المصريون يبحثون عن «فاصل» للراحة تحت مظلة البحر

ملوا السياسة وأجهدهم تلاحق طوابير الانتخابات

TT

«زهقت سياسة.. شبعت سياسة.. فطار وغدا وعشا سياسة، يا أخي أنا بشر، عايز ارتاح.. عايز إجازة».. هكذا احتدم الحوار بين شابين صديقين على المقهى بحي ميت عقبة الشعبي بالقاهرة.

وبينما لم يفلح أحد الصديقين في إثناء الآخر عن تأخير موعد سفره، لقضاء إجازة ترويحية بأحد الشواطئ ليسافرا معا، حزم الشاب الثلاثيني مدحت حقائبه، واستعد للسفر من القاهرة إلى مدينة الإسكندرية لقضاء عطلته السنوية على شاطئ البحر مع أسرته الصغيرة، هربا من حرارة الجو، وبعد أحداث ساخنة شهدتها مصر على مدار أيام شهر يونيو (حزيران) الحالي.

يعتبر مدحت أن عطلته تعد بمثابة «فاصل» للراحة والهروب من ضغوط زخم سياسي متلاحق، عاشه كغيره من المصريين مؤخرا، لافتا إلى أن اختيار وقت العطلة يأتي بعد أن شعر قليلا باستقرار البلاد، بعد صعود الدكتور محمد مرسي لسدة الحكم كأول رئيس منتخب.

ولن ينسى المصريون أيام شهر يونيو هذا العام، حيث ستخلّد أيامه بذاكرتهم، بعد أن جاء مختلفا عن السنوات السابقة، حيث كتب فيه مستقبل بلادهم بعد ثورة 25 يناير بمولد نظام جديد وسجن نظام قديم.

ومع تلاحق طوابير الانتخابات التي أجهدتهم على مدار المرحلة الانتقالية، استقبل المصريون أول أيام شهر يونيو الساخن بآخر جلسات «محاكمة القرن»، التي صدر فيها الحكم على الرئيس السابق محمد حسني مبارك بالسجن المؤبد، بعد عشرة أشهر من تداول القضية في ساحات القضاء. لكن الحكم لم يمر هادئا على «مدحت» وغيره من المصريين، حيث خرجوا إلى ميدان التحرير في حالة من الغضب والاستياء للتعبير عن رفضهم تبرئة نجلي مبارك وقيادات الشرطة من تهمة قتل المتظاهرين.

تبع ذلك أزمة بين القضاء والبرلمان، ألقت بظلالها على المشهد السياسي في مصر لتزيده سخونة، على خلفية الهجوم الذي شنه المستشار أحمد الزند، رئيس نادي قضاة مصر، على نواب البرلمان، وهدد خلاله باللجوء لجهات دولية من أجل حماية حقوق القضاة.

«ما إن انتهى مشهد المحاكمة، وأزمة القضاء والبرلمان، حتى وجدنا أنفسنا في مشهد انتخابي ساخن، وبين مرشحيَن أشعلت انتماءاتهما السياسية جدلا طويلا». هذا ما يقوله مدحت، الذي يعمل محاسبا، وهو يعود بذاكرته لأيام قليلة للوراء، لكنه يشعر أنها «مرت دهرا على المصريين».

وشهدت فترة الدعاية الانتخابية قبل جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية بين الدكتور محمد مرسى والفريق أحمد شفيق سخونة في الأداء بين حملتيهما، وحربا لتكسير العظام بإطلاق التصريحات المضادة، ومنافسات شرسة لجذب الناخبين إليهما.

يتابع مدحت: «مع الاستعداد للاختيار الصعب بين مرسي وشفيق، كنا مع (قنبلة سياسية) جديدة قبل موعد الانتخابات بـ48 ساعة». يلفت مدحت إلى حكمي المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون العزل السياسي، الذي أقر بأحقية المرشح أحمد شفيق بخوض انتخابات الرئاسة، والثاني حل مجلس الشعب استنادا إلى أن القانون الذي تمت الانتخابات البرلمانية به، مطلع العام الحالي، مخالف لأحكام الدستور.

«وهي الأحكام التي دفعت بالآلاف للمرة الثانية للتظاهر بميدان التحرير».. يقول مدحت بحماس، ويتابع: «هذه المرة كنت هناك وسط الميدان، اعتراضا على حل البرلمان، الجهة الشرعية الوحيدة منذ قيام الثورة، واعتراضا على منح شفيق جواز استكمال الانتخابات، بما يعني أن نظام مبارك يمكنه الاستمرار».

ومع حلول موعد جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية يومي 16 و17 يونيو، كان المصريون مع المشهد الأكثر زخما، لاختيار أول رئيس منتخب بالبلاد بعد الثورة، زاد من ذلك الزخم أنه حتى الخطوات الأخيرة لصندوق الاقتراع لم يكن كثير من المصريين قد حسموا أمرهم بين المرشحين.

يصف مدحت المشهد الانتخابي بقوله: «كنت في حالة مرتبكة بين مقاطعة الانتخابات أو إبطال الصوت أو الذهاب إجبارا للتصويت لأي منهما، كنت أمام مسؤولية جديدة عليّ، وهو ما عمل على جعلي مترقبا ومتوترا».

لكن حالة الترقب والتوتر لم تتوقف على مدحت بمفرده، بل امتدت لملايين المصريين، وهم ينتظرون نتيجة الانتخابات لمعرفة رئيسهم الجديد.

وبإعلان فوز المرشح الإخواني محمد مرسي شعر مدحت براحة تنتابه، على الرغم من أنه لا ينتمي لـ«الإخوان»، يبررها بقوله: «لقد نجحت الآن الثورة.. الآن أشعر باستقرار في نفسي ومن حولي».

ويتابع وهو يملأ صدره بنسيم الانتصار والاستقرار: «حان موعد أخذ قسط من الراحة».