قنوات جديدة لاستقطاب «الصناديق السيادية الخليجية» وزيادة حجم استثماراتها في المغرب

استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي تحقق طفرة وترتفع بنسبة 50%

بنك المغرب المركزي («الشرق الأوسط»)
TT

دعا العاهل المغربي، الملك محمد السادس، الحكومة المغربية، للعمل على استقطاب استثمارات خليجية لتنشيط اقتصاد البلاد، ويسعى المغرب، في سياق شراكته الاستراتيجية الجديدة مع دول مجلس التعاون الخليجي، إلى اجتذاب مزيد من الاستثمارات الخليجية عبر قنوات جديدة لتوجيه الصناديق السيادية الخليجية للمساهمة بشكل أكبر في تمويل مشاريعه التنموية من خلال إنشاء هيئة مغربية للاستثمار، وسرعة صدور قانون المصارف الإسلامية.

وعرفت الاستثمارات الخليجية بالمغرب طفرة نوعية خلال العام الماضي، إذ ارتفعت بنسبة 50.4 في المائة، في الوقت الذي تراجعت فيه استثمارات باقي بلدان العالم في المغرب بنسبة 39 في المائة خلال نفس الفترة. وارتفعت حصة دول مجلس التعاون الخليجي في الاستثمارات الخارجية المباشرة في المغرب إلى 27 في المائة خلال العام الماضي، مقابل 13 في المائة خلال 2010، حسب إحصائيات مكتب الصرف المغربي (هيئة مراقبة المعاملات والتدفقات المالية بين المغرب والخارج).

وأبانت الاستثمارات السعودية والإماراتية في المغرب عن حيوية خاصة خلال هذه الفترة، إذ ارتفعت على التوالي بنسبة 173 في المائة بالنسبة للاستثمارات السعودية و71 في المائة بالنسبة للاستثمارات الإماراتية، وأصبحت تحتل المرتبتين الثانية والثالثة على لائحة الدول الأكثر استثمارا في المغرب. وتمكنت فرنسا من الاحتفاظ بالمرتبة الأولى على الرغم من انخفاض الاستثمارات الفرنسية الموجهة للمغرب بنسبة 39 في المائة خلال 2011، بينما نزلت إسبانيا إلى المرتبة الرابعة.

وتأتي هذه الطفرة في الاستثمارات الخليجية بالمغرب في سياق الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي، التي تم اعتمادها السنة قبل الماضية، في إطار مبادرة انضمام المغرب لمجلس التعاون. وشكلت مساهمة الصناديق السيادية الخليجية في مجموعة من الصناديق الاستثمارية القطاعية التي أطلقها المغرب بهدف دعم مخططاته التنموية، أحد التجليات الأولى لهذه الشراكة الاستراتيجية. وتم في هذا السياق إطلاق صندوق تنمية الطاقة، برأسمال مليار دولار، الذي ساهمت فيه السعودية بمبلغ 500 مليون دولار، والإمارات بمبلغ 300 مليون دولار، والمغرب بمبلغ 200 مليون دولار عبر صندوق الحسن الثاني للتنمية. ويهدف هذا الصندوق إلى المساهمة في تمويل مشاريع استغلال الطاقة الشمسية في المغرب. كما تم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي إطلاق صندوق «وصال» للتنمية السياحية، برأسمال 2.5 مليار دولار، بمساهمة الصناديق السيادية القطرية والإماراتية والكويتية إلى جانب الهيئة المغربية للاستثمارات السياحية. ويهدف هذا الصندوق إلى مواكبة المخطط الجديد للنهوض بالسياحة في المغرب «رؤية 2020». ويرتقب أن تتم مضاعفة رأسمال صندوق «وصال» خلال العام الحالي عبر اللجوء إلى تمويلات مصرفية وإصدار سندات في السوق المالية، ورفع رأسماله إلى نحو 5 مليارات دولار، وهو مبلغ يعادل 33 في المائة من الحاجات التمويلية لمخطط رؤية 2020 للنهوض بالسياحة في المغرب.

وانطلاقا من هذا النجاح قرر المغرب تعميم تجربة صندوق وصال للتنمية السياحية وصندوق تنمية الطاقات المتجددة على مجالات وقطاعات أخرى، من خلال إنشاء هيئة مغربية للاستثمار تضم كل صناديق الاستثمارات القطاعية المغربية. وقال العاهل المغربي الملك محمد السادس، خلال الإعلان عن هذه الهيئة في خطاب عيد الجلوس الذي وجهه للشعب المغربي الأحد الماضي: «غايتنا من هذه الهيئة التي تتوخى تعزيز الاستثمار في مختلف المجالات المنتجة، وتحفيز الشراكات مع المؤسسات الدولية، هي تمكين بلادنا من فرص التمويل، التي تتيحها الصناديق السيادية الخارجية، وبصفة خاصة صناديق دول الخليج الشقيقة، التي نشيد بإسهامها الفعال في دعم المشاريع التنموية ببلادنا».

ونوه العاهل المغربي في خطابه بـ«القرارات التي تم اتخاذها لتجسيد الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي». وأشاد بشكل خاص بصندوق «وصال» للتنمية السياحية.

ودعا الملك محمد السادس الحكومة المغربية إلى «توفير شروط التكامل بين مختلف الاستراتيجيات القطاعية، واعتماد آليات لليقظة والمتابعة والتقويم، التي تساعد على تحقيق التناسق فيما بينها، وقياس نجاعتها، وحسن توظيف الاعتمادات المرصودة لها».

كما دعا العاهل المغربي الحكومة إلى «الاجتهاد في إيجاد بدائل للتمويل، من شأنها إعطاء دفعة قوية لمختلف هذه الاستراتيجيات».

وبهذا الصدد، تعمل الحكومة مند بداية العام الحالي على تعديل القانون المصرفي المغربي من أجل إدخال بنود جديدة تتعلق بتنظيم إنشاء واشتغال المصارف والتأمينات الإسلامية، التي تعتبر من أهم البدائل التمويلية المتاحة.

ويعول المغرب على هذا القانون الجديد أيضا من أجل الرفع من جاذبيته للاستثمارات الخليجية. وعرف المغرب في الماضي أزيد من 15 محاولة لإنشاء مصرف إسلامي بمبادرة مؤسسات خليجية مند 1991، إلا أن البنك المركزي كان دائما يواجه طلبات رخص تأسيس المصارف الإسلامية بالرفض، معللا رفضه بكونه لا يرغب في تصنيف المؤسسات المصرفية المغربية على أساس ديني؛ هذا إسلامي وهذا غير إسلامي. وخلال السنوات الأخيرة، سمح البنك المركزي المغربي بإدخال مجموعة من المنتجات المالية الإسلامية، شريطة أن يتم تسويقها في إطار «الشبابيك» العادية للبنوك وتحت اسم المنتجات البديلة، وجاءت هذه المبادرة كرد فعل على ظهور بعض الجمعيات الأهلية في المجال الاجتماعي، التي بدأت تمنح قروضا من دون فوائد كونها مقربة من التيارات الأصولية. غير أن السمعة التي أصبحت تتمتع بها البنوك الإسلامية في الفترة الأخيرة، خاصة كونها قاومت وصمدت أمام تداعيات أعتى أزمة مالية عرفها العالم، جعلت السلطات المغربية تعيد النظر في موقفها وتفكر بجدية في إدخال المصارف الإسلامية. وبدأ العمل في إطار لجنة تضم وزارة المالية واتحاد البنوك بقيادة البنك المركزي على تعديل القانون المصرفي المغربي بهدف إدخال بنود تنظم المصارف الإسلامية.