علماء دين مصريون: استغلال توافد المصلين على المساجد في رمضان ليتواصل بقية الشهور

حثوا الأئمة على تنويع خطبهم لتتحول الجوامع إلى مؤسسات دعوية وتربوية واجتماعية

مصلون يؤدون صلاة التراويح في أحد المساجد («الشرق الأوسط»)
TT

يصطف المصلون خارج وداخل المساجد لأمتار كثيرة في شهر رمضان خلال صلاة التراويح، وتعرف أقدامهم طريق المساجد في جميع الصلوات خاصة في صلاة الفجر؛ لكن هذا المشهد ينتهي بمجرد انتهاء شهر الصيام، وتخلو المساجد من زوارها إلا في صلاة الجمعة، وهو الأمر الذي دعا كثيرا من أئمة وخطباء المساجد هذا العام خلال الأيام الأولي من رمضان إلى حث المصلين على أن رب شهر رمضان هو رب بقية شهور العام.. وبينما طالب علماء دين في مصر باستغلال توافد المصلين على المساجد في رمضان لجذبهم باقي شهور العام، حتى يحرصوا على اعتياد المساجد بعد نهاية الشهر الكريم، وقالوا إن «ذلك يتطلب تنويع أحاديث دعاة وزارة الأوقاف على المنابر». وأكد آخرون أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص على أن يجعل المسجد أساسيا في الحياة ومقصدا للتربية، ونجح في تحويله لمؤسسة دعوية وتربوية واجتماعية.

في السياق ذاته، كشف مسؤول في وزارة الأوقاف المصرية عن خطة في رمضان لدعوة المصلين باعتياد الذهاب للمساجد في بقية شهور العام عن طريق حثهم على ذلك في الملتقيات الفكرية والندوات الثقافية التي تعقد يوميا بالجوامع.

وعقب ثورة «25 يناير» تحولت منابر المساجد إلى أماكن لخدمة السياسة من قبل تيار الإسلام السياسي الذي تصدر المشهد السياسي، وتحولت الخطب إلى دعوات لخدمة جماعات وتيارات معينة، ما جعل كثيرا من المصلين يحجمون عن الذهاب للمساجد التي تحولت لساحات معارك كلامية، خاصة بعد أن ترك أئمة وزارة الأوقاف منابر المساجد لبعض علماء السلفيين المتشددين.

من جانبه، أكد الدكتور عادل عبد الله، الأستاذ في معهد الدعاة بوزارة الأوقاف المصرية، أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص على أن يجعل المسجد هو الأساس في الحياة ومقصد التربية للمسلم صغيرا كان أو كبيرا، فكان منهجه أن المساجد ليست للعبادة فقط بالمعنى الضيق؛ لكن جعلها مدارس للتربية بمعناها الشامل، أي تربية للشخصية والفكر والوجدان، ليكون المسلم مؤهلا للانطلاق بشخصية تجمع بين العبادة الحق لله تعالى وبين مواجهة أعباء الحياة والتعامل مع الواقع ومستجدات الحياة؛ بل وعظمت رسالة المسجد ونجحت في أن تأخذ سبيل مؤسسة دعوية وتربوية واجتماعية.

وقال الدكتور عبد الله إن «الدعوة لحث المصلين على العودة للمساجد عقب رمضان مناسبة لشهر الصيام، انطلاقا من كونه شهرا يجمع كل صفات الخير والتقوى والهدى»، موضحا أن المدرسة النورانية النبوية كانت تحرص على تنشئة الصغار بالتوجيه والخطاب؛ بل كانوا محل اهتمام، ولعل النبي قد قدم نموذجا عمليا بعبد الله بن عباس حين كان صغيرا، قال له النبي: «ياغلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك.. احفظ الله تجده تجاهك.. إذا سألت فاسأل الله»، فجعل الأطفال موضع رعاية يعلمهم قداسة المسجد وآدابه، مضيفا: أن «الدعوة المتمثلة في الداعية تحرص على أن تكون منبعا للرسالة التربوية يستوي في ذلك الخطباء والدعاة، ولقد حرص النبي في الخطاب على توجيه الشباب والصغار والرجال والنساء؛ بل وكان حريصا على جمع هذه المقومات تحت مظلة الإسلام، وشملت دعوته عمق التربية والتهذيب، وحسن التعامل مع الناس بعضهم البعض بشكل تكاملي وبصورة متزنة، حرصا على التماسك وترابط المجتمع والذي هو رسالة للداعية».

ومن جانبه، قال الشيخ إسماعيل الجن عضو الجماعة الإسلامية في أسوان (جنوب مصر) إن «الخطاب الديني في المساجد كاد يبوء بالفشل بعد ثورة يناير (كانون الثاني)؛ لأن الخطيب لا يتحدث عما يناسب ويتناسب مع البيئة، وما يتلاءم مع روح العصر، لقد كدنا أن نفتقد الصورة الحقيقية للداعية المالك للصفات التي أمر الله أن يكون المبلغون للدعوة عليها، ولعلنا افتقدنا صورة الداعية الجاذب للمسجد، التي رأيناها متمثلة في الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله»، مطالبا أن يكون رمضان فرصة طيبة لعودة الخطاب الديني الوسطي إلى المساجد وعودة المصلين إلى إعمار المساجد من جديد.

وفي السياق ذاته، أكد الدكتور محمد المختار جمعة، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر في القاهرة، أن للمسجد دورا بالغا في بناء الدولة الإسلامية والفكر الصحيح، ورأينا أن ما فكر فيه النبي بعد الهجرة بناء المسجد، الأمر الذي يوحي بمكانة المسجد، ليكون بيتا لصناعة الرجال، فنجد فيه من يحملون هم الأمة بعزيمة وهمة بآليات كثيرة على رأسها قيام الليل، الذي أسهم في إخراج الرجال، وكان جاذبا بخطابه المقنع، فكان خطابه يختلف بما يلم وما يتناسب مع أفكارهم ومشاكلهم وظروفهم، الأمر الذي يدفعنا إلى أن نقول إن الداعية قادر على التواصل البناء ليصل إلى أفئدة الناس وعقولهم في ضوء سماحة الناس، حتى يعلم الجميع أن الدعوة لا تقتصر على الأوامر والنواهي والتكاليف الشرعية بصورة مباشرة؛ بل ينبغي أن يلم بما يخص الناس في شؤون دينهم ودنياهم لحلها ولتفريج كروبهم؛ بل وينبغي أن يكون بالمسجد أنشطة تشمل التعليم والتثقيف وتعليم الحاسب الآلي وفصولا للتقوية ومساعدة للطلاب، كما ينبغي أن يكون هناك نشاط طبي تحت إشراف وزارة الصحة، فهناك مساجد تدفعها الظروف بالإسهام في تطوير الحرف والمهن التي يحتاجها المجتمع، وهناك مساجد تنطلق منها مجالس للصلح وفض المنازعات الأمر الذي يتطلب، لافتا إلى أن الداعية لا بد وأن يكون قدوة في السمات والسلوك والفكر، ليكون المسجد ميدانا للتراحم والتواصل بين المجتمع والأسر.

وأوضح الدكتور جمعة أن هذه الصور رأيناها في أول بنيان للدولة الإسلامية، ففي يوما تغيب قيس بن ثابت عن مجلس النبي فإذا به يسأل هل بصاحبكم من مرض فقال سعد بن معاذ: إني جاره وإني لأعلم أنه ليس به شيء، فقال النبي: اذهب إليه وأقرئه السلام، وقل له: ما الذي حجبك عن مسجدنا.

وطالب الأئمة على المنابر بتنويع أحاديثهم داخل المساجد بعد رمضان بما يتناسب مع المصلين سواء كان بقصص أو بمسابقات تعتمد على البحث والتحصيل وبذل الجهد، لافتا إلى أن هذه أروع الطرق للتربية وعودة دور المسجد إلى مكانه الأصلي ليكون جاذبا للأمة.

وأكد الشيخ عبد الله أحمد، إمام مسجد الرحمن بحي عين شمس (شرق القاهرة) أن الأئمة يحثون المصلين على الذهاب للمساجد بعد شهر رمضان، وقال «نقول لهم دائما إن رب رمضان هو رب بقية شهور العام»، معتبرا رمضان فرصة عظيمة لتوجيه الدعوة لإعمار المساجد من جديد، خاصة أن المساجد تكون خلال الشهر الفضيل مقصدا للجميع.