لانديز: حتى وإن سقطت العاصمة في يد الثوار سيحاول الأسد الصمود كقائد لميليشيا على النمط اللبناني

خبير أميركي قال إن الرئيس السوري لا يبدي مؤشرات على استعداده للتنازل عن السلطة بهدوء

TT

رغم اقتراب قوات الثوار من معقله، لم يبد الرئيس السوري بشار الأسد أي إشارة على استعداده للتنازل عن السلطة، ما يثير التوقعات بفصل ختامي طويل دام وكارثي لهذه الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد، بحسب مسؤولين عسكريين أميركيين وخبراء في شؤون الشرق الأوسط.

رفض الأسد، رغم القتال الدائر بين قواته والثوار في حلب والمدن الرئيسية الأخرى، المناشدات الجديدة بقبول المنفى له ولأسرته، وأكد مرارا ثقته في أن القوات الموالية له ستنتصر، بحسب مسؤولين ومحللين.

وتشير التصريحات العلنية والخاصة إلى أن الأسد يعد لاتباع نموذج معمر القذافي، رابطا حياته ببقاء نظامه. وهناك إجماع واسع في واشنطن وعواصم الشرق الأوسط الآن على أن الأسد، الذي اعتبر في السابق شخصية معتدلة قادرة على الإصلاح، سيترك السلطة إما بالقتل أو الأسر.

وقال جيفري وايت، محلل شؤون الشرق الأوسط السابق في استخبارات وزارة الدفاع الأميركية: «لن تكون هناك أي مفاوضات. سيواصل القتال وربما يفعل ذلك في دمشق».

ووصفه محللون أميركيون قاموا بدراسة المناسبات العامة التي حضرها بأنه منفصل عن الواقع. ورغم قولهم إن الأسد ليس غبيا ولا جبانا، فإنه يؤمن بقوة خطابه، ويدرك أنه مخلص الطائفة العلوية، وتجسيد للدولة السورية، وأنه متقبل أيضا لحالة العزلة التي يعيشها. وقال مسؤول أميركي حصل على معلومات استخبارية من داخل سوريا والذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية التقييم إن «الأسد شخص يدعي الورع، وديكتاتور صاحب عقلية تآمرية لم يبد أي مؤشر حتى الآن على استعداده للتخلي عن الحكم، كما فعل الكثير من الطغاة الذين سبقوه. وغطرسة الأسد هي التي تقوده إلى بعض القرارات السيئة».

ورغم صعوبة التكهنات ما يمكن أن يفعله الأسد إذا ما ووجه بهزيمة مباغتة، تشير تحركاته حتى الآن إلى أنه ينوي المضي قدما فيما هو مقدم عليه.

وقال المسؤول: «لقد حبس نفسه في زاوية ضيقة للغاية».

تعنت الأسد خلال الأسابيع الأخيرة قضى على كل الآمال بإمكانية التوصل إلى اتفاق سياسي يسارع من إمكانية رحيله ويقلل من خسائر القتال الكثيف الذي يدور من شارع إلى آخر في أضخم المدن السورية. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية قد صرحت في بداية يوليو (تموز) الماضي بأن الوقت لم يفت بعد بالنسبة للأسد لقبول مثل هذا الاتفاق، كما تحدث مسؤولو البيت الأبيض عن إمكانية التوصل إلى اتفاق مشابه لما جرى في اليمن الذي تنحى بموجبه علي عبد الله صالح من الرئاسة.

على صعيد آخر، تقدم قادة الدول الأعضاء في الجامعة العربية بخطة جديدة للأسد لنقل السلطة إلى حكومة انتقالية في مقابل النفي. وحث رئيس الوزراء القطري، حمد بن جاسم آل ثاني، الأسد على اتخاذ قرار «شجاع» بالتنحي من أجل صالح بلاده.

لكن الاقتراح الذي أعقب سلسلة من العروض الشخصية من الكثير من الدول العربية للتوسط في اتفاقات خروج الأسد قوبل بالرفض من جانب دمشق.

جاء الرفض أثناء قصف القوات السورية أحياء دمشق لطرد قوات الثوار من الجيوب التي سيطرت عليها بعد أسبوع كامل من الحصار. وقد شن الأسد حملة مدمرة على معاقل الثوار في العاصمة وحلب، أضخم مدن سوريا.

ويقول محللون عسكريون ومسؤولون أميركيون إن وحشية الهجوم الذي تشنه قوات الأسد يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأسد يعتقد أن القتال حتى النهاية هو الخيار الوحيد.

ويرى جوشوا لانديز، الخبير في الشأن السوري مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، أن تقديم أي تنازلات الآن يتعارض مع قيم حكم عائلة الأسد. وقال: «إنها تظهر ضعفا، وإن طبيعة نظامه هي ألا تظهر الضعف على الإطلاق».

خيار الديكتاتور لاستخدام المدفعية الثقيلة والمروحيات الحربية في الأحياء المدنية يأتي مماثلا لقرار والده، الذي أصدر أمرا بقتل عشرات الآلاف من السنة لإخماد الثورة عام 1982.

ويشير لانديز إلى أنه حتى وإن سقطت العاصمة في يد الثوار، ربما يشعر الأسد برغبة في التقهقر إلى أحد معاقل العلويين في سوريا ويحاول الصمود كقائد لميليشيا على النمط اللبناني.

عادات الأسد الغربية وآراؤه المعتدلة ألهمت في البداية المتفائلين من الغرب والسوريين بشأن قيادته لدولة استراتيجية حيوية عدد سكانها 20 مليون نسمة. تعهدات الأسد بتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية أكسبته في السابق الكثير من المؤيدين في الولايات المتحدة بما في ذلك السيناتور جون إف كيندي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.

كان بشار الأسد، طبيب العيون الذي تلقى تدريبه في بريطانيا والمتزوج من مواطنة بريطانية، اختيارا غير متوقع لخلافة الوالد الذي اشتهر بالوحشية، حافظ الأسد، والذي توفي عام 2000. وقال الأسد الابن، 34 عاما في ذلك الوقت، عن نفسه مازحا: أنا «رئيس بالصدفة» لسوريا، بحسب واحد من كتاب سيرته الذاتية، ديفيد ليش، مؤرخ الشرق الأوسط.

وقال ليش، الذي يكتب عن تحول الأسد في كتاب جديد بعنوان «سوريا: سقوط عائلة الأسد»: «كان يعمد إلى نكران الذات، والتواضع وهو رجل عائلة. وبصورة تدريجية أصبح أكثر تجبرا في سلوكه. لكنه على عكس صدام حسين أو القذافي لم يكن غريب الأطوار».

ويشير ليش إلى أنه التقى الأسد مرات كثيرة بين عامي 2004 و2009 ورأى كيف بدأت شخصيته تعكس ضيق الأفق والعالم المذعور من حوله.

يؤكد ليش على أنه خلال السنوات الأولى من حكم الأسد، كان الرئيس الشاب يسخر من أساليب جهاز المخابرات السوري المرهوب الجانب. لكنه بمرور الوقت بدأ الأسد في ترديد وجهات نظر المسؤولين الأمنيين الذين كانوا يدبرون المؤامرات والمكائد في كل مكان.

وقال ليش: «كانت الحقيقة البديلة تنسج من حوله، وفي النهاية تشبع بها»، ونتيجة لذلك أخطأ الأسد في قراءة رسالة الربيع العربي وظن أن الثورة السورية صنيعة متآمرين أجانب، وأنه يقف وحيدا كضامن لخلاص سوريا. ويقول ليش: «يعتقد أنه يقاتل ضد الإمبرياليين، وأن حلفاءهم ضد الشعب السوري».

يرى المحللون أنه نتيجة هذا الموقف المتعنت والانعزالي، قد لا يجد الوسطاء ما يمكنهم القيام به. فالولايات المتحدة قد قطعت معظم روابطها الاقتصادية مع سوريا قبل سنوات، ولا تحظى بنفوذ كبير هناك، وفي أغلب الأحيان كان الأسد يطلب من الحلفاء العرب وروسيا التحاور مع الغرب. وقد رفضت روسيا مطالبة الأسد بالرحيل عن سوريا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»