البنتاغون يقلل من شأن «القاعدة» في النزاع السوري

محللون: هناك خلط بين «التنظيم» و«التيارات الإسلامية».. وقد تكون التصريحات لفرض توازن

عناصر احتلت معبر باب الهوى الحدودي قبل أسبوع وقيل بانتمائهم لتنظيمات إرهابية (أ.ف.ب)
TT

في تغير يعتبر الأبرز من نوعه منذ بدء الأزمة السورية، قلل البنتاغون من شأن مشاركة مقاتلين إسلاميين متشددين، وبخاصة من الفرع العراقي لتنظيم القاعدة، في النزاع المسلح الدائر في سوريا، مؤكدا أن هؤلاء ربما يكونون موجودين فعلا في سوريا، ولكن دورهم في الأحداث «ليس كبيرا».

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جورج ليتل مساء أول من أمس لصحافيين في واشنطن: «لا يمكنني أن أستبعد إمكانية أن يكون هناك متطرفون في سوريا»، لكنه أضاف أنه «لا يجدر بأحد أن يظن أن تنظيم القاعدة في العراق لديه في سوريا وجود كبير أو ضخم أو قوي».

وتابع ليتل أن «من يلعبون الدور الرئيسي في الأحداث في سوريا هم معارضو النظام القمعي للرئيس السوري بشار الأسد.. ولا يجب أن نضخم المخاوف من وجود دور مهم لـ(القاعدة)».. موضحا أنه لا يعود لواشنطن أن تحدد الطريق الواجب على السوريين سلوكه لتحقيق انتقال السلطة، مشددا على أن الولايات المتحدة تدرك «الغموض الذي يكتنف مستقبل هذا البلد في حال سقوط نظام بشار الأسد».

وتعد تصريحات ليتل الأولى من نوعها لمسؤول أميركي بارز، التي تقلل من حجم المخاوف تجاه وجود تنظيمات إسلامية متطرفة في سوريا.. وكانت الولايات المتحدة قد أشارت طويلا إلى مخاوفها من دور تلك التنظيمات، وهو ما استخدمته - مع دول غربية أخرى - مرارا كـ«مبرر قوي» لعدم تسليح قوات المعارضة السورية، على الرغم من تأييدها الواضح لتلك القوى في مواجهة النظام السوري، خوفا من فقدان السيطرة ووقوع تلك الأسلحة بيد تنظيمات إرهابية. وهو الأمر الذي عرض الإدارة الأميركية لانتقادات عديدة من داخل بعض الدوائر الأميركية المطالبة بتسليح فعلي للمعارضة، وهو التوجه الذي يقوده السيناتوران الجمهوريان جون ماكين وليندسي غراهام في مجلس الشيوخ، مع عدم التعلل بخطر الإسلاميين.

وشهد الأسبوع الماضي مواقف أخرى جديرة بالذكر تجاه وجود تنظيم القاعدة في سوريا.. فبعد يومين من إشارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي في قبرص إلى أن هناك معلومات استخباراتية روسية تشير إلى أن من استولى على المعابر الحدودية بين سوريا وتركيا هم مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة، وليس الجيش السوري الحر، طالبا من الغرب التروي في تشجيع مثل تلك العمليات.. استخدم وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ذات العبارة في خضم حديثه مع قناة «24» التركية أمس عن أن أنقرة لن تتسامح إزاء وجود منظمات «إرهابية» مثل حزب العمال الكردستاني أو «القاعدة» قرب حدودها مع سوريا.

وعلى الرغم من وضوح الموقف التركي المعارض للنظام السوري، لكن استخدام أنقرة للفظ «إرهابيين»، والذي طالما استخدمه النظام السوري لوصف حركات المعارضة ضده، قد يحسب على أنه تأييد «غير مقصود» لوجهة نظر دمشق.

ونفت المعارضة السورية مرارا وبشدة أن يكون هناك وجود حقيقي لتنظيم القاعدة على الأرض في سوريا، أو مشاركة مقاتلين من دول عربية أو إسلامية في القتال مع القوات النظامية.. وعلى الرغم من تعدد حالات التفجيرات التي تحمل بصمات تشبه ما تتبناه «القاعدة»، وإعلان منظمة تدعى «جبهة النصرة في بلاد الشام» - تزعم أنها تتبع لـ«القاعدة» - تبنيها لعدد من تلك التفجيرات في بيانات على مواقع جهادية، لكن مصادر المعارضة السورية وبعض المراقبين تشككوا في وجود فعلي لتلك المنظمة، مدعين أن «تلك الانفجارات كانت مدبرة من قبل النظام السوري ذاته، بغرض إلصاق تهمة الإرهاب بالمعارضة».

بينما ذهب محللون آخرون إلى أن تلك الانفجارات تحمل بصمات «القاعدة» بالفعل، وأيد هؤلاء المحللون مواقفهم بوجود تسجيلات مصورة حديثة تظهر أعلاما لـ«القاعدة» في بيانات مصورة لعناصر من الثوار.. لكنهم رأوا أن «جبهة النصرة» تعمل في إطار خاص بها، ولا يوجد تنسيق بينها وبين المعارضة في سوريا، كما أن أهدافها ليست التخلص من النظام، ولكن إيجاد أرضية لعمل «القاعدة» مستقبلا. وكان وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أكد في مطلع يوليو (تموز) أن انتقال مقاتلي «القاعدة» من بلاده إلى سوريا يغذي النزاع الدائر في الجارة الغربية.

ويؤكد الخبير الاستراتيجي سامح سيف اليزل، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «وفقا للمتابعة الدقيقة للمعلومات حول طبيعة تكوين المعارضة المسلحة في سوريا، فإنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: عناصر الجيش المنظمة المنشقة، والثوار الذين ينتمي جزء كبير منهم إلى التيارات الإسلامية المعتدلة، وهم كتلة غالبة في المقاتلين، و(القاعدة)، وحجمها ضئيل ووجودها محدود حاليا ولا يرتقي لتشكيل كيان مؤثر في الثورة».

ويشير سيف اليزل إلى أن «هناك خلطا غربيا بين (التيارات الإسلامية) و(القاعدة) أو المنظمات الإرهابية، يحدث أحيانا نتيجة جهل سياسي بطبيعة تكوين المنطقة العربية، وأحيانا يكون خلطا مسيّسا من أجل تشويه دور المعارضة السورية».

بينما يرى نديم شحادة، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمركز «شاتهام هاوس» في لندن، أن «تصريحات ليتل هي مؤشر قوي على وجود خلاف قوي بين تياري تسليح المعارضة وعدم تسليحها داخل الإدارة الأميركية». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير الإعلامية الغربية الأخيرة كانت تركز بشدة على وجود (القاعدة)، حتى أن بعض تصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون كانت تبدو أقسى مما لو كان من كتبها (وزير الخارجية السوري) وليد المعلم نفسه.. وربما يكون كلام البنتاغون حاليا هو جزء من تحقيق المعادلة المتوازنة في تصريحات الإدارة الأميركية».