الجيش الإسرائيلي يفعِّل وحدة مكافحة الهجرة بالضفة

في خطوة تقوي دور «الإدارة المدنية» على حساب السلطة.. وتخولها ترحيل النشطاء الأجانب

ناشط أجنبي يرتدي زي بهلوان في مظاهرة احتجاجية ضد جدار الفصل في قرية المعصرة قرب بيت لحم أمس (أ.ف.ب)
TT

قرر الجيش الإسرائيلي ملاحقة الضيوف الأجانب في الضفة الغربية، في خطوة تمس بشكل أكبر بهيبة وولاية السلطة الفلسطينية في المنطقة المصنفة «أ» التي يفترض أن تكون خاضعة أمنيا وإداريا لسيطرتها حسب اتفاقيات أوسلو. وأصدر قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي، نينسان إلون، أمرا عسكريا يمنح صلاحيات كاملة لمفتشي «وحدة عوز» وهي وحدة مكافحة «الهجرة» المتخصصة باعتقال الأجانب في إسرائيل، للعمل في مناطق السلطة، وملاحقة واعتقال كل شخص لم يحصل على «تصريح خاص» بالوجود في الضفة الغربية.

وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أمس: «إن الهدف من القرار طرد المتضامنين والمتطوعين الأجانب الذين يمكثون في الضفة الغربية ويتظاهرون ضد سياسة إسرائيل».

ويوجد في الأراضي الفلسطينية مئات من هؤلاء الأجانب «المتضامنين» الذين يشاركون الفلسطينيين في مظاهرات ضد الاستيطان والجدار وسلب الأراضي، وكان لهم دور بارز ومؤثر في دعم المظاهرات الشعبية في القرى المهددة. وكثيرا ما حاولت إسرائيل التخلص منهم، عبر تشديد إجراءاتها مرة، وعبر منعهم من الوصول مرات أخرى، غير أن الأمر الجديد يعطي أفراد «وحدة عوز» الحق في اقتحام المناطق الفلسطينية المصنفة «أ» والعمل في المناطق «ب» و«ج» دون الأخذ بعين الاعتبار اتفاق أوسلو الذي ينص على أن مناطق «أ» تابعة أمنيا وإداريا للسلطة.

وبحسب القرار الذي يلغي عمليا دور السلطة وكأنها لم تكن، ويلغي القيود التي تضعها اتفاقيات أوسلو على أنشطة قوات الأمن الإسرائيلية في مناطق السلطة الفلسطينية، فإن مفتشي «عوز» يستطيعون الدخول إلى المدن والقرى والمخيمات الخاضعة لسيطرة السلطة، واقتحام البيوت وتفتيشها واعتقال كل أجنبي أو حتى فلسطيني من غزة، لا يملك تصريحا بالمكوث في الضفة.

ويعطي الأمر العسكري الإسرائيلي المراقب من وحدة «عوز» صلاحيات واسعة، ومن ضمنها، أنه على أساس الاعتقاد بأن شخصا ما يوجد في الضفة من دون تصريح، فإن المراقب مخول بتوقيفه وتفتيش بيته والمطالبة بوثائقه، ومن ثم إخراجه (اختطافه) من الضفة إلى إسرائيل واحتجازه.

وتنص الأوامر العسكرية الإسرائيلية، على أنه لا يسمح لأي شخص، يزور الضفة بالمكوث أكثر من 48 ساعة إذا لم يحصل على تصريح خاص من سلطات الاحتلال. وعمليا تفيد الصلاحيات الجديدة، أن جميع الزوار في الضفة تحولوا إلى أشخاص غير قانونيين وخاضعين لقرارات عسكرية، ويجب اعتقالهم وطردهم.

وهذه ليست أول مرة تحاول فيها إسرائيل ذلك، ففي عام 2010 اعتقلت وحدة «عوز» نفسها متضامنتين أجنبيتين في رام الله، لكن المحكمة العليا الإسرائيلية قررت أنه لا يمكن لوحدة «عوز» العمل في المنطقة «أ» وتم آنذاك إطلاق سراح المتضامنات الأجنبيات اللواتي عدن إلى الضفة الغربية، لكن الأوامر العسكرية الجديدة التي لم تكن صدرت في 2010 قد تعطي الغطاء القانوني لعمل هذه الوحدة.

وأخطر ما في الأمر أن عمل هذه الوحدة في الضفة، يعزز من وجود وحقيقة «الإدارة المدنية» الإسرائيلية التي استأنفت عملها قبل شهور بشكل علني وسافر وفيه كثير من التحدي للسلطة الفلسطينية على الأرض.

وكانت «الإدارة المدنية»، قد توقفت عن العمل بعد اتفاق أوسلو، وتحولت إلى مكاتب للتنسيق المدني التي كان يقابلها مكاتب فلسطينية لتنسيق مسائل من قبيل الحصول على تصاريح وهويات وتسهيل خروج ودخول الفلسطينيين، وما يتعلق أيضا بالحركة الاقتصادية.

و«الإدارة المدنية»، مؤسسة تابعة للجيش الإسرائيلي، تأسست بعد عام 1982 لإدارة شؤون الحياة في الأراضي الفلسطينية، وكانت غايتها إظهار حكم مدني للفلسطينيين بدلا من العسكري، لكن الحقيقة أن ضباط وجنود الجيش والمخابرات العامة (الشاباك) كانوا وما زالوا يديرون هذه المؤسسة.

وفي الشهور الأخيرة، أعادت «الإدارة المدنية» مكاتبها للعمل، كسلطة مسؤولة عن الفلسطينيين، وراحت تتعامل مع الجمهور الفلسطيني مباشرة.

وتنتشر الآن في شوارع الضفة لافتات باسم «الإدارة المدنية»، تخاطب جمهور الفلسطينيين من السائقين حول الطرق والحواجز والإجراءات الواجب اتخاذها، كما يمكن مشاهدة إعلانات في صحف عربية من «الإدارة المدنية»، تطلب موظفين مثلا لـ«دائرة مياه الضفة الغربية» التابع لـ«مكتب منسق شؤون المياه في بيت إيل».

وقال مصدر أمني فلسطيني لـ«الشرق الأوسط»: «إن إسرائيل طالما تعمدت ضرب هيبة السلطة، وواصلت اقتحام مناطق (أ)، واعتقال الناس في محاولة لإذلال السلطة». وأضاف: «كنا نتعامل مع هذا الواقع يوميا، نحتج ونخاطب العالم، أما بعد إعادة تفعيل (الإدارة المدنية)، وخطوة تشغيل وحدة مكافحة الهجرة في الضفة فإنهم ينهون تماما دور وولاية ووجود السلطة».

وتابع «هذه بحاجة إلى خطوات من المستوى السياسي الآن».

ويدرك المستوى السياسي خطورة الموقف، وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، قد وصف إعادة إحياء «الإدارة المدنية» بعملية إنهاء السلطة. ونقل عن أبو مازن قوله أكثر من مرة بما فيها للرئيس الأميركي باراك أوباما: «السلطة بلا سلطة ولن نقبل أن نبقى بلا سلطة، وبالمناسبة ليس لدينا أي سلطة. كل ما أخذناه في أوسلو، وهي أشياء رمزية، أخذ منا، بما في ذلك أنهم ألغوا (الإدارة المدنية) في 1993 وأعادوها الآن لتتعامل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية كما كانت قبل الاحتلال، نحن ليست لدينا مسؤوليات ولا صلاحيات، والآن نسأل أنفسنا سؤالا مهما: السلطة لم تعد سلطة، إذن ماذا بعد؟».