استخدام الميكروبات لتحويل الطاقة الكهربائية إلى غاز ميثان نقي ووقود للمركبات

يمكن أن تساهم في إيجاد حلول لتحديات الطاقة المتجددة

نجاح التجارب المختبرية لإنتاج غاز الميثان من فائض الكهرباء
TT

غاز الميثان من بين الغازات الطبيعية المسببة لظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري، التي تدخل ضمن الوقود الأحفوري الذي يشمل أيضا الفحم والبترول، ويحتوي هذا الوقود على نسب عالية من الكربون، حيث يعمل حرق الغاز الطبيعي على تسارع هذه الظاهرة.

ومؤخرا، تمكن علماء من جامعتي ستانفورد وولاية بنسلفانيا الأميركيتين، من استخدام أسلوب مختلف أكثر اخضرارا لإنتاج غاز الميثان، بدلا من استخدام أجهزة الحفر والمضخات، ويتمثل هذا الأسلوب في استخدام الميكروبات لتحويل الكهرباء من مصادر متجددة إلى غاز ميثان نظيف ونقي خال من الكربون، ويعتزم الباحثون استخدامه وقودا للمركبات والطائرات والسفن.

فوفقا لما نشر في 24 يوليو (تموز) الماضي، على الموقع الإلكتروني لجامعة ستانفورد الأميركية، تمكن فريق بحثي من كلا الجامعتين، من زراعة مستعمرات من الكائنات الميكروبية أو الجرثومية (الكائنات الحية الدقيقة) (microorganisms)، تسمى «ميثانوغينز» (methanogens)، وهي تنتمي إلى مجموعة ميكروبية متميزة تعرف باسم (Archaea)، وهي الميكروبات العتيقة أو القديمة أو الأصلية أو البدائيات، وهي كائنات حية دقيقة وحيدة الخلية تشبه البكتيريا ولا تحوي نواة خلوية. ولميكروبات الـ«ميثانوغينز» قدرة ملحوظة على تحويل الطاقة الكهربائية إلى غاز الميثان النقي، الذي يعد مصدرا رئيسيا في الغاز الطبيعي.

وهدف العلماء هو خلق مصانع ميكروبية كبيرة من شأنها أن تحول الكهرباء النظيفة من مصادر الطاقة المتجددة من الرياح والشمس أو الطاقة النووية إلى وقود ميثان متجدد، وغيرها من المركبات الكيميائية ذات القيمة في عمليات الصناعة.

يقول البروفسور ألفريد سبورمان، أستاذ الهندسة الكيميائية والمدنية والبيئية في جامعة ستانفورد إن «معظم الميثان اليومي مستمد من الغاز الطبيعي، وكثير من الجزيئات العضوية المهمة التي تدخل في صناعته يتم عملها من النفط، ومدخلنا أو أسلوبنا الميكروبي يمكن أن يقضي على الحاجة لاستخدام هذه المواد الأحفورية»، ويضيف: «بينما الميثان نفسه هو أحد غازات الدفيئة الهائلة، فهو أكثر قوة بـ(20) مرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، فسوف يتم التقاط الميثان الميكروبي بأمان وتخزينه، وبالتالي التقليل من تسربه في الجو».

وأوضح سبورمان أن «العملية الميكروبية بأكملها خالية من الكربون، وكل ثاني أكسيد الكربون الصادر أثناء الاحتراق مستمد من الغلاف الجوي، وجميع الطاقة الكهربائية التي تأتي من مصادر الطاقة المتجددة أو الطاقة النووية، هي أيضا خالية من ثاني أكسيد الكربون». وأضاف: «الميكروبات المنتجة لغاز الميثان، يمكن أن تساعد في إيجاد حل لواحد من أكبر التحديات التي تواجهها الطاقة المتجددة على نطاق واسع، وهي ماذا نفعل مع فائض الكهرباء المتولدة من محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح».

يقول سبورمان إنه «في الوقت الراهن لا توجد وسيلة جيدة لتخزين الطاقة الكهربائية، ومع ذلك، نحن نعلم أن بعض ميكروبات الـ(ميثانوغينز) يمكن أن تنتج غاز الميثان مباشرة من التيار الكهربائي.. وبعبارة أخرى، هي عملية استقلاب (أيض) الطاقة الكهربائية إلى طاقة كيميائية يمكن تخزينها في شكل غاز الميثان. ومحور أبحاثنا هو فهم كيفية عمل هذه العملية الاستقلابية (الأيضية)، فإذا استطعنا هندسة ميكروبات الـ(ميثانوغينز) لإنتاج غاز الميثان على نطاق واسع، سوف تتغير قواعد العمل».

يقول الفريق البحثي، إن نمط حياة ميكروبات الـ«ميثانوغينز» يكون متطرفا، فلا يمكن أن تنمو في وجود الأكسجين، فهي تتغذي بانتظام على ثاني أكسيد الكربون وإلكترونات مستعارة من غاز الهيدروجين، والمنتج الثانوي لهذه الوجبة الميكروبية هو غاز الميثان النقي، الذي أفرزته ميكروبات الـ«ميثانوغينز» في الغلاف الجوي.

ويضيف الباحثون أنه، في السيناريو المثالي، سوف تتم تغذية مزارع ميكروبات الـ«ميثانوغينز» بإمدادات ثابتة من الإلكترونات المتولدة من مصادر الطاقة المتجددة الخالية من الانبعاثات الضارة، مثل الخلايا الشمسية وتوربينات الرياح والمفاعلات النووية، وسوف تستخدم الميكروبات هذه الإلكترونات النظيفة للعمل على استقلاب ثاني أكسيد الكربون إلى غاز الميثان، الذي يمكن تخزينه وتوزيعه خلال قائمة منشآت الغاز الطبيعي وخطوط الأنابيب الموجودة، وذلك لاستخدامه عند الحاجة.

وعندما يتم حرق الميثان الميكروبي (Microbial methane) بصفته وقودا، ستتم إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي حيث يتم تكوينه، وهذا على عكس العملية التقليدية لاحتراق الغاز الطبيعي، التي تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري.

يقول سبورمان إن «الميثان الميكروبي صديق للبيئة، بدرجة أكبر من الإيثانول والأنواع الأخرى للوقود الحيوي، فعلى سبيل المثال، يتطلب الإيثانول المستخرج من الذرة عدة أفدنة من الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى الأسمدة والمبيدات، بينما ميكروبات (ميثانوغينز) أكثر كفاءة لأنها تقوم باستقلاب غاز الميثان في خطوات قليلة وسريعة».

ويقول الباحثون إنه لكي تصبح هذه التكنولوجيا الجديدة مجدية تجاريا، فلا بد من معالجة عدد من التحديات الأساسية.

يقول البروفسور بروس لوغان، أستاذ الهندسة البيئية والمدنية بجامعة ولاية بنسلفانيا، إنه «في حين أن هذه التكنولوجيا الجديدة بسيطة من الناحية النظرية، إلا أن هناك عقبات كبيرة يتعين التغلب عليها قبل أن يتسنى نشر تكنولوجيا تحويل الكهرباء إلى ميثان على نطاق واسع»، وأضاف أنه «لا يزال هناك افتقار في فهم العلوم الأساسية اللازمة لكيفية استخدام هذه الكائنات الميكروبية لتحويل الإلكترونات إلى طاقة كيميائية».

يذكر أنه في عام 2009، كان مختبر البروفسور لوغان بجامعة ولاية بنسلفانيا، هو الأول الذي تمكن من إثبات أن سلالة ميكروب ميثانوغين (methanogen strain) المعروفة بإسم (Methanobacterium palustre) يمكن استخدامها لتحويل التيار الكهربائي مباشرة إلى غاز الميثان. ففي هذه التجربة، تمكن لوغان وزملاؤه من بناء بطارية عكسية مع أقطاب كهربائية موجبة وسالبة، وضعت في كوب من المياه بالمغذيات المخصبة، ثم نشر الباحثون خليط بيوفيلم (فيلم حيوي) (biofilm mixture) مكون من ميكروب (Methanobacterium palustre) وغيره من الأنواع الميكروبية على القطب الكهربائي السالب (الكاثود)، وعندما يتم سريان التيار الكهربائي، يبدأ ميكروب (Methanobacterium palustre) في إطلاق غاز الميثان بوفرة.

يقول لوغان إن «الميكروبات كانت ذات فعالية وكفاءة بنسبة نحو 80 في المائة، في تحويل الطاقة الكهربائية إلى غاز الميثان، وظل معدل إنتاج غاز الميثان عاليا، ما دام الخليط الميكروبي كان سليما، ولكن انخفض المعدل عندما تم وضع السلالة الميكروبية المعزولة النقية من (Methanobacterium palustre) بمفردها على القطب الكهربائي السالب، مما يوحي بأن فصل ميكروبات الـ«ميثانوغينز» عن غيرها من الأنواع الميكروبية، يجعلها أقل كفاءة عن تلك التي تعيش في مجتمع ميكروبي طبيعي.

يقول سبورمان إن «المجتمعات الميكروبية معقدة، فعلى سبيل المثال، البكتيريا المستهلكة للأكسجين يمكن أن تساعد على استقرار المجتمع الميكروبي، من خلال منع تراكم غاز الأكسجين، الذي لا يمكن أن تحتمله ميكروبات (ميثانوغينز)، وهناك ميكروبات أخرى تتنافس مع ميكروبات (ميثانوغينز) للحصول على الإلكترونات.. نحن نريد تركيبة مجتمعات ميكروبية مختلفة، لنرى كيف تتطور معا مع مرور الوقت».

ولتحقيق هذا الهدف، قام سبورمان بنقل الكهرباء إلى مزارع مختبرية، تتألف من سلالات مختلطة من ميكروبات (archaea and bacteria). هذه الحديقة الميكروبية تتضمن أنواعا بكتيرية تتنافس مع ميكروبات «ميثانوغينز» للحصول على ثاني أكسيد الكربون، الذي تستخدمه البكتيريا لعمل «الأسيتات أوالخلات» (acetate)، وهي صنف من المركبات العضوية الكيميائية التي تعد عنصرا مهما في صناعة الخل والمنسوجات ومجموعات متنوعة من المواد الصناعية الكيميائية.

يقول سبورمان، إنه «قد تكون هناك كائنات حية مثالية لصنع الخلات أو غاز الميثان، ولكن لم يتم تحديدها حتى الآن. نحن بحاجة للاستفادة من الكائنات الحية الجديدة غير المعروفة الموجودة».

وفي مختبر لوغان بجامعة ولاية بنسلفانيا، يتم تصميم واختبار تكنولوجيات القطب الكهربائي السالب المتقدمة، التي من شأنها تشجيع نمو ميكروبات «ميثانوغينز» ومضاعفة إنتاج غاز الميثان.

يذكر أن مختبر لوغان يركز بصفة رئيسية على تطوير تقنيات جديدة كيميائية كهربائية ميكروبية لتحقيق البنية التحتية للطاقة المستدامة للمياه، وقد تمكن لوغان وزملاؤه من اكتشاف طريقة لإنتاج الهيدروجين المستدام باستخدام خلايا التحليل الكهربائي الميكروبية (microbial electrolysis cells)، وهي طريقة لتحلية المياه، لا تتطلب الطاقة الكهربائية من الشبكة أو الضغوط العالية، وتسمى الخلايا الميكروبية لتحلية المياه (microbial desalination).

ويقوم أيضا الفريق البحثي بجامعة ولاية بنسلفانيا، بدراسة مواد جديدة للأقطاب الكهربائية، بما في ذلك ألياف شبكة الكربون، التي يمكن أن تلغي الحاجة إلى البلاتين وغيرها من المواد الحفازة للمعادن الثمينة.

يقول لوغان إنه «تمت فقط دراسة كثير من هذه المواد في النظم البكتيرية، وليس في المجتمعات البكتيرية المحتوية على ميكروبات (ميثانوغينز) أو الميكروبات العتيقة أو البدائيات». وأضاف أن «هدفنا النهائي هو خلق نظام فعال منخفض التكلفة موثوق به، يمكنه أن ينتج غاز الميثان بكميات كبيرة من الطاقة الكهربائية النظيفة، فهناك حاجة إلى أساليب جديدة لتخزين الطاقة وصنع جزيئات عضوية مفيدة، ومن دون اللجوء إلى الوقود الأحفوري».