إجراءات التقشف تطال بقوة حكومة هولاند في فرنسا

تشمل التخلي عن السيارات الفخمة.. وأوامر للوزراء باستخدام الدرجة الاقتصادية في الرحلات

هولاند تخلى عن السيارة الرئاسية سيتروين C6 إلى أخرى أصغر وأقل فخامة، هي سيتروين DS5 ديزل هجين
TT

مع اقتراب أول احتفال باليوم الوطني (يوم الباستيل)، منذ توليه السلطة في فرنسا، اليوم السبت، تمكن الرئيس فرنسوا هولاند وحكومته من بدء فترته الرئاسية بصورة جيدة، حيث أثار أسلوبه الواقعي إعجاب الكثير من الفرنسيين. وأمر هولاند، وهو اشتراكي، ورئيس وزرائه جان مارك إيرولت، بتقليل مظاهر الترف الرسمية في الحكومة، وهي الخطوة التي تتسم بالوعي الذاتي، على خلاف الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي وصفت فترة رئاسته بـ«بلينغ بلينغ»، نظرا لمظاهر الثراء والتبجح التي عاش فيها.

وفي مجال السياسة، تعد مثل هذه الإشارات أمرا محوريا للغاية، في الوقت الذي تختلف فيه حجم التغييرات المزمع حدوثها بين الكبيرة والصغيرة. قام الرئيس هولاند بالفعل باستقلال القطار أثناء توجهه إلى بروكسل، من دون أن تتبعه طائرة الرئاسة، وتم إصدار أوامر إلى وزرائه بأن يستقلوا القطارات كلما سنحت لهم الفرصة «مع استخدام مجاني لشبكة السكك الحديدية الوطنية». وفي أسفارهم الخارجية، يتم تشجيع الوزراء على السفر في الدرجة الاقتصادية، وعلى الخطوط الجوية التجارية، ربما تكون التحديثات التي أجريت على الخطوط الجوية الفرنسية «آير فرانس» قد صبت في مصلحة هؤلاء الوزراء على أية حال.

وحدث تغير كبير على السيارات الرسمية من حيث الحجم والفخامة، حيث تحول هولاند من استخدام السيارة الرئاسية «سيتروين C6» إلى سيارة أخرى أصغر وأقل فخامة، وهي «سيتروين DS5» ديزل هجين، بينما تخلى إيرولت عن ركوب سيارة «سيتروين C6» واتجه إلى استخدام سيارة أخرى أرخص هي «بيجو 508»، وقام الوزراء الفرنسيون أيضا بالتوقف عن استخدام مظاهر الرفاهية، حيث أمرت وزيرة الإسكان الفرنسية سيسيل دوفلو، وهي عالمة بيئة تعرضت لانتقادات في السابق بسبب ذهابها إلى اجتماع في قصر الإليزيه مرتدية سروال جينز، بشراء أربع درجات رسمية لاستخدامها في التنقل.

وطالت الإجراءات التقشفية أفراد الأمن أيضا، بصورة قليلة نوعا ما، إذ لم يعد الوزراء، الذين يحملون حقائب وزارية غير سيادية، يحظون بحرس شخصي، فضلا عن أنه قد جرى تخفيض عدد العاملين في قوات الأمن التابعة للرئاسة بمعدل الثلث. وبوجه عام، أصدر إيرولت أوامره إلى الوزراء بتخفيض ميزانياتهم الرسمية بصورة كبيرة، بنحو 7 في المائة في عام 2013، وبنحو 4 في المائة إضافية في كل عام من العامين التاليين.

وكما وعد خلال حملته الانتخابية، قام الرئيس هولاند بخفض رواتب الوزراء بنحو 30 في المائة «بما في ذلك راتبه الشخصي، ليصل إلى ما يعادل 18.000 دولار في الشهر، مقارنة بـ 26.000 دولار سابقا». وللمرة الأولى في فرنسا، لن تتجاوز رواتب الوزراء راتب رئيس الحكومة، والذي يصل إلى 16.000 دولار في الشهر. وقال بيير موسكوفيش، وزير المالية الفرنسي، لمجلة «أكسبريس الفرنسية»: «يقل راتبي عن راتب رئيس الحكومة، حيث أتقاضى 12.000 يورو (14.600 دولار)، ويقل أيضا عن راتب مئات من موظفين في الوزارة» وبطبيعة الحال، هناك كثير من الانتقادات، لا سيما من جانب أحزاب يمين الوسط وكبار رجال الأعمال، حيث سخرت فاليري بيكريس، وزيرة الميزانية في حكومة ساركوزي، من هذه الجهود، واصفة إياها بأنها غير ذات معنى تقريبا في مواجهة أزمة الميزانية التي تشهدها فرنسا، حيث تبلغ إجمالي الديون 90 في المائة تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا، في حين تتكلف خدمة الدين وحدها ما يزيد على 60 مليار دولار في العام. وتؤكد بيكريس: «تعتبر عملية التقشف التي فرضها اليسار مجرد نفاق»، مضيفة: «من يعتقد أنه يمكن تحقيق التوازن في الموازنة السنوية من خلال مضاعفة ضرائب الأموال المباشرة السنوية وتقليل رواتب الوزراء؟».

ولكن هذه الرمزية تهدف أيضا إلى تحضير الفرنسيين للأوقات الأصعب التي ستواجههم في المستقبل، وخاصة التغييرات الكبيرة التي ستحدث على أسلوب حياتهم ونظام الرعاية الاجتماعية لمواجهة العجز المرتفع والتغير الديموغرافي.

أما الأمر الأكثر إثارة للإعجاب، فهو عزم الحكومة على الحد من المكافآت التي يحصل عليها مديرو الشركات الكبرى المملوكة للدولة، لتصل إلى حولي 20 ضعف أدنى راتب يتقاضاه أي موظف، وهو 550.000 دولار في العام، بوصفه جزءا من الجهود الرامية لإنهاء ما يصفه موسكوفيش بـ«التفاوت الشاسع الذي لا يطاق». ويقال إن هنري بروغليو، الرئيس التنفيذي لشركة كهرباء فرنسا، يتقاضى 1.9 مليون دولار في العام، وهو ما يصل إلى 64 ضعف أدنى راتب يتقاضاه موظف في الشركة، ولكن إذا تم تطبيق هذا القانون عليه، فقد يصل دخله إلى ثلث ما يحصل عليه الآن.

وقد ينخفض راتب لوك أورسيل، الذي تولى مؤخرا رئاسة شركة الطاقة النووية الفرنسية (أريفا)، إلى ما يعادل 400.000 دولار مقابل نحو 825.000 دولار شهريا حاليا، بينما قد يفقد جان بول بايلي، رئيس شركة البريد، نحو 41 في المائة من الراتب الذي يتقاضاه الآن، والذي يبلغ 775.000 دولار في الشهر.

وبالنظر إلى أن المديرين التنفيذيين للشركات الفرنسية المملوكة للدولة يتقاضون أموالا أقل من نظرائهم في أوروبا، فإن هناك قلقا من أن تؤدي هذه القيود، التي تعد في الأساس قيودا أيديولوجية، وليس لها تأثير يذكر على الاقتصاد، إلى أن تصبح الشركات الحيوية في البلاد أقل جذبا للمديرين الأكفاء والمؤهلين. وتتعزز هذه المخاوف بصورة كبيرة من خلال خطط هولاند لفرض ضرائب تصل إلى 75 في المائة على الأشخاص الذين يزيد دخلهم السنوي عن 1.25 مليون دولار، وهو ما يعني أن معدل الضريبة الجديدة بالإضافة إلى ضرائب الأموال المعدلة قد يصل إلى 90 في المائة من إجمالي الدخول السنوية لهؤلاء الأشخاص.

يتمتع عدد قليل من وزراء الحكومة الجديدة بالخبرة في مجال الأعمال، حيث تؤكد باريسوت أن خططهم هذه تؤدي إلى انتشار حالة واضحة من القلق والخوف الهائل بين كافة رجال الأعمال، وذلك لأنهم «منعزلون» عن طبيعة العمل في الشركات، وعما تستطيع الشركات تحمله، ولا سيما في فترات انخفاض النمو وارتفاع معدلات البطالة.

وفي المناقشات التي أجراها مع كبار رجال الأعمال والقيادات العمالية في الأسبوع الحالي التي استمرت ليومين، قام رئيس الوزراء إيرولت وكبار وزرائه بجهود كبيرة لتحضير الاتحادات والنقابات للتغييرات التي ستحدث في المستقبل، لا سيما تلك التغييرات التي ستحدث في العام المقبل، عندما سيكون من الضروري إجراء تخفيضات كبيرة على الموازنة، بالتزامن مع زيادة معدلات الضرائب. وحث مدققو الحسابات المستقلون ومنظمة «دائرة الاقتصاديين» المؤثرة الحكومة الفرنسية على تقليل الأعباء الضريبية المفروضة على القطاع الخاص، وخاصة فيما يتعلق بالخدمات الاجتماعية، وتعزيز القدرة التنافسية لفرنسا في عصر العولمة.

وألمح إيرولت إلى أن هذا العبء قد يتحول نحو ضرائب الدخل، بدلا من الضرائب المفروضة على الشركات، مضيفا أنه يجب أن تكون هناك دراسات أكبر لكيفية تمويل، أو حتى إصلاح، برامج الرعاية الاجتماعية السخية في فرنسا. ولكن هذه المشاورات قد تأخذ وقتا طويلا، في الوقت الذي لا تزال فيه باريسوت غير سعيدة بشأن عدم إحراز أي تقدم فيما يتعلق بتحرير سوق العمل التي تشهد معوقات كبيرة ناجمة عن المزايا الحكومية السخية والحماية الصارمة المفروضة على الوظائف. شعرت باريسوت بالانزعاج أيضا من تلك المقترحات التي تشير إلى احتمال حضور زعماء الاتحاد أثناء اتخاذ قرارات بشأن التعويضات.

تذوقت الحكومة الفرنسية مرارة الواقع الأليم يوم الخميس الماضي، عندما أعلنت شركة السيارات الفرنسية الكبيرة «بيجو - سيتروين»، التي تعاني من موجة الركود الاقتصادي التي تضرب أوروبا، عن قيامها بخفض 8.000 وظيفة أخرى في فرنسا، مما دفع وزيرة الشؤون الاجتماعية ماريسول تورين للقول: «لا يمكننا قبول مثل هذا الأمر»، ووعدت بأن تقوم الحكومة الفرنسية بدارسة هذه المشكلة. وبالرجوع إلى احتفالات «يوم الباستيل»، لا يزال هولاند متمسكا بالرمزية. ففي إشارة رمزية إلى شد الحزام، قام الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي في عام 2010 بإلغاء حفل تقليدي كان يقام في حديقة قصر الإليزيه يوم 14 يوليو (تموز) من كل عام، والذي كان يعد وسيلة لتكريم الأشخاص المميزين في شتى مناحي الحياة من كافة أنحاء الجمهورية الفرنسية. ولذا، لن يجرؤ هولاند على استئناف هذا الاحتفال مرة أخرى، على الرغم من أن حدائق الإليزيه ستكون مفتوحة أمام العامة بعد ظهيرة يوم السبت.

ومع ذلك، قرر هولاند الإبقاء على العرض العسكري الذي يتم تقديمه يوم 14 يوليو، ولكن تحليق الطائرات النفاثة، واستقدام المركبات المدرعة، والمئات من الجنود قد يكون أمرا مكلفا للغاية، ومثل السياسي الجيد، قرر هولاند الموافقة على إحياء اللقاء التلفزيوني الذي كان رئيس الجمهورية يجريه في «يوم الباستيل»، ولكن بالنظر إلى الانخفاض المتوقع في نسبة المشاهدة في مساء أيام السبت في منتصف شهر يوليو، قرر هولاند إجراء المقابلة في وقت الغداء.

* أسهمت إليفير كاموس في كتابة هذا التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»