تونس تسلم البغدادي المحمودي إلى ليبيا ومحاميه يعتبر ترحيله «جريمة دولة»

وزير أسترالي: الإفراج عن موظفي «الجنائية الدولية» ليس قريبا

صورة أرشيفية لرئيس الوزراء الليبي السابق البغدادي المحمودي خلال مؤتمر صحافي في 26 مايو 2011 (إ.ب.أ)
TT

أعلنت رئاسة الحكومة التونسية أمس تسليم البغدادي المحمودي، آخر رئيس وزراء في عهد العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، إلى الحكومة الليبية.

وأوضحت في بيان أنه تم أمس تسليم المحمودي بعد «الاطلاع على تقرير اللجنة التونسية الموفدة إلى طرابلس لمعاينة توفر شروط المحاكمة العادلة للمواطن البغدادي المحمودي، وبناء على تعهدات الحكومة الليبية بضمان حماية المحمودي من كل تعد مادي أو معنوي وتجاوز مخالف لحقوق الإنسان».

وأضافت أن التسليم يستند إلى الحكمين القضائيين الصادرين في 8 و25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 عن محكمة الاستئناف في تونس و«اللذين ينصان على تسليم المواطن الليبي البغدادي علي أحمد المحمودي» إلى ليبيا. وتابعت أن مجلس الوزراء التونسي «وافق» خلال جلستي عمل انعقدت الأولى بتاريخ 9 نوفمبر 2011، والثانية في 15 مايو (أيار) الماضي، «على تسليم المواطن البغدادي المحمودي».

وبحسب القانون التونسي، فإن تسليم الأشخاص المطلوبين للعدالة خارج تونس لا يتم إلا بعد توقيع رئيس البلاد على مراسيم (قوانين) تسليم.

وقال مصدر في الرئاسة التونسية إن الرئيس التونسي منصف المرزوقي «لم يوقع مرسوم تسليم» المحمودي، وإن الحكومة التي يرأسها حمادي الجبالي أمين عام حركة النهضة الإسلامية «اتخذت بمفردها قرار التسليم من دون أن تأخذ رأي الرئاسة».

وفي 8 يونيو (حزيران) الحالي، قال الجبالي في مقابلة خاصة مع وكالة الصحافة الفرنسية إن بلاده سترحل المحمودي إلى ليبيا حتى إن لم يوقع الرئيس التونسي منصف المرزوقي قرارا بتسليمه.

وصرح الجبالي خلال المقابلة أن دستور تونس الصادر سنة 1959 الذي لا يسمح بتسليم الأشخاص المطلوبين للعدالة خارج تونس إلا بعد توقيع رئيس البلاد على قرارات التسليم، تم تعليق العمل به بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وقال: «المحكمة الإدارية (التونسية) قالت لنا إنه ليس هناك ضرورة لتوقيع قرار التسليم (الخاص بالمحمودي) من قبل الرئيس».

وكان الرئيس التونسي أعلن في مقابلة مع تلفزيون تونسي خاص «معارضته المبدئية» لترحيل المحمودي.

وقال المرزوقي: «ما زلت أعارض الترحيل.. إنه موقف مبدئي، لا يمكن أن أوقع الترحيل بحق شخص قد يتعرض للتعذيب أو للقتل (...) ما زلت أتعرض للضغوط منذ أربعة أشهر حول هذا الملف، ولكن أنا أعارض الترحيل في الظروف الراهنة». وأوضح: «قلت مرات عدة لأشقائنا الليبيين إن لهم الحق بالمطالبة بترحيل المحمودي كما لنا الحق بالمطالبة بترحيل بن علي (اللاجئ إلى السعودية) ولكن صراحة، إذا تم ترحيل المحمودي أفضل أن يسلم إلى حكومة منتخبة من قبل الشعب الليبي».

وأصدرت محكمة الاستئناف في تونس في 8 و25 نوفمبر 2011 حكمين منفصلين بتسليم البغدادي المحمودي إلى ليبيا.

ووافقت رئاسة الحكومة التونسية على تسليم المحمودي إلى ليبيا خلال زيارة رئيس الوزراء الليبي عبد الرحيم الكيب إلى تونس في 17 و18 مايو (أيار) الماضي لكنها اشترطت توفير «ضمانات محاكمة عادلة» له.

وقال الجبالي إن الحكومة الليبية قدمت «ضمانات» شفوية ومكتوبة بشأن «احترام حقوق الإنسان، والحرمة الجسدية والمحاكمة العادلة للمحمودي».

وزارت لجنة حقوقية تونسية ليبيا مؤخرا للتأكد من توفر هذه الضمانات.

وأضاف الجبالي أن المحمودي علقت به «جرائم فظيعة» وأن تونس «لا يمكن أن تكون ملجأ للمجرمين». وزاد قائلا: «أنا غير مستعد لأن أناصب الثورة الليبية والشعب الليبي العداء» بعدم تسليم آخر رئيس وزراء لمعمر القذافي.

وكانت ليبيا وجهت طلبين رسميين بتسليم المحمودي لمحاكمته بتهمة الفساد المالي في عهد معمر القذافي، و«التحريض» على اغتصاب نساء ليبيات خلال ثورة 17 فبراير (شباط) 2011 التي أطاحت بنظام القذافي.

ورفض الرئيس التونسي السابق فؤاد المبزع توقيع قرار التسليم، مبررا ذلك بخشيته من تعرض المحمودي لـ«التعذيب» أو «القتل» مثلما حصل مع القذافي.

وقبع المحمودي بسجن المرناقية قرب العاصمة تونس منذ اعتقاله في 21 سبتمبر (أيلول) 2011 جنوب البلاد عندما كان يحاول التسلل إلى الجزائر المجاورة.

ووصل المحمودي إلى ليبيا على متن طائرة هليكوبتر آتية من تونس إلى طرابلس، حيث بات في عهدة جهاز الحرس الوطني الذي تم إنشاؤه حديثا.

وعقب وصوله إلى طرابلس، ظهر البغدادي مرتديا جلبابا، ومحاطا بأربعة من عناصر الحرس الوطني الليبي قبل اقتياده إلى محبسه.

ودفع نجاح ليبيا في استرداد البغدادي مسؤولين في المجلس الانتقالي الذي يتولى السلطة عقب الإطاحة بنظام القذافي في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى دعوة السلطات في مصر والجزائر لأن تحذو حذو تونس وتسلم أعوان وعائلة القذافي المقيمين على أراضيهما.

لكن منظمات حقوق الإنسان تشكك فيما إذا كان النظام القضائي الليبي يستطيع أن يفي بمعايير القانون الدولي، وتقول إنه يجب تسليم المحمودي إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وقال مسؤول حكومي ليبي لـ«الشرق الأوسط»: «هذا يوم سعيد لنا، سيخضع هذا المتهم للمحاكمة، وسيشاهد العالم أجمع كيف أن لدينا القدرة على توفير محاكمة عادلة في أجواء آمنة».

ويواجه المحمودي احتمال معاقبته بالإعدام بسبب اتهامه باختلاس مال عام والمساهمة في قمع الانتفاضة الشعبية التي اندلعت ضد النظام الليبي السابق.

من جهته، وصف مبروك كورشيد محامي المحمودي تسليم موكله إلى الحكومة الليبية بأنه «جريمة دولة».

وقال المحامي الذي يرأس «هيئة الدفاع» التونسية عن المحمودي لوكالة الصحافة التونسية: «التسليم جريمة دولة (..) الحكومة التونسية لم تحترم القانون التونسي ولا الدولي ولا مبادئ حقوق الإنسان». وأضاف أن المحمودي (67 عاما) «تم ترحيله اليوم الساعة الخامسة صباحا بتوقيت تونس (5 تغ) على متن طائرة خاصة، من دون علم رئاسة الجمهورية». وتابع أن رئيس الوزراء الليبي السابق تقدم بطلب إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أجل الحصول على اللجوء السياسي. وقال: «كيف يتم تسليمه والمفوضية الأممية لم تعط بعد إجابتها عن مطلب اللجوء السياسي الذي تقدم به».

على صعيد آخر، أعلن وزير الخارجية الأسترالي بوب كار أمس أن الإفراج عن أربعة موظفين في المحكمة الجنائية الدولية موقوفين في ليبيا منذ زيارة سيف الإسلام القذافي قبل أسبوعين، لا يبدو قريبا رغم النقاشات «البناءة».

والموظفون الأربعة وبينهم المحامية الأسترالية مليندا تايلور، موقوفون منذ 7 يونيو (حزيران) الحالي في مدينة الزنتان (170 كلم جنوب غربي طرابلس) التي كانوا توجهوا إليها لزيارة سيف الإسلام القذافي الموقوف فيها منذ نوفمبر الماضي.

وقال كار إن محادثات الجمعة في لاهاي بين المحكمة الجنائية الدولية والسلطات الليبية أفضت إلى بيان «أعربت فيه المحكمة عن الأسف وقدمت اعتذارات عن أي سوء فهم».

وصرح كار لتلفزيون «إيه بي سي»: «هذا ما كنا نريده». وأضاف أن «المحادثات في لاهاي بين المحكمة الجنائية والسلطات الليبية كانت بناءة جدا».

لكنه قال إن الإفراج عن تايلور التي اتهمت بأنها كانت تحمل كاميرا مخبأة في قلم ورسالة مشفرة من الساعد الأيمن السابق لسيف الإسلام، محمد إسماعيل إلى نجل الزعيم الليبي الراحل، ليس وشيكا. وأضاف: «أعتقد، وإنني آسف لأن أقول إن السلطات الليبية ستحتاج إلى بعض الوقت لتسوية هذه المسألة».

وقال كار إن البيان الصادر عن المحكمة الجنائية ليس في أي حال من الأحوال إقرارا بسوء التصرف. وتابع: «لكن من الواضح أن هناك فارقا بين الطريقة التي رأت بها المحكمة الدولية دورها في مقابلة سيف الإسلام في الزنتان، ومقاربة السلطات الليبية»، وأضاف: «ليبيا، خصوصا سكان مدينة الزنتان، تكره أسرة القذافي».