مخاوف الآباء من مخاطر الحياة الرقمية على أبنائهم

بين الخوف على الأبناء والقلق من بعث انطباع بعدم الثقة بهم

يمكن للآباء استخدام مجموعة مختلفة من الوسائل من أجل متابعة الحياة الرقمية لأبنائهم («نيويورك تايمز»)
TT

عندما أصبح أطفالها مستعدين لاستخدام أجهزة الكومبيوتر المحمول الخاصة بهم، اشترت جيل روس برنامج يتيح لها مراقبتهم عند اتصالهم بشبكة الإنترنت. وحمل أحد الأيام لها مفاجأة حقيقة، حين اكتشفت أن ابنتها البالغة من العمر 16 عاما أنشأت قناة خاصة بها. لقد استخدمت آلة التصوير المثبتة على جهاز الكومبيوتر لتسجيل بعض اللقطات خفيفة الظل لها مع صديقتها أحيانا في غرفة النوم وأذاعتها على موقع «يوتيوب» من أجل أن يراها العالم أجمع. بالنسبة إلى روس، التي تعيش على أطراف دنفر، كانت هذه القناة بمثابة نافذة لها على عقل ابنتها ومثالا على العوائق الجديدة العصرية التي يواجهها الآباء اليوم. إنها لم تخبر ابنتها بعلمها بالأمر، بل فقط اشتركت في القناة. ولم تثر الابنة معها هذا الأمر هي الأخرى، بل تركت أمها تراقبها. وقالت روس مشيرة إلى هذا الاكتشاف: «إن الأمر يتعلق بمعرفة أطفالك».

يمكن للآباء حاليا استخدام مجموعة مختلفة من الوسائل من أجل متابعة الحياة الرقمية لأبنائهم مما يثير معضلات جديدة. هل المراقبة هي أفضل طريقة لحماية أطفالك؟ أم هل ينبغي أن يثق الآباء فيهم بحيث يخبرونهم في حال وجود ما يثير رعبهم أو قلقهم على الإنترنت. اختلفت الإجابات باختلاف الآباء. مع ذلك أنتجت مخاوف الآباء من العصر الرقمي صناعة صغيرة، حيث تسوق شركات ناشئة وأخرى عريقة وسائل جديدة تتيح للآباء تتبع ممارسات أطفالهم على الإنترنت والأشخاص الذين يتواصلون معهم. ونظرا لاستخدام الأطفال للهواتف الذكية طوال الوقت، يمكن للتكنولوجيا أن تسمح للآباء بتتبع الأطفال في الأماكن التي يذهبون إليها، بل وحتى مراقبة السرعة التي يقودون بها السيارات.

لو كان التركيز خلال السنوات القليلة الماضية على منع الأطفال من الدخول على مواقع إلكترونية غير لائقة من خلال جهاز الكومبيوتر الخاص بالعائلة، تعد التكنولوجيا اليوم بغرس كل أم وأب وأحيانا الجدة داخل كل جهاز يستخدمه الأطفال وتتيح لهم تجميع المعلومات الاستخباراتية عنهم في أي مكان يوجدون فيه. ويرسل تطبيق يعمل على الهواتف الذكية إنذارا إلى الأب عندما يكتب ابنه رسالة نصية أثناء قيادته السيارة. وهناك خدمة على شبكة الإنترنت تساعد في معرفة كل زر يضغط عليه الأبناء خلال قيامهم بالدردشة على الإنترنت أو وضع مشاركة أو صورة على صفحاتهم على موقع «فيس بوك». وهناك برنامج آخر يفحص شبكة الإنترنت في حالة محاولة الطفل تجربة موقع تواصل اجتماعي آخر للبالغين قبل أن يسمعوا به حتى. وأدى انتشار الهواتف الجوالة والأجهزة اللوحية بين الأطفال إلى تعقيد الأمور، حيث نتج عن ذلك ابتكار تطبيقات تجذب الشباب وتثير قلق الآباء. على سبيل المثال، تبين في بداية الشهر الحالي أن تطبيقا يسمى «سكاوت» مصمما للمعاكسات أدى إلى وقوع ثلاث حوادث اعتداء جنسي للأطفال على مستوى البلاد. حتى على «فيس بوك» أظهرت بعض الدراسات وجود عدد كبير من الأطفال أدنى من 13 عاما، وهو الحد الأدنى لسن المشترك على الموقع، وأن كثير منهم يقومون بذلك بمساعدة آبائهم وتحت إشرافهم. ويبلغ عدد الأجهزة التي تستخدمها الأسرة الأميركية في الاتصال بالإنترنت من المنزل بما فيها الهواتف الذكية خمسة أجهزة بحسب استطلاع رأي حديث أجرته «كوكس كوميونيكيشنز» والمركز القومي للأطفال المفقودين والمستغلين. على الجانب الآخر، أوضح هذا الاستطلاع أن واحد من بين كل خمسة آباء تقريبا يلجأون إلى الرقابة على تلك الأجهزة. وتعد ماري كوفيلد، التي تبلغ من العمر 62 عاما وتقيم في ريتشموند بولاية فيرجينيا، من الأمهات الحذرات، حيث عقدت اتفاقا مع حفيدتها البالغة من العمر 15 سنة العام الماضي، حيث مُنحت هاتف يعمل بنظام «أندرويد» الذي يمكن من خلاله الاتصال بالإنترنت فقط عندما تكون الجدة قادرة على مراقبة كل تحركاتها. وقالت: «النظرية هي أن أكون داخل اللعبة من أجل تقديم المساعدة لهم في التمييز بين الخطأ والصواب. إن منعهم عن هذا الأمر لن يجدي نفعا. إما أن تكون مشاركا في اللعبة أو سيشاركون هم من دونك».

اختارت كوفيلد، موظفة ضرائب متقاعدة تدير حاليا شركة سياحة على الإنترنت وسيلة أخرى هي موقع uKnowKids.com، الذي يمشط صفحة حفيدتها على «فيس بوك» ورسائلها النصية. ويوافيها هذا الموقع بإنذار في حال ظهور أي كلمات غير لائقة. ويقدم لكوفيلد ما يشبه عدّادا لأنشطة حفيدتها الإلكترونية بما في ذلك رسائلها على موقع «تويتر» وما تنشره من صور على «فيس بوك». كذلك يقوم الموقع بترجمة اللغة التي يستخدمها المراهقون إلى لغة إنجليزية مفهومة لها. على سبيل المثال يترجم «دابليو يو دي» إلى «ما الذي تقوم به». وتتفقد كوفيلد الموقع يوميا، وتقول إنها غالبا ما تعلم عندما تعاني الفتاة من مشكلة مع فتى أو تكون على خلاف مع أصدقائها، لكنها لا تخبرها بأي شيء. واعترفت قائلة: «من الصعب معرفة تلك المعلومات وعدم استخدامها، لكن إذا فعلت ذلك، ستتجه إلى إخفاء الأمور، وكنت سأضطر إلى مراقبتها عن كثب مباشرة يوميا». وأوضحت استطلاعات الرأي بما فيها تلك التي أجراها مركز «بيو» للأبحاث، أن ثلثي الآباء يتابعون ما يقوم به أبناؤهم على الوسائل الرقمية، ويتابع نحو 40 في المائة من الآباء أبنائهم على «فيس بوك» و«تويتر». مع ذلك تشير دراسة «بيو» إلى أن هذه المراقبة ستؤدي على الأرجح إلى خلافات بين الآباء والأبناء.

الأهم من ذلك هو أن التكنولوجيا بذكاء وسرعة المراهقين، ولا يمكن للآباء أو للتكنولوجيا التي يشتريها الآباء أن تقرأ أفكارهم، فأحيانا يجمد الأطفال حسابهم على موقع «فيس بوك» طوال النهار وينشطونه ليلا بعد أن يتأكدوا من عدم مراقبة آبائهم لهم. ويدخلون على مواقع إلكترونية جديدة باستخدام أسماء وهمية في أكثر الأحوال. وكثيرا ما يتحدثون بالشفرة حتى لا يفهمها آباؤهم.

ساقت دانا بويد، باحثة رفيعة المستوى بشركة «مايكروسوفت ريسرش» تدرس حالات الشباب الأميركي على الإنترنت، مثالا لفتاة مراهقة ازداد تبرمها من كتابة أمها تعليقات على كل ما تنشره على صفحتها على «فيس بوك». في إحدى المرات، عندما كانت في حالة إحباط شديد، نشرت أغنية «انظر دائما للجانب المشرق من الحياة».

أخذت والدتها الكلمات بمعناها الحرفي، وهو ما قد أرادته الفتاة. وعلى الرغم من ذلك، فإن أصدقاءها قد أدركوا معناها الحقيقي الكامن وراء الكلمات، ألا وهي أن الفتاة في حالة سيئة، وأن رسالتها كان هدفها السخرية.

تروج شركات التكنولوجيا الآن أدوات لآباء الأطفال من جميع الفئات العمرية. وسوف يقدم الإصدار التالي من نظام تشغيل الهواتف الجوالة الخاص بشركة «أبل» وضع التطبيق الواحد، بحيث يمكن للآباء تقييد أبنائهم بنشاط واحد على جهاز «آي باد».

تقدم شركات أمن مثل «سيمانتيك» و«تريند ميكرو» برامج كومبيوتر تتعقب الطفل عند محاولته زيارة موقع إلكتروني محظور أو إنشاء حساب جديد على أحد مواقع التواصل الاجتماعي. طرحت شركة «إنفوغلايد»، الكائنة في أوستن بولاية تكساس، والتي يتمثل تخصصها الأساسي في تصميم برامج مضادة لعمليات الاحتيال، مؤخرا برنامجا يعرف باسم «مينور مونيتور»، والذي على غرار برنامج «يونو كيدز»، يقوم بفحص صفحات الأطفال على موقع «فيس بوك» للوقوف على أي إشارات مقلقة.

من الصعب الحصول على تقديرات سوق مستقلة للأدوات الخاصة بالأمن الأسري، ومعظم الشركات لا تنشر معلومات خاصة بمبيعاتها. لكن يتجلى كون السوق ضخمة - ومتنامية - في أمرين: كل شركات الأمن والهواتف الجوالة تقوم بالترويج لمثل هذه المنتجات، وتظهر شركات مبتدئة في هذا المجال كل شهر.

وتقول شركة «سيمانتيك» إنها قد أضافت مليون مشترك جديد لخدمة «نورتون أون لاين فاميلي» خاصتها العام الماضي.

ويسمح تطبيق رسائل نصية خاص بجهاز «الآي فون»، يعرف باسم «تكست بلاس» لكايل ريد من مدينة غولدن بولاية كولورادو، بنسخ كل رسالة نصية يرسلها ابنه المراهق إلى صديقته. يقول: «أشعر بأنني ممزق. إنه نوع من انتهاك الخصوصية». وأضاف: «لكن عمره 13 عاما وأرغب في حمايته».

يعتبر دان شيرمان من جاكسون بولاية نيوجيرسي، من بين الآباء الذين يراقبون عن كثب الحياة الرقمية لأطفالهم، وهو الأمر الذي لا يبدو مفاجئا بالوضع في الحسبان أنه يعمل في مجال تأمين أجهزة الكومبيوتر.

في منزله، قام بتركيب فلتر يحجب المواقع الإباحية وبرنامج يتعقب زيارات مواقع الإنترنت. ووضع عناصر تحكم أبوية على أجهزة «آي فون» الخاصة بابنتيه اللتين يبلغ عمرهما 8 سنوات و13 سنة، بحيث لا تستطيعان تحميل تطبيقات. يتم تأمين الدخول إلى التطبيقات على جهاز «كيندل فاير» الخاص بابنته البالغة من العمر ثماني سنوات بكلمة مرور. ويتم تعقب حساب «فيس بوك» الخاص بابنته الكبرى من قبل برنامج «مينور مونيتور»، الذي يبعث برسالة تحذير لشيرمان، في حالة وجود إشارات إلى أعمال بلطجة أو مشروبات كحولية.

السؤال هو: ألا يساوره القلق من أن تظن ابنتاه أنه لا يثق بهما؟ يقول شيرمان إنهما يجب أن تعلما أنهما ستظلان تحت المراقبة طوال حياتهما بعبارته: «الوضع لا يختلف عن ما يقوم به أي صاحب عمل».

قالت الابنة الكبرى، أليكسيس، إنها في الوقت الحالي، على الأقل، لا تمانع المراقبة. تقول إنها تشعر بمزيد من الأمان، على حد قولها: «كما لو أن هناك من يحرسني».

وهي تدرك أيضا أن ذلك يؤثر على ما تنشره للاستهلاك العام. على سبيل المثال، اندفعت مؤخرا لتوجيه نقد لاذع على «فيس بوك» لصديقة نشرت شائعات عنها، لكنها كبحت جماح نفسها عندما فكرت فيما يمكن أن تقوله أمها. قالت أليكسيس: «كون والديك يراقبانك يجعلك تفكر مرتين قبل أن تنشر أي شيء».

كان لدى روس من كولورادو، برنامج يمنع الاتصال بشبكة الإنترنت بعد ساعات معينة. لكن بناتها أبقينه مغلقا. الآن، يساعدها برنامج آخر في مراقبة الوقت الذي يمضينه في الاتصال بالإنترنت، بحيث إذا شكت واحدة من بناتها الثلاث من أنها لا تجد الوقت للقيام بالواجبات المنزلية، لا تحتاج روز سوى أن تخاطبها قائلة: «أتعلمين كم ساعة قضيتها على موقع فيس بوك هذا الأسبوع؟».

في أعياد الكريسماس الماضية، قدمت إحدى صديقات روز، لين سكوفيلد كلارك، لابنتها البالغة من العمر 11 عاما، جهاز «آي فون» تستمع فيه لموسيقى تم فيه إيقاف تنشيط خاصية تنزيل التطبيقات. وقالت الطفلة إن صديقة في المدرسة قد عرفتها كيفية تحميل تطبيق يسمح لها بإرسال رسائل نصية وإجراء مكالمات هاتفية - وهو الأمر الذي لم يكن يدور بأذهان والديها.

وتقول كلارك، التي قد ألفت كتابا عن أنماط الرقابة الأبوية وتكنولوجيا تعرف باسم «ذي بيرانت أبليكيشن»، إنها شعرت براحة عندما أدركت أن ابنتها تثق فيها. وتأمل أن تستمر في الثقة فيها، بحيث لا يتعين عليها مراقبة كل الأنشطة التي تقوم بها على شبكة الإنترنت. تقول كلارك: «إن من السهولة بمكان المشاركة في عملية مراقبة». وتضيف: «لكن هذا من شأنه أن يقلص تأثيرنا كآباء. الأبناء يفسرون ذلك على أنه عدم ثقة من جانبنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»