لقد أصبحت الأصوات التي تتحدث عن وجود تعافٍ في قطاع الإسكان إحدى العلامات المميزة لفصل الصيف. ولكن بعد سنوات كثيرة من الآمال الكاذبة، تظهر حاليا شواهد تبين أن المتفائلين قد يكونون أخيرا على حق، فقد بدأت سوق الإسكان في التعافي من خلال ارتفاع الأسعار وزيادة حجم المبيعات وشروع شركات الإنشاءات في إخلاء قطع الأراضي ورفع هياكل البناء.
ويقول جو نيس، وهو وكيل عقاري من ضاحية إيدن بريري (أي: مروج عدن) بمدينة مينيابوليس، إنه انتهى في الفترة الأخيرة من 13 حربا متتالية بين عطاءات لمنازل يرغب عملاؤه في شرائها، وجميع هذه المنازل بيعت بقيمة أعلى من السعر الذي كان مطلوبا فيها. ويضيف نيس: «أحد المنازل لم يكن من المفترض أن يطرح في السوق لمدة أسبوعين، لكنه بيع حتى قبل طرحه في السوق. لقد اختلفت الأمور تماما بالتأكيد عما كنا نراه» خلال فصول الصيف القليلة الماضية.
وعلى غرار التعافي الاقتصادي الذي بدأ قبل ثلاث سنوات، فإن ما يحدث بعد ذلك سيكون في الغالب مخيبا للأمل قليلا، إذ يرجح أن تتباطأ وتيرة التعافي وأن تعود أسعار الكثير من المنازل إلى الهبوط. ويظل الملايين من الناس في حالة عجز، حيث تتجاوز الديون المستحقة على منازلهم قيمة المنازل نفسها، مما يجعلهم غير قادرين على بيعها، وما زالت ملايين الأسر تواجه خطر الحجز على منازلها. كما أن حدوث انتكاسة في التعافي الاقتصادي الذي ما زال هشا قد يؤدي بسهولة إلى عكس اتجاه ذلك الارتفاع الذي حدث في أسعار المنازل أيضا.
ولكن بعد 6 سنوات تقريبا من دخول سوق الإسكان في أطول وأعمق هبوط تشهده منذ «الانهيار الاقتصادي الكبير»، يرى عدد متزايد من الخبراء والناس الذين يقومون فعليا بضخ الأموال داخل سوق الإسكان أن النهاية قد حانت.
فيقول روني مورغان، وهو أحد العاملين في مجال العقارات في مدينة سان دييغو، وقد أبرم مؤخرا اتفاقية شراكة بقيمة 10 ملايين دولار لشراء المنازل التي يتم الحجز عليها: «ما نراه هو أن السوق تتعافى، ونحن واثقون تماما من أنها لن تتراجع». وقد قامت المجموعة، وهي تدعى «صناديق أليغريا العقارية»، بشراء نحو 20 منزلا بالفعل في بعض الضواحي، وهم ينوون الاحتفاظ بمعظمها وتأجيره.
ويقول ستيوارت ميلر، الرئيس التنفيذي لشركة «لينر»، وهي شركة إنشاءات وطنية كبرى تقع في مدينة ميامي: «يبدو كما لو كنا قد وصلنا إلى القاع ثم بدأنا نرتد عن ذلك القاع». وقد أعلنت الشركة، يوم الأربعاء الماضي، أن الأرباح التي حققتها في الربع الثاني كانت أعلى من المتوقع، وأن طلبات شراء المنازل الجديدة قد ارتفعت بنسبة 40 في المائة. لكن ميلر أضاف سريعا أثناء مؤتمر هاتفي أجراه مع المحللين: «أشعر ببعض العصبية وأنا أنطق كلمة (تعافٍ)».
ويبدو هذا الاتجاه واضحا في البيانات، فقد أعلن مؤشر «ستاندرد آند بورز / كيس شيلر» في وقت سابق هذا الأسبوع أن أسعار مبيعات المنازل القائمة قد شهد ارتفاعا خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي لأول مرة هذا العام. وهناك الكثير من المقاييس الأخرى، بما في ذلك نسخة يتم تعديلها موسميا من ذلك المؤشر، التي تبين أن الارتفاعات في الأسعار قد بدأت في شهر فبراير (شباط) الماضي، كما ارتفعت وتيرة إنشاء الوحدات السكنية. وبالإضافة إلى ذلك، فقد ذكرت «الجمعية الوطنية للسماسرة العقاريين»، يوم الأربعاء الماضي، أن مبيعات المنازل المعلقة قد ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ نهاية الإعفاء الضريبي الفيدرالي الجزئي الذي كان يحصل عليه مشترو المنازل لأول مرة، وذلك في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2010.
وهذه هي السنة الرابعة على التوالي التي تشهد فيها سوق الإسكان علامات تعافٍ، وفي كل مرة من المرات السابقة كانت الأسعار تعود إلى الهبوط مجددا. ولكن مع كل عام يمر كانت تزداد احتمالية حدوث تعافٍ نهائي، فقد واصلت الأسعار هبوطها، واستمر الاقتصاد في التعافي، وهو مزيج أدى إلى توسيع قاعدة المشترين المحتملين، كما استمر عدد السكان في التزايد، بينما تم بناء عدد محدود للغاية من المنازل الجديدة.
وقد عادت المؤشرات الأساسية لقوة السوق التي كانت قد ارتفعت بشدة أثناء مرحلة الفقاعة، مثل نسبة أسعار المنازل إلى الدخل، إلى الاقتراب من مستوياتها الطبيعية، كما كثفت الحكومة من جهودها لمساعدة أصحاب المنازل، مما سمح للمزيد من المقترضين بالحصول على قروض جديدة أو تجنب الحجز على منازلهم.
ويقول ريتشارد غرين، وهو أستاذ في القطاع العقاري في «جامعة جنوب كاليفورنيا»: «كل الرهانات تضيع إذا حدث أي شيء للاقتصاد، ولكن بعيدا عن ذلك، أعتقد أن الأساسيات تبدو أفضل مما كانت تبدو عليه خلال 17 أو 18 عاما مضت».
وقد استشهد د. غرين بوجود مزيج من زيادة الإيجارات وانخفاض معدلات الرهون العقارية شكل دافعا قويا للمشترين المحتملين، سواء من المستأجرين الذين يفضلون التملك أو المستثمرين الذين يرغبون في أن يصبحوا أصحاب عقارات. وهو يؤكد: «مقارنة بالكثير من الاستثمارات الأخرى في الوقت الحالي، يبدو هذا جيدا للغاية».
ويعد هذا الإقبال من المستثمرين أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت السوق تبدو أكثر قوة. وقد كان مورغان (56 عاما) يعمل في مجال بناء الشقق قبل تدهور سوق الإسكان، ثم لاحت له فرصة جديدة في عام 2010، فبدأ هو وبعض أصدقائه في تقديم عطاءات في مزادات بيع المنازل المحجوز عليها، قبل أن يحجزوا لأنفسهم مكانا دائما على درجات دار القضاء العالي في مقاطعة سان دييغو. وقد كانوا في البداية يشترون العقارات لتجديدها ثم إعادة بيعها، أما الآن فهم يركزون على العقارات الإيجارية المحتملة في التجمعات السكنية المستقلة الموجودة في ضواحي مدينة سان دييغو، التي لم يكن يسكنها في الماضي سوى أناس يمتلكون المنازل التي يعيشون فيها، وبعض المستأجرين الذين يتعاملون معهم كانوا في السابق من أصحاب المنازل. كما ازدادت حدة المنافسة، وتم نقل المزايدات من درجات دار القضاء العالي العام الماضي بسبب تزايد عدد الناس المتجمعين بدرجة أكبر من اللازم. ويقول مورغان: «لا توجد أماكن أخرى كثيرة كي تضع أموالك فيها».
ولكن مع ذلك لا تزال هناك أسباب للحذر، إذ يبدو أن شتاء دافئا على غير المعتاد كذلك الذي مر لتوّه قد منح دفعة مؤقتة وخادعة لعدد كبير من المؤشرات الاقتصادية، وما زال النمو الاقتصادي بطئيا وهشا، متأثرا باحتمالات فشل الساسة في أوروبا وواشنطن في مواجهة المشكلات التي تلوح في الأفق.
ويحدث هذا الارتفاع في الأسعار رغم وجود عدد ضخم من المنازل الشاغرة التي تنتظر من يشتريها، ويزيد هذا العدد عن المستوى الطبيعي بما يصل إلى مليوني منزل، في حين ما زالت هناك عدة ملايين أخرى من المنازل معرضة لخطر الحجز عليها. إلا أن «مخزون الظل» هذا ليس موزعا بصورة متسقة، طبقا لتحليل جديد أجرته مؤسسة «غولدمان ساكس». وحتى داخل مناطق حضرية كبيرة مثل مدينة فينيكس، فإن المنازل الشاغرة تتجمع في أحياء أقل جاذبية، بينما يبحث المشترون عن منازل في مناطق لا يوجد بها سوى عدد محدود من العقارات الشاغرة.
ويؤكد الباحثون أنه في ظل هذه الظروف «من الممكن أن نرى ارتفاعات في أسعار المنازل، وكذلك وفرة في العرض السكني في الوقت ذاته»، بل إن الطلب على المنازل أصبح يتجاوز المعروض منها في عدد متزايد من المناطق.
وقد ظل عدد المنازل المعروضة للبيع يتراجع لما يزيد على العام، بحسب «الجمعية الوطنية للسماسرة العقاريين». ويجلس بعض الملاك في انتظار ارتفاع الأسعار، حيث إن بعضهم مضطر إلى الانتظار كي لا يبيع منزله بالخسارة.
ويقول نيس، الوكيل العقاري من ولاية مينيسوتا، إنه هو وشريكه شهدا دفتر المنازل المعروضة للبيع لديهما وهو يتقلص من نحو 120 عقارا إلى 70 عقارا، منها نحو 45 عقارا تم التعاقد عليها بالفعل. ويضيف: «يأتي إلي مشترون كل يوم يشتكون من أنه لا يمكنهم العثور على منازل». وختم نيس، بينما كان يقود سيارته في ضاحية مجاورة الأسبوع الماضي، قائلا إنه وضع لافتة خارج مكتب عقاري آخر كتب عليها: «السوق رائعة. لقد بعنا كل ما لدينا من مخزون. نحن في حاجة إلى عروض جديدة».