك بأن الكتاب لم يطبع سوى مرة واحدة وأن معظم النسخ نفدت ولا يملك سوى نسخته الخاصة، وأنه يقدر الطلب المتزايد على إعادة طباعته في أوساط طلبة العلم والموهوبين، موضحا أنه في الوقت الحالي لا يمكن طباعته ولا يصلح لهذه اللحظة الزمنية التي اندلعت فيها تقنيات الكاميرا الرقمية من دون رحمة، وأن برامج الصورة الرقمية التي استحدثت في الميديا أصبحت غنية إلى حد مثير ومدهش، وقال «سدا لحاجة بعض الدارسين من الطلبة وغيرهم قمت بعمل الكتاب على أقراص رقمية لتقديمه لمن يحتاجه».