زوجة بو تشيلاي.. متهمة وحيدة أم كبش فداء؟

لائحة الاتهام الموجهة إلى عقيلة الزعيم الصيني السابق لم تتطرق إلى عدة أمور غامضة

بو تشيلاي وزوجته غو كايلاي (أ.ب)
TT

في بلد يفضل أن تكون زوجات الزعماء السياسيين مجرد زينة أو ديكور، كانت غو كايلاي متألقة بصورة إيجابية؛ فقد لمعت غو كايلاي، زوجة بو تشيلاي، سكرتير الحزب الشيوعي السابق الذي ما زال انهياره في مطلع هذا العام يعصف بالحزب الشيوعي، بصور جريئة طموحة.

تفاخر معجبو غو كايلاي، المحامية البارزة التي تتحدث الإنجليزية بطلاقة، بها، واصفين إياها بأنها «جاكلين أوناسيس الصين». ولكن بعد توجيه التهمة إليها رسميا الخميس بقتل رجل أعمال بريطاني بالسم نهاية العام الماضي، وضعت الحكومة الصينية، بشكل مقصود، السيدة غو الاستثنائية، في قالب صيني شائع؛ قالب الثعلبة المتآمرة المتعطشة للدماء التي أطاح تعطشها للمال بمسيرة حياة زوجها العملية المبشرة.

وعلى الرغم من أنه لم يقدم أحد دليلا مقنعا يدحض به الرواية الرسمية التي تفيد بأن غو (53 عاما) لعبت دورا في وفاة رجل الأعمال، فإن كثيرين يتساءلون عما إذا كان قادة الحزب يستغلون قضيتها في صرف التذمر العام عن الفساد وإساءة استغلال السلطة، وهما الآفتان اللتان يقول نقاد إنهما تجسدتا في شخص زوجها. فقد ظل بو، الذي تمت إقالته في أبريل (نيسان) من المكتب السياسي للحزب الشيوعي ولم ترد أخبار عنه منذ ذلك الحين، حتى الآن في نظام قضائي مواز مخصص للنخبة من الحزب. ولم تتم الإشارة إلى مصيره في البيان الموجز الذي أعلن فيه عن محاكمة زوجته.

«على مر التاريخ في الصين، متى كان هناك صراع سياسي أو شخص آيل للسقوط، كان اللوم يوجه إلى الزوجة». هذا ما قالته هونغ هوانغ، ناشرة إحدى مجلات الموضة التي أمضت والدتها، وهي معلمة اللغة الإنجليزية السابقة لماو تسي تونغ، عامين قيد الإقامة الجبرية بعد اتهامها بالتعاون مع عصابة الأربعة.

يزخر التاريخ الصيني بقصص عن نساء حاذقات قادتهن طموحاتهن الجامحة – وأحيانا الرجال في حياتهن – إلى حافة الهاوية؛ فجيانغ تشينغ، زوجة ماو، تلقت القدر الأكبر من اللوم على عقد الثورة الثقافية المشؤوم، وهي نقطة تم تسليط الضوء عليها على أرض الوطن من خلال محاكمة في أحد البرامج التلفزيونية أثارت الأمة. وبإمكان طلاب المدارس الصينيين استرجاع جرائم الإمبراطورة الأرملة تسيشي، التي تم تصويرها كزعيمة جشعة ميالة للقتل، ساعدت آليات عملها في الإطاحة بسلالة تشينغ.

ليس من الواضح ما إذا كان بو قد لعب دورا في موت رجل الأعمال البريطاني نيل هيوود، أم لا، لكن رئيس الشرطة السابق، وانغ ليجون، وآخرين، أخبروا السلطات بأنه حاول عرقلة مسار التحقيقات. وفيما قد تسمع أخبار عن مصير بو عما قريب، فإن عدم ذكره في بيان الاتهامات يشير بالنسبة لمراقبين إلى أنه ليس من المرجح أن يتم توريطه في أكثر عناصر الفضيحة الشائنة، حيث ينظر للمدعين العموميين على أنه ليس من المرجح أن يعقدوا محاكمات منفصلة مرتبطة بحادث الوفاة نفسه.

وقالت سوزان شيرك، وهي خبيرة في السياسات الصينية، إن المسؤولين الحزبيين ربما يترددون في اتهام بو بالمشاركة في التستر على جريمة القتل، بالنظر إلى شعبيته بين بعض الصينيين العاديين وتمتعه بجزء مؤثر من القيادة. وقالت شيرك، المسؤولة السابقة بوزارة الخارجية الأميركية وتعمل الآن مدرسة في جامعة كاليفورنيا بسان دييغو: «عليهم أن يتعاملوا مع هذه القضية بصورة تحمي سمعة بو تشيلاي؛ فهم لا يرغبون في نشر الفضائح الشائنة للنخبة من السياسيين على الملأ؛ لأنهم لا يدركون بحق حجم التهديد المحتمل الذي يمثله أتباع بو».

وكشفت وكالة أنباء «شينخوا» الرسمية مساء الخميس عن أنه ستتم محاكمة غو في محكمة جنايات عادية، جنبا إلى جنب مع مساعد عينته الأسرة، بتهمة قتل هيوود (41 عاما)، الذي عثر على جثته في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في أحد الفنادق في تشونغتشينغ، المنطقة مترامية الأطراف التي قادها بو حتى سقوطه. وأضافت الوكالة أن «حقائق جريمة المتهمين واضحة، وأن الأدلة قوية ولا مجال للشك فيها».

وعلى الرغم من ذلك، فإنه لم يتم بعد تحديد موعد للمحاكمة، التي ستجرى في مدينة تبعد مسافة 800 ميل عن تشونغتشينغ. وفي حال الإدانة، قد تواجه غو الإعدام، على الرغم من أن معظم المطلعين على بواطن أمور الحزب يقولون إنها ستسجن.

ومع تكراره اتهامات سابقة ربطت بين جريمة القتل و«نزاع حول مصالح اقتصادية»، أضاف البيان معلومتين تفصيليتين: أكد أن هيوود قد قتل بالسم، وذكر أن غو ارتكبت الجريمة لحماية ابنها، بو غواغوا، الذي تخرج مؤخرا في كلية جون كنيدي لإدارة شؤون الحكم بجامعة هارفارد. لم يكن من الواضح ما يمكن أن يكون قد قام به بو غواغوا كي يحتاج لحماية من هيوود، غير أن البيان أسقط الاسم الكامل لابنها، على نحو يشير إلى أن المدعين العموميين قد قرروا عدم إدانته في الجريمة.

وفي واقع الأمر، يبدو أن الذنب يقع على كاهل غو. وأشير إليها من خلال التهم الموجهة إليها باسم «بوغو كايلاي»، وهو اسم يجمع بين اسمها واسم زوجها. وأوضح محللون أن الإشارة إليها باسمها المركب، اتباعا لتقليد عتيق ما زال يستخدمه في بعض الأحيان الصينيون الذين يعيشون خارج الأراضي الصينية، يشير إلى أن لديها، أو كان لديها، محل سكن خارجي، مما يخالف القوانين التي تحكم كبار القادة وأسرهم.

وعلاوة على ذلك، فإن هناك انتقادات أخرى موجهة ضدها؛ فقد وصفتها تقارير إخبارية في الصين ودول أخرى بأنها حارس لزوجها، وتجني من ورائه مكاسب مالية ضخمة. وهي عاشت بالخارج وكسرت عرفا متبعا بدعوة أجانب إلى الحلقة المقربة من الأسرة.

وصل أحد أولئك الأجانب، باتريك هنري ديفيلرز، وهو مهندس معماري فرنسي عمل لحساب بو أثناء فترة عمله عمدة لداليان، إلى الصين الأسبوع الماضي مقبلا من كمبوديا، حيث تم إلقاء القبض عليه بناء على أمر صادر في بكين. وقد أخبر ديفيلرز، الذي يزعم أنه عاد إلى هنا باختياره، المسؤولين الفرنسيين بأنه يساعد في التحقيقات مع غو.

ما زالت العلاقة بين هيوود وإحدى أكثر الأسر السياسية الخرافية ضبابية، وهو الموضوع الذي أثار قدرا كبيرا من الثرثرة والتلميحات. غير أن أصدقاء يقولون إنه التقى بو وغو في داليان في تسعينات القرن العشرين، وساعد لاحقا في الترتيب لدراسة ابن الزوجين في بريطانيا. ويقول هؤلاء المطلعون على تحقيقات الحزب إنه شارك أيضا في مساعدة الأسرة في تهريب أموالها غير المشروعة للخارج.

على غرار زوجها، تعتبر غو ابنة بطل ثوري، وعلى شاكلة عدد من «الأمراء»، نالت نصيبها من المصاعب إبان الثورة الثقافية.

ووجدت نفسها مجبرة على إعالة نفسها بعد أن تم سجن أسرتها، فعملت لفترة جزارة وعاملة بناء بالقرميد، بحسب روايات أذيعت في وسائل الإعلام الإخبارية الرسمية. وعلى الرغم من ذلك، ففي أواخر السبعينات من القرن العشرين، كانت من بين أول مجموعة من الطلاب يتم قبولها في الكلية بعد وفاة ماو. وكتبت ذات مرة في كتاب يستعرض تفصيليا متابعتها الناجحة لقضية في إحدى المحاكم الأميركية التي أسفرت عن تسوية قيمتها مليون دولار. كان الكتاب مثيرا وأدى إلى إنتاج برنامج تلفزيوني شهير بطله - ناشطة قانونية جذابة وحادة الذكاء - اعتمد على قصة حياة غو. كما نجحت في عملها في مجال القانون، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى اتصالات زوجها، الذي أصبح لاحقا وزيرا للتجارة.

وقال إدوارد بيرن، المحامي الأميركي الذي ساعد غو في رفع قضيتها في عام 1997 في الولايات المتحدة، وأمضى لاحقا وقتا مع الزوجين في الصين: «كانا أشبه بعضوين في أسرة مالكة في داليان. الذين عملوا لحسابهما كانوا يشيرون إليهما بالزوجين كنيدي في الصين».

وبحسب معظم الروايات، كرست غو وقتها وجهدها لطفلها الوحيد، بو غواغوا. وفي عام 1998، رافقته إلى بريطانيا، حيث درس في إحدى المدارس الابتدائية الخاصة، ولاحقا في مدرسة هارو الخاصة بالنخبة، التي كانت المدرسة الأم لهيوود. وبحسب رواية أصدقاء هيوود، فقد لعب دورا فعالا في مساعدة الفتى في الالتحاق بمدرسة هارو، التي تقوم بتحصيل رسوم سنوية قيمتها 55.000 دولار. وأمضت غو عامين على الأقل في بريطانيا.

يتذكرها بعض هؤلاء الذين عرفوها أثناء فترة إقامتها في منتجع بورنموث المطل على شاطئ البحر، بوصفها سيدة أعمال غامضة مفتونة بالفنادق المترفة والمجوهرات الفخمة، غير أن آخرين وصفوها بالتواضع. وقال ريتشارد ستارلي، مالك العقار الذي تقيم فيه في بورنموث، إنها اعتادت التدريب على التحدث بالإنجليزية معه أثناء احتسائهما القهوة. وقال: «كانت أكثر السيدات التي يمكنك أن تقابلهن كياسة ولطفا. لا أعتقد أنها كان من الممكن أن تؤذي مخلوقا».

* ساهمت ساندي ماكاسكيل في كتابة التقرير من لندن

* خدمة «نيويورك تايمز»