رمضان في الأردن يختلف عن الأعوام السابقة مع تدفق السياح

جاء في منتصف العطلة الصيفية واستقطب أعدادا وافرة من منطقة الخليج

الإفطار في إحدى موائد الرحمن التي يقدمها المحسنون خلال الشهر (رويترز)
TT

اختلف شهر رمضان المبارك في الأردن هذا العام عن الأعوام السابقة لعدة أسباب؛ أنه جاء في منتصف العطلة الصيفية وارتفاع درجات الحرارة فوق معدلها أكثر من 7 درجات مئوية، إضافة إلى ازياد حركة السياحة الخليجية بسبب الأوضاع السياسية في سوريا ولبنان، التي غيرت من وجهة السياح العرب المقبلين من دول الخليج العربي، وكذلك تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين على شمال البلاد نتيجة تصاعد أعمال العنف في بلادهم.

الملاحظ، وخصوصا في العاصمة عمان، حركة السير التي تستمر حتى الساعات الأولى من الصباح وفترة الإمساك، وترى أعدادا كبيرة من السيارات التي تحمل لوحات أرقام من معظم الدول الخليجية. المطاعم جميعها محجوزة للإفطار، ومن يختار الإفطار خارج البيت عليه الحجز مبكرا وقبل أيام. وبعد الإفطار تبدأ السهرات ومقاهي الشيشة، وتبدأ أيضا محلات الحلويات استقبال الناس الذين يتوافدون عليها حتى ساعة الإمساك. وعند زيارتك أيا من هذه المحلات تكتشف الأعداد الهائلة من السياح المقبلين من منطقة الخليج، وتميز ذلك من خلال لهجاتهم. كما تسير هذه الأمور بهدوء وسلام وتسامح، وقد يكون السبب هو احترام شعائر الشهر الفضيل من جهة، ومن جهة أخرى اهتمام الأردن باستقبال السياح الذين جذبهم ليس فقط لهذا العام وإنما للأعوام المقبلة، خصوصا أن الكثير من هؤلاء معتادون على قضاء العطلات الصيفية في مصر ولبنان وسوريا والمغرب العربي، لكن هذه العام لم يكن مناسبا لهم، ومن هنا فقد حاول الأردن جذبهم نحوه والاحتفاظ بهم للسنين المقبلة. ويقبل الأردنيون في الشهر الفضيل على صلة الأرحام والتقرب إلى الله بأعمال الخير وإقامة موائد الرحمن وتفقد أحوال الفقراء والأيتام، حيث تنشط الطبقة الغنية في إخراج زكاة أموالها للفقراء، أو تقدمها للجمعيات الخيرية التي تقوم بتوزيعها على الفقراء والمساكين والمحتاجين.

وعلى الرغم من ذلك فإن بعض ضعاف النفوس ممن يتسولون في الشوارع العامة ينتهزون هذا الشهر لمضاعفة نشاطهم لإيهام الناس بأنهم فقراء، مع العلم بأنهم ليسوا بحاجة، فقد ضبطت وزارة التنمية الاجتماعية في الأسبوع الأول من الشهر الفضيل 57 متسولا ممن يمتهنون التسول في الشوارع وأحالتهم إلى القضاء. ويحرص الأردنيون على الاجتماع على مائدة الإفطار ولم شمل الأسرة لتناول هذه الوجبة التي تتميز عن الوجبات اليومية في الأيام العادية، حيث يتصدر هذه الوجبة التمر بأنواعه واللبن والعصائر المثلجة والمياه الباردة لإطفاء حرارة العطش، خاصة أن وقت الصيام يستغرق نحو 16 ساعة يوميا في أجواء الصيف الحار.

ويقترب الأردنيون في تراثهم مع أقطار دول الخليج، خاصة السعودية، في عادات الإفطار على التمر واللبن، وتناول الحساء بأنواعه، فيما تكون إلى جانبه أطباق المنسف الأردني أو المقلوبة أو المسخن أو الصواني المعدة في الأفران، من الكفتة إلى الخضروات والدجاج، إضافة إلى أطباق الفول والحمص والفلافل، وهي أطباق من مطبخ بلاد الشام (سوريا والأردن ولبنان وفلسطين) التي تكون بجانبها السلطات بأنواعها، من الخيار باللبن والتبولة والفتوش والجرجير وغيرها.

ويزداد في شهر رمضان بالأردن الإقبال على الصلوات في المساجد، فيما تشكل صلاة التراويح ركنا مهما بعد صلاة العشاء، مثلما يقوم الأردنيون بتأدية واجباتهم الدينية، إضافة إلى حضور الندوات والمحاضرات الدينية التي تقيمها المساجد، أو المكوث بالمساجد لحفظ القرآن الكريم، أو إدخال الشباب وصغار السن في دورة دينية للحفظ والتلاوة وغيرها.

وتعد الكنافة والتمرية والقطايف الجاهزة والكلاج أبرز ما يشتريه الصائمون من حلويات، إضافة إلى أنواع أخرى أقل شهرة، وتحرص أسر كثيرة على وجودها في سهراتهم الرمضانية, حتى إن كثيرا من الأسر تعتبرها جزءا من الضيافة.

ويعتبر خليل هايل تناول الحلويات على مختلف أنواعها بعد الإفطار طقسا رمضانيا تتميز به السهرات، ويقول إنه لمس ارتفاعا في أسعار الحلويات هذا العام، غير أن ارتفاعها لم يثنه عن شرائها.

ويقول رياض المناصير، صاحب أحد محال الحلويات: «تزدهر محلات الحلويات في شهر رمضان المبارك، وتشهد إقبالا كبيرا على شراء القطايف والعوامة والكنافة وأصناف أخرى»، مشيرا إلى أن الإقبال على شراء الحلويات يرتبط بالتقاليد الرمضانية، كما أن الجسم يحتاج إلى سكر تعويضا للنقص الذي يتعرض له الصائم خلال النهار.

وتشهد أغلب محال الحلويات في العاصمة عمان قبيل موعد الإفطار ازدحاما حتى ساعات متأخرة من الليل، وسط إقبال لافت لشراء تلك الأصناف على الرغم من ارتفاع أسعارها من محل إلى آخر.

ويشكو الأردنيون ارتفاع أسعار المواد الغذائية منذ بداية رمضان الذي يحد من قدرتهم الشرائية، وأحدثت موجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي شهدتها الأسواق تغييرا واضحا في نمط الاستهلاك تماشيا مع موجة الغلاء التي اجتاحت البلاد بعد أن فرضت الحكومة ضرائب على المحروقات والسلع.

ولعل قدوم شهر رمضان في العشرين من يوليو (تموز) أثر على القدرة الشرائية لدى طبقة الموظفين الذين يعتمدون على راتب آخر الشهر، وحد من التسوق، إلا أن الأسواق شهدت تحسنا ملحوظا مع بداية صرف الرواتب للموظفين قبل يومين.

وعلى الرغم من توفر المواد الغذائية والسلع الرمضانية في الأسواق، فإن أسعارها تظل مرتفعة مقارنة بأسعار الأعوام الماضية، خاصة أن الحكومة فرضت ضريبة مبيعات من 6 إلى 16 في المائة على مختلف السلع، الأمر الذي أدى إلى تراجع الطلب على مختلف الأصناف، مقارنة بالأعوام الماضية.

وبينت نقابة تجار المواد الغذائية إحصائية حول حجم المواد الغذائية خلال شهر رمضان؛ إذ يوجد في البلاد قرابة 50 ألف طن من سلعة الأرز وتوفير مادة السكر بحجم يتراوح بين 40 و50 ألف طن، وهنالك 350 ألف رأس من اللحوم الحية، وقرابة 5 آلاف طن من اللحوم المذبوحة الطازجة (خراف وأبقار)، و20 ألف طن من اللحوم المجمدة، لسد حاجة المواطن في شهر رمضان.

وأكد تجار ومواطنون أن الأسواق والمراكز التجارية تشهد وفرة في المعروض من المواد الغذائية والرمضانية، موضحين أن المراكز التجارية بدأت تكثيف العروض على المواد الغذائية لتحريك الطلب.

وقال المستورد مصطفى خرفان إن الإقبال من المستهلكين خلال الأيام الماضية ضعيف في الأسواق التجارية، موضحا أن القوة الشرائية لدى المواطنين تشهد تراجعا نتيجة الارتفاعات التي طرأت خلال الفترة الماضية، وأهمها ارتفاع أسعار البنزين.

وبسبب ازدياد عدد السياح من دول الخليج وتوفر الأمن والاستقرار في الأردن، فقد شهد الأردن حركة نشطة في السياحة لهذا الموسم، حيث أعدت وزارة السياحة الأردنية برنامجا ترفيهيا للزوار والأردنيين من خلال إقامة أيام القلعة الرمضانية والمهرجانات والسهرات المنوعة في منطقة حدائق الحسين وجبل القلعة، وكذلك إقامة المسرحيات الكوميدية في الفنادق الفخمة والمسارح، حيث تبقى تسهر حتى الفجر، إذ تقدم هذه المطاعم خلال السهرات وجبة السحور والمشروبات الرمضانية من التمر الهندي والعرقسوس والليمون والحلويات الرمضانية.

ولا شك أن أيام وليالي شهر رمضان المبارك جميلة في الأردن، ولكنها بحاجة إلى المال الوفير كي تعيش هذه الليالي والسهرات، أما أصحاب الدخل المحدود فإنهم في العادة لا يرتادون هذه الأماكن لتدني دخلهم؛ خاصة أن هذه الأماكن بحاجة إلى موازنة كبيرة، وهؤلاء بانتظارهم مصاريف عيد الفطر الذي يلي شهر رمضان المبارك.