أميركا تخطط للعودة إلى قواعدها العسكرية السابقة في آسيا

مشاريع في تايلاند وفيتنام والفلبين والهدف الرئيسي مواجهة صعود الصين

بانيتا (يسار) يتسلم ألبوم صور من جنرال فيتنامي خلال زيارته إلى هانوي مطلع الشهر الحالي (أ.ف.ب)
TT

بينما تعيد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما النظر في استراتيجيتها الخاصة بآسيا ردا على صعود الصين، يسعى الجيش الأميركي إلى العودة لبعض قواعده السابقة التي استخدمها في حربه الأخيرة بالمنطقة؛ حرب فيتنام.

فقد كثفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، خلال الأسابيع الأخيرة، من مباحثاتها مع تايلاند لإنشاء محور إقليمي لمواجهة الكوارث، في المطار الذي بنته القوات الأميركية والذي كان مقرا لطائرات «بي52» خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي. وقد أبدى المسؤولون الأميركيون رغبتهم في القيام بمزيد من الزيارات إلى الموانئ التايلاندية والقيام بطلعات مراقبة مشتركة لمراقبة مسارات التجارة والتحركات العسكرية.

وفي الجارة فيتنام، كان وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا أرفع مسؤول عسكري أميركي يزور القاعدة العسكرية والبحرية في «كام رانه باي»، هذا الشهر، منذ نهاية الحرب. وقال بانيتا الذي بدا بالغ الحماسة بشأن إمكانية أن تصبح السفن الأميركية مشهدا مألوفا مرة أخرى في مياه الميناء العميقة: «الإمكانات هائلة هنا».

وفي الوقت ذاته، تسعى الولايات المتحدة إلى الحصول على تسهيلات أكبر في الفلبين بما في ذلك قاعدة «سوبيك باي» وقاعدة «كلارك» الجوية السابقة، التي كانت تعتبر في السابق أضخم منشأة عسكرية أميركية في آسيا، إضافة إلى كونها محورا رئيسيا لعمليات الإصلاح والإمداد خلال حرب فيتنام.

كانت الولايات المتحدة قد تخلت أو طردت من قواعدها في جنوب شرقي آسيا قبل عقود. بيد أنه وسط مخاوف بشأن تنامي القوة العسكرية للصين، ومزاعمها حول المناطق المتنازع عليها، رحبت تايلاند وفيتنام والفلبين بحذر بدخول الأميركيين مرة أخرى.

واستجابة لذلك، تدافع القادة الأميركيون إلى المنطقة لتسريع المفاوضات وتعزيز العلاقات. وقد ركز التقارب بين الولايات المتحدة الأميركية وهذه الدول على خطوات محدودة مثل زيارات الموانئ والتدريبات المشتركة، لكن الإدارة الأميركية تأمل في أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الوجود العسكري الأميركي الدائم والموسع.

وقال مسؤول بارز في وزارة الدفاع الأميركية، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه: «من الناحية الرمزية، هذه الأماكن ترتبط فعليا بتاريخ قريب للغاية، ولعل السبب في المضي قدما مع الكثير من هذه الدول يتمثل في تعديل تلك الرموز».

يؤكد القادة الأميركيون على أنه لا توجد لديهم نية لإعادة احتلال أي من هذه القواعد العسكرية الضخمة التي كانت متمركزة فيها القرن الماضي، ناهيك بأن الولايات المتحدة لا تملك المال الكافي لإعادة بناء قواعد جديدة، ومن ثم، فهم يتطلعون إلى الحصول على إذن للعمل من المنشآت القديمة بصفتهم ضيوفا على أساس مؤقت في الأغلب.

ويقول الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للصحافيين بعد العودة من زيارة تايلاند والفلبين وسنغافورة هذا الشهر: «أنا لا أحمل حقيبة ظهر كبيرة مليئة بالأعلام الأميركية أطوف بها حول العالم لأغرسها في كل مكان.. نحن نود أن نعقد شراكة مع هذه الدول وأن يكون لنا وجود غير دائم يسمح ببناء قدرات مشتركة لمصالح مشتركة».

كانت الولايات المتحدة قد سمح لها في السابق بالقيام، بدرجات متفاوتة، بزيارات أو إجراء تدريبات عسكرية في قواعدها القديمة لعدة سنوات. لكن المحادثات بشأن زيادة مدى حجم الوصول إلى هذه القواعد اتخذت طابعا ملحا جديدا منذ شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما أعلن الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة ستنشئ محورا استراتيجيا في آسيا بعد عقد من الزمن شغلت فيه بالحروب في العراق وأفغانستان.

وقد نفت الإدارة المزاعم بأنها تهدف من وراء هذه الخطوة إلى احتواء الصين، التي قضت مضاجع الكثير من دول جوارها عبر مزاعمها الإقليمية التوسعية في منطقتي بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي الغنيتين بالموارد. وأشار المسؤولون الأميركيون إلى أن الهدف الرئيسي في آسيا هو الحفاظ على الاستقرار عبر ضمان حرية الملاحة والتجارة مع الاقتصادات العالمية سريعة النمو بما في ذلك الصين.

لكن المحللين يشيرون إلى أن المحور الاستراتيجي الأميركي والترتيبات الجديدة للقواعد ضرورية لطمأنة الحلفاء بأن واشنطن ستحافظ على التزاماتها الأمنية في آسيا وأنها ستظل قوة موازنة فعالة للصين، على الرغم من التخفيضات الدفاعية في الداخل التي تلوح في الأفق.

ويقول باتريك كرونين، المدير البارز لبرنامج أمن آسيا والمحيط الهادي في «مركز الأمن الأميركي الجديد»، وهي مؤسسة بحثية مقرها واشنطن ترتبط بروابط وثيقة مع الإدارة: «هذه لعبة طويلة واتجاهات طويلة المدى. إنهم يبذلون قصارى جهدهم بما لديهم، وما يملكونه ضخم للغاية. المشكلة هي ما إذا كان ذلك سيكون مستمرا، وهو ما يتساءل عنه الجميع في المنطقة».

بعد سنوات من تجاهل تايلاند، التي هزها انقلاب في عام 2006، أعاد قادة البنتاغون اكتشاف بانكوك، وكانت زيارة ديمبسي الأولى لرئيس هيئة الأركان المشتركة خلال أكثر من عقد. ويتوقع أن يقوم نائب وزير الدفاع آشتون كارتر، برحلة الشهر المقبل إلى تايلاند. وقد وسعت تايلاند الزيارة لتشمل بانيتا أيضا، الذي التقى وزير الدفاع التايلاندي في المؤتمر الذي عقد في سنغافورة الشهر الحالي.

وسيناقش البلدان إمكانية إنشاء محور عسكري مشترك لمواجهة الأعاصير المدمرة وموجات تسونامي والكوارث الطبيعية الأخرى التي تضرب المنطقة بشكل متكرر. وسيتم إنشاء المركز الجديد في القاعدة البحرية الجوية الملكية التايلاندية، في تاباو التي تقع على بعد 90 كيلومترا جنوب بانكوك.

تمتلك الولايات المتحدة معرفة جيدة بقاعدة «يو - تاباو»، حيث بنت المدرج الذي يبلغ طوله ميلين - أحد أطول المدرجات في آسيا - في الستينات. وقد اعتمد البنتاغون على المطار بصفته نقطة انطلاق رئيسية وقاعدة للتزود بالوقود خلال حرب فيتنام، لكنها سحبت قواتها من البلاد عام 1976 بناء على طلب من الحكومة التايلاندية.

في الثمانينات، استأنفت الولايات المتحدة وتايلاند تعاونا عسكريا تدريجيا. وقد سمحت الحكومة التايلاندية للقوات الجوية الأميركية باستخدام قاعدة «يو - تاباو» ممرا لتوقف الرحلات إلى منطقة الشرق الأوسط. وكانت هذه القاعدة أيضا مركزا للتدريبات العسكرية السنوية «غولدن كوبرا»، التي بدأت بوصفها برنامجا تدريبيا أميركيا - تايلانديا، لكنها تشهد الآن مشاركات من أكثر من 20 دولة.

لم يتناول الأميركيون في تصريحاتهم عدد الجنود الذين قد ترسلهم إلى «يو - تاباو» أو المهمة التي سيؤدونها في حال خروج المشروع إلى حيز الواقع. وقد أثار غياب المعلومات الشكوك في وسائل الإعلام وبين نواب المعارضة التايلانديين، الذين وافقوا على مشروع آخر يسمح لوكالة «ناسا» بالقيام برحلات لمراقبة التغير المناخي من «يو - تاباو» خريف العام الحالي. وقد عبر المسؤولون الصينيون أيضا عن شكوكهم بشأن الوجود العسكري الأميركي الموسع.

من ناحية أخرى، صرحت كاثرين دالبينو، وهي مسؤولة سابقة في وزارة الخارجية الأميركية وخبيرة في شؤون جنوب شرقي آسيا، أن أي اتفاقات عسكرية أميركية - تايلاندية جديدة يتوقع أن تكون «متواضعة»، مشيرة إلى أن تايلاند لديها تاريخ من العمل الوثيق مع القوى الكبرى وسيكون من غير المحتمل أن توقع اتفاقات تثير نفور واشنطن أو بكين. وأضافت: «يرتبط التايلانديون بعلاقات طويلة وإيجابية مع الصين، لكنهم لا يرون تناقضا في الحفاظ على التحالف العسكري والعلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة».

ويقول بعض المسؤولين العسكريين الأميركيين إنهم يرغبون أيضا في زيادة عدد زياراتهم البحرية إلى الموانئ التايلاندية. ويعد سلاح البحرية الأميركي لتمركز أربع سفن حربية له (المعروفة باسم «سفن القتال الساحلية») في سنغافورة، وسيقوم بتناوبها بشكل دوري في تايلاند ودول جنوب شرقي آسيا الأخرى.

وأشار المسؤولون إلى أن سلاح البحرية يسعى أيضا إلى القيام بحملات مراقبة جوية مشتركة مع تايلاند والفلبين وأستراليا. وقال قادة البنتاغون إن من بين الأولويات الاستراتيجية تطوير مراقبة حركة السفن والتحركات العسكرية في جنوب شرقي آسيا والمحيط الهندي، موطن بعض أكثر المسارات التجارية ازدحاما في العالم.

ففي عام 2014 على سبيل المثال، يتوقع أن تبدأ البحرية نشر طائرات «بوسيدون P-8A» الجديدة التي تقوم بأعمال الاستطلاع والمضادة للغواصات في المحيط الهادي لتحل محل طائرات الاستطلاع «أوريونP-3C » التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة. وتستعد البحرية لنشر طائرات من دون طيار للمراقبة على ارتفاع عال في منطقة المحيط الهادي وآسيا في الفترة ذاتها. ووفق الخطط الحالية، ستتمركز الطائرات من دون طيار في غوام، لكن المسؤولين الأميركيين يبحثون أيضا عن شركاء في آسيا على استعداد لاستضافة الطائرات.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»