إيران تعزز أسطولها من القوارب الهجومية وترسانة صواريخها في الخليج

القوارب الصغيرة حجر الزاوية في استراتيجية طهران للدفاع ضد القوات الأميركية

صورة أرشيفية تعود لشهر مايو أيار 2010 لجانب من مناورة أجرتها القوات الإيرانية في بحر عمان (أ.ب)
TT

أكد محللون أميركيون وشرق أوسطيون أن إيران تسرع في خطاها الرامية إلى تعزيز قواتها المرابطة على ساحل الخليج العربي، وتحشد ترسانة من الصواريخ المتقدمة المضادة للسفن، كما تعزز أسطولها من الزوارق الهجومية السريعة والغواصات. وقال مسؤولون إن إيران طورت كثيرا من تلك الأسلحة بمساعدة أجنبية، وهو ما يعطي الإيرانيين مزيدا من الثقة بقدرتهم على تدمير السفن الأميركية في حال أي هجوم على إيران. وعلى الرغم من اقتناع مسؤولي البحرية الأميركية بالتفوق في حالة نشوب حرب، فإن التقدم الذي أحرزته إيران يثير القلق من تعرض الولايات المتحدة لخسائر خلال الساعات الأولى لأي نزاع في منطقة الخليج.

وأكد محللون عسكريون حاليون وسابقون على أن الدقة المتزايدة للصواريخ قصيرة المدى - جنبا إلى جنب مع استخدام إيران لتكتيكات «الهجوم بالأسراب»، التي تعتمد على مئات من الزوارق الدورية المدججة بالأسلحة - يمكن أن تجهد القدرات الدفاعية للسفن الأميركية الحديثة.

وفي ظل تعثر المحادثات النووية التي تجريها إيران مع القوى العالمية وزيادة حدة التوترات، هددت إيران خلال الأسابيع الأخيرة بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة في تلك المنطقة الغنية بالنفط، كما حذر القادة الإيرانيون من انتقام واسع ضد أي هجوم على المنشآت النووية، حيث ترى الولايات المتحدة أنها تهدف إلى امتلاك قنبلة نووية.

وكان وزير الخارجية الإيراني قد صرح الأسبوع الماضي بأن وجود السفن الأميركية في منطقة الخليج يمثل «تهديدا حقيقيا» على أمن المنطقة. ورد مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية على تلك التصريحات بإرسال المزيد من السفن الحربية إلى الخليج، بناء على طلب الكونغرس، وكذلك حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وخلال الشهر الحالي، أعلنت البحرية الأميركية عن نشر حاملة الطائرات «يو إس إس جون سي ستينيس» في الشرق الأوسط قبل موعدها المقرر بأربعة أشهر، وهو ما يعني وجود حاملتي طائرات في منطقة الخليج.

وعلاوة على ذلك، أعلنت الولايات المتحدة عن إجراء تدريبات عسكرية في المنطقة تشمل تدريبا على إزالة الألغام في الخليج، كما قامت بإضافة محطات رادار جديدة وبطاريات أرضية للدفاع الصاروخي في قطر.

وفي الواقع، ثمة احتمال ضعيف لأن تقدم إيران على حرب شاملة ضد الأسطول الأميركي المتفوق عليها كثيرا، ولكن قد يقدم القادة الإيرانيون على شن ضربة عسكرية محدودة، إذا ما قامت إسرائيل أو الولايات المتحدة باستهداف مواقع إيران النووية. وحذر محللون من أن إيران قد تقوم أيضا بغلق مضيق هرمز (الذي تمر عبره 20 في المائة من تجارة النفط في العالم)، احتجاجا على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

وعلى الرغم من ذلك، أشارت دراسة أجرتها وزارة الدفاع الأميركية في شهر أبريل (نيسان) الماضي إلى أن إيران أصبحت اليوم أقوى من عشر سنين مضت، محذرة من أن القدرات العسكرية الإيرانية قد اكتسبت مزيدا من «الفاعلية والقدرة التدميرية». ومن جهتها، رفضت وزارة الدفاع الأميركية التعليق لهذا المقال.

إن تنامي القوة الإيرانية جعل بعض الخبراء العسكريين يشككون في حكمة نشر حاملات طائرات وسفن حربية باهظة الثمن في الخليج، إذا كان الصراع وشيكا.

وكانت الكلية الحربية البحرية الأميركية قد أصدرت دراسة في عام 2009 تحذر فيها من قدرة إيران المتنامية على «تنفيذ كمين بحري ضخم» في مضيق هرمز المليء بالجزر الصغيرة التي تصلح لأن تكون قواعد لشن حرب عصابات غير منظمة ضد الأسطول الأميركي، وهو الأسلوب الذي يفضله القادة الإيرانيون.

وكتب مؤلف الدراسة كولن بيونتن، وهو ضابط في البحرية الأميركية يقول: «لو قررت الولايات نشر سفن حربية في مضيق هرمز في إطار إعدادها للحرب مع إيران، فإنها بذلك تتنازل عن قرار تحديد موعد الحرب، وتسمح للمعركة بأن تبدأ في المكان الأفضل بالنسبة لإيران، الأمر الذي قد يؤدي إلى إطلاق الصواريخ المدمرة على سفن البحرية الأميركية، التي ستعمل على الأرجح بموجب القواعد المقيدة للاشتباك».

ويؤكد الخبراء على أن إيران قد نجحت منذ عام 2009 في تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية، وتم استعراض بعض هذه القدرات خلال الأشهر الأخيرة في إطار سلسلة من التدريبات العسكرية، بما في ذلك مناورات بالصواريخ في أوائل شهر يوليو (تموز) الحالي أطلق عليها اسم «الرسول الأعظم 7»، كما تم استعراض الصواريخ الإيرانية التي تم نشرها حديثا، والتي تحمل اسم «خليج فارس» المضادة للسفن، والتي تحتوي على نظام توجيه داخلي ورؤوس قوية تصل زنة الواحدة منها إلى 1400 رطل، ويصل مداها إلى 180 ميلا.

وعلاوة على ذلك، تضم الترسانة الإيرانية صواريخ سيلكوورم الصينية المصممة لاستهداف السفن، بالإضافة إلى طوربيدات فائقة السرعة روسية التصميم.

وفي الواقع، غالبا ما يكون هناك مبالغة في هذه التقديرات، ولكن التقديرات التي أعلنت عنها وزارة الدفاع الأميركية في شهر أبريل الماضي، تشير إلى أن الترسانة الإيرانية تشمل الآن صواريخ باليستية تحتوي على «مجسات» تمكنها من المناورة أثناء الطيران.

وعلى الجانب الآخر، تم تجهيز السفن الحربية الأميركية الحديثة بأنظمة دفاع متعددة، مثل منظومة «ايجيس» للدرع الصاروخي، ولكن إيران تعتقد أنها قادرة على تحييد التكنولوجيا الأميركية عن طريق توجيه ضربات من عدة اتجاهات في آن واحد. ولا تعتمد الاستراتيجية الإيرانية الجديدة على منصات إطلاق صواريخ متنقلة فحسب، ولكنها تعتمد أيضا على غواصات صغيرة جديدة وطائرات هليكوبتر ومئات من القوارب الصغيرة المدججة بالسلاح والمعروفة باسم الطائرات سريعة الهجوم.

وقد أصبحت هذه القوارب الصغيرة والقادرة على المناورة، التي يصل طول بعضها بالكاد إلى طول سيارة مترو الأنفاق، حجر الزاوية في استراتيجية طهران للدفاع ضد القوات الأميركية التي تفوقها بكثير من ناحية القوة. ويمكن لهذه السفن أن تقوم على وجه السرعة بنشر الألغام المضادة للسفن، التي يبلغ عددها 2000 لغم، أو تتحرك بصورة جماعية لضرب السفن الحربية الكبيرة من جوانب متعددة في آن واحد، وكأنها مجموعة كبيرة من «الدبابير» التي تهاجم فريسة أكبر منها بكثير.

وقال مسؤول استخباراتي في الشرق الأوسط، يقوم بالتنسيق مع نظرائه الأميركيين لوضع استراتيجية مناسبة لمنطقة الخليج، إن بعض سفن البحرية الأميركية قد تجد نفسها في «بيئة مهددة من جميع الجهات»، لأنها قد تتعرض للهجوم على الأرض وفي الهواء وفي عرض البحر، وحتى تحت الماء.

وقال المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، وهو يناقش استراتيجية الدفاع عن أي هجوم إيراني محتمل: «هذا هو السيناريو الذي يعد بمثابة الكابوس».

وقال المستشار العسكري السابق للبنتاغون، مايكل إيشنستاد، إن البحرية الأميركية قد طلبت أنظمة جديدة للدفاع ضد «أسراب» الزوارق الصغيرة، بما في ذلك الطائرات من دون طيار التي يتم إطلاقها من على متن السفن وصواريخ وقذائف مدفعية لاستخدامها ضد مركبات الهجوم السريع. ومع ذلك، لن يتم نشر كثير من تلك الدفاعات الجديدة قبل عدة أشهر.

وقال إيشنستاد: «إننا نستعد لما سيحدث، ولكن لو نشب صراع على المدى القريب، فقد لا نكون مستعدين تماما».

وأضاف إيشنستاد أنه على الرغم من أن الأسطول الأميركي سيتعافى سريعا من أي خسائر مبكرة، فإن إيران ستسارع في هذه الحالة بإعلان انتصار سريع كجزء من الحرب النفسية، ولا سيما لو نقلت وسائل الإعلام العالمية صورا لسفن حربية أميركية محترقة. وكان تنظيم القاعدة قد قام بالشيء نفسه عام 2000، عندما ألحق انتحاريون على متن قارب صغير أضرارا جسيمة بالمدمرة الأميركية «يو إس إس كول» في ميناء عدن اليمني، وهو الهجوم الذي أدى إلى مقتل 17 بحارا وإصابة 14 آخرين.

وقال إيشنستاد: «سيكون عدد كبير من السفن الإيرانية قابعا في قاع الخليج، ولكن على الرغم من ذلك سيكون بمقدور إيران أن تعتبر نفسها قد ربحت المعركة. لن يكون هناك شك في نتيجة تلك المعركة، لأن إيران تواجه أكبر قوة عسكرية في العالم، ولكن تصور لهم عقولهم أنهم سيظهرون للعالم أن أي جهة ستدخل في صراع معهم سوف تدفع ثمنا باهظا».

ويرى المسؤولون الأميركيون أن بناء إيران لترسانتها العسكرية الضخمة هدفه إثبات وجودها في المنطقة.

وكانت التقديرات التي أعلنها البنتاغون في شهر أبريل الماضي قد أعلنت أن إيران تحرز تقدما ملحوظا في تطوير صواريخ باليستية قادرة على ضرب أهداف في إسرائيل وما وراءها. وأشارت التقديرات أيضا إلى أن طهران تقوم بتعزيز قدرتها على شن هجمات إرهابية باستخدام عملائها، مثل حزب الله اللبناني الذي يدير شبكة من الخلايا في جميع أنحاء العالم.

وكان مسؤولو الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية قد اتهموا إيران وحزب الله بالضلوع في سلسلة من محاولات الاغتيال والهجمات الإرهابية في ثلاث قارات مختلفة على مدار الستة أشهر الماضية، بدءا من محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن في الخريف الماضي، وحتى التفجير الدامي للشاحنة البلغارية التي كانت تقل سائحين إسرائيليين.

وأشار مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إلى احتمال شن إيران لعدد أكبر من العمليات الإرهابية، إذا ما أقدمت إسرائيل على شن ضربة وقائية على المنشآت النووية الإيرانية.

وفي كلمته أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأربعاء الماضي، قال دانييل بليتكا، وهو خبير الشؤون الدفاعية بمعهد أميركان إنتربرايز: «إيران لديها القدرة على الهجوم، من الأرجنتين وحتى فنزويلا، وفي آسيا وأوروبا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط. سيكون من السذاجة أن نعتقد أنها لا تملك القدرة على شن هجوم على الولايات المتحدة».

ويتزامن تراكم الأسلحة في منطقة الخليج في الوقت الذي ما زال فيه المسؤولون الإسرائيليون يدرسون شن غارة جوية يعتقد الكثير من الخبراء أنها ستؤدي إلى تأجيج صراع أكبر. وخلال الأسابيع الأخيرة، قام عدد كبير من المسؤولين في إدارة أوباما، بما في ذلك وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع، ليون بانيتا، بزيارة إسرائيل لإثناء تل أبيب عن شن هجوم من جانب واحد.

ويرى خبراء شرق أوسطيون أن إسرائيل لم تقرر بعد ما إذا كانت ستشن هجوما على طهران أم لا، ولكنهم أكدوا تزايد احتمال شن هجوم إسرائيلي، بعدما فشلت الدبلوماسية في تسوية الأزمة النووية.

وعقب مناقشات مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، قال ديفيد ماكوفسكي، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن فرص شن هجوم إسرائيلي تتساوى مع فرص عدم شن الهجوم.. قبل الانتخابات الأميركية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)». وأضاف ماكوفسكي: «هناك شعور بأن فرص شن هجوم إسرائيلي بدأت تتلاشى».

وفي الوقت نفسه، ما زالت السفن الأميركية تتجه نحو الخليج، حيث تسعى إدارة أوباما لطمأنة حلفائها في المنطقة وإثناء إيران عن وقف تدفق النفط عبر مضيق هرمز. واعترف مسؤولون من الولايات المتحدة والشرق الأوسط بأن نشر السفن الأميركية ينطوي على مخاطر كامنة، ولكنهم يقولون إنه لا توجد بدائل جيدة لذلك.

وقال مسؤول الاستخبارات في الشرق الأوسط: «إنها معضلة. عندما تكون سفن البحرية الأميركية في المضيق، تكون عرضة للهجوم، وإذا ما تم نقلها بعيدا سوف تشعر دول مجلس التعاون الخليجي بأنها أكثر عرضة للخطر، وهي بالفعل تشعر بأنها في خطر محدق».

* خدمة «واشنطن بوست»