دكروري.. صياد بشط الإسكندرية: المهنة شاقة والصيادون أصبحوا فلكلورا

يشكو تهديدات البلطجية وتجاهل الحكومة لمشاكلهم

بمرور الزمان لم يعد خير البحر كما كان («الشرق الأوسط»)
TT

بشرة أكسبتها حرارة الشمس ورزاز البحر المالح ملمحا خاصا، وأياد منهكة من تخليص الرزق من ثنايا الشباك فجر كل يوم، حياة في مهب العواصف والأنواء، يعيشها رجب الدكروري وأفراد عائلته الذين يعملون معه في مهنة الصيد.

وعلى الرغم من لقائنا به على شاطئ البحر، حيث يلهو الأطفال ويستمتعون برائحة اليود المنعشة، فإن الهموم رسمت على وجهه خرائط من التجاعيد، ومع ذلك يرى أنه جزء من صورة الإسكندرية، حيث يأتي إليه الكثير من السائحين ليتعرفوا على حياة الصيادين ويعيشوا أجواءها.

يقول الدكروري لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم الصحافة والتلفزيون يصورون معنا لكن لا يهتم أحد بمشاكلنا، يعتبروننا مجرد صورة للميناء الشرقي كنوع من أنواع الفلكلور».. يصمت ثم يعاود الكلام بثقة موجوعة «إسكندرية هي المينا الشرقي، الأجنبي مش حيجي علشان مولات ومحلات، لكن علشان يتصورا معانا ويتعرفوا على حياتنا».

لاحظت لهجته غير السكندرية، وبسؤاله عنها قال: «أنا من كفر الشيخ، وتحديدا من البرلس، تركت البحيرة لأني أحببت البحر هنا، ومنذ أكثر من 20 سنة عملت مع والدي هنا، الصيد في الإسكندرية أفضل لأن أكثرهم موظفون، لكن في البرلس كلهم صيادون وعندهم أكبر مزارع سمك، لا يوجد صيادون إسكندرانية، إلا على المراكب الكبيرة التي تعمل في البحر منذ سنين طويلة، معظمهم من بلطيم ودمياط وإدكو».

وبفخر شديد يتابع: «صيادو البرلس في كل مكان؛ في ليبيا والكويت والسعودية وإريتريا ووصلوا لتنزانيا، وعند باب المندب، البرلسة قبضوا على القراصنة في المركب المصرية التي اختطفت، وجمعنا أموالا لدفع الفدية من كل شارع وكل بيت، ممكن نعمل أي شيء بالتعاون مع بعضنا، ولا نحتاج لأي مسؤول لأن معظمهم يحتقرون الصياد».

ويلوم الدكروري المرشحين الرئاسيين، فلم يهتم أحد منهم بمشاكل الصيادين: «حمدين صباحي كان مهتما لأمرنا، نحن عدد لا بأس به، نحو مليوني صياد».

وبرضا ينظر شاخصا للبحر: «البحر يوما يجود علينا وأياما أخرى لا، ولكن اعتدنا ذلك، كل ما في الأمر أننا نريد العيش بأمان وهو أقصى طموحنا».

يعاني الدكروري، كباقي الصيادين في الميناء الشرقي، من استيلاء البلطجية على الشاطئ الذي يستودعونه قواربهم حتى صباح اليوم التالي، واستغلاله كمقاه وأحيانا لتجارة الممنوعات.

ويشكو لنا وللبحر همومه أثناء التقاطه بعض الجمبري والمحار من بين ثنايا الشباك، يشاركه ابن عمه وزوج أخته وشابان من معارفه: «نحن من خارج الإسكندرية لذلك يستغل البلطجية الفرصة ويهددوننا في أكل العيش، ويكسرون القوارب التي هي مصدر الرزق، البلطجة زادت بعد الثورة، أحيانا يفتح أحدهم في وجهي مطواة مطالبا بأموال، الميناء الشرقي للصيد وليس مكانا للمقاهي والسمر».

ويضيف: «أنا أحمل رخصة وأدفع ضرائب ومن حقي أن أستغل الشط. لكن الشط أصبح مش بتاع الصياد.. للأسف نحن مهمشون، لا الدولة مهتمة ولا شيوخ الصيادين، حتى أننا نشتري أدوات أرخص من جمعية الصيادين، والصيادون الكبار غير متعاونين، والكثير منا يعود ليجد أدواته مسروقة والمراكب محطمة».

ويتنهد قائلا: «الصيد علمنا الصبر، ونحن ننتظر أن تتحسن الأحوال مع قدوم الرئيس الجديد. الإنسان البسيط هو المعتدى عليه في مصر». وبحزن شديد: «شباب الثورة الذي مات هو الشباب المتعلم للأسف، وبقي البلطجية».

ويشرح لنا دكروري طبيعة عمله قائلا: «أرمي الشباك في الجزء المخصص في الميناء الشرقي (ساعة العصاري) وأجمعها في فجر اليوم التالي، ومن الفجر أخلص الرزق من الشباك لمدة ساعة، الشبك يصيد الجمبري الصغير والوسط، شغلي في المينا بس ومينفعش أطلع بره المينا، عشان المركب بتاعي صغير، أدواتي هي الشبك لأنه غال يتكلف نحو 150 جنيها للكيلو، وتتكلف عدة الشغل 7 آلاف جنيه تقريبا، والمركب بـ8 آلاف جنيه».

يقضي دكروري ليلته كما يحكي في عرض البحر مصطحبا معه إبريق الشاي وطعامه، ومعه من يساعده من الصيادين، ويعود للبرلس يومي الخميس والجمعة، ويترك أدوات الصيد في مخزن مخصص للصيادين في حي السيالة ببحري المعروف أنه حي الصيادين، لأن المراكب بدون حراسة، وبسؤال عن ليالي الشتاء القارصة في الإسكندرية وكيف يتغلب عليها قال: «طبعا في النوات يكون عندنا ملابس معينة من الجلد مستوردة وبطاطين، وطبعا نعمل مشمعات جلد ونكون تحتها في عز البرد».

يرى دكروري أن الصيد مهنة شاقة جدا، ويتمنى أن تتاح لأبنائه ظروف معيشية أفضل من التي عاشها، وأن يصبحوا موظفين كبارا، قائلا: «أحيانا يكون معي أموال وأحيانا لا، ساعات أكسب 100 جنيه أنظم حياتي عليها، قد أعيش أسبوعا بـ200 جنيه، لكل مصاريفي ومصاريف المدارس والأكل والشرب والمسكن، أولادي حرصت على تعليمهم لكن في الأجازات يساعدونني، لكن لو هناك فرد لا يعمل من أسرتنا يصبح صيادا، لكن لا يمكن أن يعمل الصياد بمهنة أخرى أو يكون موظفا (لأن الصيد شقي)».

يتابع بنبرة حزن: «لم يعد خير البحر كما كان، الأسماك أصبحت قليلة والأسماك الكبيرة التي تجلبها المراكب الكبيرة تقلل من دخلنا، حيث يقبل التجار عليها ويأخذون منا الأسماك الصغيرة بأزهد الأثمان ويبيعونها بأغلى الأسعار». ويضيف: «طبعا شهر 5 و6 نمنع من الصيد، على الرغم من أننا لا نصيد الزريعة (السمك الصغير) وللأسف رجال الأعمال يأخذون تلك الأسماك ويربونها في مزارعهم الخاصة ثم يبيعونها للمطاعم، لأن الأسماك في المزارع تكبر أسرع».

وعن طموحه: «نفسي أملك مركبا أكبر وأطلع البحر وأسافر لأن المراكب الكبيرة بتروح ليبيا، أنا سافرت ليبيا وكنت بطلع خير كتير وهي لسه بكر».

ويفضل دكروري العمل في الشتاء عن الصيف على الرغم من الأهوال التي يقابلها، لكنها أفضل من وجهة نظره من زحام المصيفين الذين يحتلون الشواطئ ليلا ونهارا، ويقول وهو يفاصل أحد الزبائن على السعر: «نحن نتعرض لظروف قاسية وصعبة، لكن الحمد لله نراعي ظروف الغلابة والطبقة المتوسطة، والمهم أن السمك طالع طازة بيلعب».