في الوقت الذي أعلن فيه مجلس الوزراء السعودي عن إقرار منظومة الرهن العقاري، خرجت الكثير من الأحاديث عن مدى تأثير ذلك القرار على سوق العقارات في المملكة، والتي تعتبر السوق الأكبر في المنطقة.
الحكومة السعودية خطت خطوات جادة نحو معالجة قطاع الإسكان، وإن كان الرهن يخدم قطاعا أكبر، إلا أن الإسكان أكثر القطاعات حاجة إليه في ظل ارتفاع طلب يصل إلى 200 ألف وحدة سكنية بشكل سنوي، تقدر قيمها بنحو 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار)، وعلى مدى 5 سنوات فإن المملكة بحاجة إلى مليون وحدة سكنية.
قانون الرهن العقاري استغرق ما يقارب 6 سنوات حتى تم إقراره، وهو - وبحسب مصادر - كان يبحث بشكل كبير مختلف تفاصيله وتأثيره، وذلك بين مجلس الشورى السعودي وهيئة الخبراء بمجلس الوزراء والوزارات المعنية كوزارة المالية ومؤسسة النقد العربي والعدل وغيرها.
وبحسب خبراء عقاريين في السعودية فإن تأثير الرهن العقاري لن يكون على المدى القصير وإنما على المدى المتوسط والبعيد، خاصة بعد استفادة ومعرفة كل الأطراف لما عليها وما لها، إبان تطبيق النظام، متوقعين أن تشهد السوق عملية توازن بين العرض والطلب، واستقرار السوق على المدى البعيد. كما توقع الخبراء أن يستقطب الرهن العقاري رؤوس أموال ضخمة للقطاع، في ظل التسهيلات التي يمكن أن يحصل عليها المستثمرون من الجهات التمويلية.
وقال الدكتور عبد الله المغلوث، الباحث والخبير العقاري، إن منظومة الرهن والتمويل العقاري التي صدرت من مجلس الوزراء السعودي سوف تجد بيئة تمويلية عقارية وآلية واضحة تسير عليها كل الأطراف الداخلية في عملية تمويل الرهن العقاري، بما يكفل وضوح جميع الإجراءات الكفيلة بتسهيل حصول المواطن على التمويل العقاري، وهو ما من شأنه أن يجعل من النظام بيئة إيجابية لحل مشكلة الإسكان. وأضاف أن تطبيق نظام الرهن العقاري الجديد سيسهم في إحداث تطوير كبير في نشاط تمويل قروض الإسكان كما هو حاصل في البلدان المتقدمة، حيث إن نسبة التمويل السكني في المملكة تبلغ 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وزاد أن «هذا النظام سوف يعجل باستحداث شركات تمويلية من داخل السعودية، بالإضافة إلى دخول شركات أجنبية تمويلية للمنافسة في التمويل العقاري».
وأكد الباحث والخبير العقاري السعودي أن دخول تلك الشركات سيكون من خلال محافظة النظام على حقوق جميع الأطراف، بالإضافة إلى أن هذه المنظومة سوف توسع في التطوير العمراني من خلال تقدم الأفراد والمواطنين والشركات العقارية للحصول على قروض ميسرة بفوائد تنافسية. وشدد على أن المنظومة سوف تساعد على تخفيض الإيجارات، لأن هناك توسعا في البناء مدعوما بالتمويل، بالإضافة إلى ذلك فإن هذا النظام يشتمل على الفصل بين حقوق المقترضين والحجز على أموال وأملاك المماطلين لدى محاكم تنفيذية، وإن هذه المنظومة سوف تساعد على دفع عملية البناء ومساعدة الراغبين للحصول على قروض.
وحول أثر «الرهن العقاري» على أسعار الأراضي والسكن والمباني، أشار الدكتور عبد الله المغلوث إلى أن القرار سيساعد على توازن الأسعار في الأراضي، وليس حسب المتوقع عند عموم الناس أنه سوف يرفع قيمة الأراضي والسكن، حيث إن آلية التمويل ليست بالسهلة وإنما هناك إجراءات تنطبق عليها الشروط والإجراءات التي تحقق القيمة الصحيحة لشراء الأرض أو الوحدة السكنية المراد أخذ قرض عليها ورهنها. وتابع «في اعتقادي أن هذه المنظومة ستساعد على تخفيض إيجارات المساكن والوحدات السكنية، حيث إنه شجع المطورين والأفراد على البناء والتوسع العمراني بدلا من الاستئجار، إضافة إلى أن منظومة الرهن والتمويل جاءت لتحافظ على حقوق المستأجرين وتحد من عملية المماطلين، حيث تضمنت تلك المنظومة الأحكام واللوائح وأحكام التنفيذ على المماطلين والمتعثرين في السداد للذين استحصلوا على قروض من البنوك والشركات، حيث إن القرار جاء بإنشاء وكالة متخصصة بتنفيذ الأحكام في وزارة العدل، وفرض عقوبة السجن على الممتنعين ومعطلي الأحكام، وهذا يؤكد على قوة هذا النظام وصرامته حتى يجعل هناك بنى تشريعية من الأنظمة تساعد المستثمرين والمتعاملين في السوق العقارية. وأكد أن هذه الأنظمة الخمسة تتناسب مع خصوصية السعودية وتساعد على تمويل مشاريع الإسكان حتى يكون هناك عرض أكثر من الطلب، وأنه سوف تكون أمام المواطن خيارات كثيرة للحصول على مسكن.
يوسف الشلاش، رئيس مجلس إدارة شركة «دار الأركان» للتطوير العقاري السعودي، قال في وقت سابق إن التطور العمراني المتسارع يتطلب زيادة مقدرة في طاقة التطوير والبناء، الأمر الذي يستدعي إيجاد السبل التي تكفل الحصول على التمويل المتعلق بالتطوير العقاري ومدخلات صناعته واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، كذلك تستدعي تلك التحديات إعداد وتطبيق القوانين والأنظمة التي تعين على تطور سوق العقار، والعمل على تطوير أسواق الرهن العقاري.
وقال الشلاش إن ارتباط القطاع العقاري بالاقتصاد الوطني رهين بعاملي التمويل والتنظيم، الأول يتمثل في وجود مشروع تمويل متكامل يستهدف التطوير العقاري، كما يستهدف رفع القدرات الشرائية، حيث يتوقع الباحثون والمحللون في المجال المالي والاقتصادي أن مشروع التمويل المعني سيفضي، خلال السنوات العشر القادمة، لأن تنشأ صناعة عقارية تقدر سنويا بما قيمته 32 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 32 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وأكد أنه سينشأ عن ذلك تيسير للقطاع المالي للحصول على معدلات مقدرة من الأرباح من شأنها أن تعزز من توافر فرص تمويل الاستثمار بوجه عام، وأن التنظيم يتمثل في العمل على تطوير البنية التشريعية والنظامية والفنية لتستوعب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي يتواتر حدوثها في السوق المعنية، وأن تطور البنية التشريعية والنظامية والفنية سيفضي بلا ريب لتنظيم وازدهار القطاع العقاري من خلال آليات السوق التي تحقق أفضل الشروط للممولين والمنتجين والمستهلكين.
من جانبه، قال خالد الضبعان، الخبير العقاري في السعودية، إن نظام الرهن العقاري سيعمل على إعادة هيكلة القطاع العقاري بالكامل، حيث سيصبح أكثر مرونة من ذي قبل، وينعكس بالتالي على اقتصاد البلد بشكل عام، حيث سيزيد من عدد شركات التطوير العقاري، وشركات التمويل، وغيرها من الشركات الأخرى.
كما ستنشأ عن ذلك، وفقا للضبعان، شركات للتثمين والتسويق، وخدمات العملاء، الأمر الذي يمكن أن يوفر وظائف جديدة في البلاد، ويساعد على تحقيق قيمة مضافة في سوق العمل، فضلا عن تحقيق قيمة مضافة في سوق العقارات.
والرهن العقاري هو قرض يُمَكّن المقترض سواء كان فردا أو مؤسسة من أن يقترض نقودا ليشتري منزلا أو أي عقار آخر، بحيث تكون ملكيته لهذا العقار ضمانا للقرض، الأمر الذي قد يؤدي في حال عجزه عن سداد القرض إلى منح الحق للمُقرض في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتملكه لهذا العقار، ويبقى العقار مرهونا حتى يتم سداد القرض.
وتتمثل خطوات معالجة قطاع العقارات والإسكان بالتحديد في السعودية في عدد من القرارات، كان من ضمنها أمر خادم الحرمين الشريفين ببناء 500 ألف وحدة سكنية، ورصد مبلغ 250 مليار ريال (66.6 مليار دولار)، في الوقت الذي تم فيه رفع رأس مال صندوق التنمية العقاري 40 مليار ريال (10.6 مليار دولار)، وإنشاء وزارة للإسكان، وغيرها من القرارات التي ستعمل على معالجة الفجوة بين العرض والطلب.
ودعمت الحكومة إنشاء قطاع الرهن العقاري من خلال الموافقة على إنشاء الهيئة السعودية للمقيِّمين المعتمدين، والتي تسعى إلى تأطير عمليات التقييم وزيادة الموثوقية فيها، وترخيص المنشآت المختصة بالتثمين، وبالتالي تضمن التثمين العادل.
وبالعودة إلى المغلوث، فقد أكد أن القطاع العقاري بحاجة إلى مثمنين ذوي مواصفات خاصة لديهم القدرة على تثمين العين العقارية بشكل يتوافق مع قيمتها الحقيقة، وهو ما سيساعد على تصحيح الوضع التقييمي الحالي والمعتمد على اجتهادات من أصحاب المكاتب العقارية.وينتظر أن تلعب الحكومة السعودية دورا مهما في عمليات التمويل لشركات التطوير أو التمويل، وذلك من خلال إنشاء شركة لشراء القروض العقارية من المؤسسات المالية والمساعدة في تطوير أسواق محلية للسندات والصكوك، بحيث تكون هناك مؤسسات يمكنها شراء القروض وإعادة إصدارها في شكل سندات وبيعها لحاملي السندات سواء كانوا بنوكا أو صناديق تقاعد أو حكومات.
وأعلن الدكتور إبراهيم العساف، وزير المالية السعودي، في مايو (أيار) عام 2009، عن عزم المملكة تأسيس شركة على غرار شركة «فاني ماي» الأميركية لشراء القروض العقارية من المؤسسات المالية والمساعدة في تطوير أسواق محلية للسندات والصكوك. وشركة «فاني ماي» هي مشتر أولي لقروض الرهن العقاري من مصدريها، وتقوم بتوريق القروض في صورة أوراق معززة برهون عقارية وتبيعها إلى المستثمرين، وقد أُنشئت بهدف إقامة سوق ثانوية للرهون العقارية المدعومة من الحكومة.
وأكد العساف أن أحد عناصر قوانين التمويل العقاري هو إقامة هذه المؤسسة، مشيرا إلى أن التمويل العقاري سيكون كبيرا «حالما تقيم السوق سيكون (التمويل) كبيرا لسبب وجيه، أنه في أي ثقافة يعد امتلاك منزل أو وحدة سكنية أمرا مهما».
وأشار إلى أن قانون التمويل العقاري سيكون حافزا كبيرا أيضا على تنمية سوق السندات المحلية حيث ستصدر شركات التنمية العقارية سندات أو صكوكا لتدبير التمويل.