«قمران وزيتونة» الفيلم السوري أضاء السينما العربية في دمشق

TT

سؤال من المدرس الى تلاميذه: ماذا تريدون ان تصبحوا عندما تكبرون؟ جاءت اجابة احد التلاميذ على استحياء وبينه وبين الاستاذ فقط حتى لا يسمعه احد: اريد ان اصبح قمرا يا أستاذ.

قال الاستاذ: قمر في السماء.

اجاب التلميذ: لا يا استاذ قمر على الارض حتى لا تغطيني النجوم.

روح الطفولة والتلقائية التي تصل الى عمق الحقيقة في كلمة أو اشارة أو لمحة هي التي تسيطر على كل مفردات فيلم «قمران وزيتونة» لعبد اللطيف عبد الحميد المخرج السوري المعروف. انه الفيلم العربي الوحيد الذي استطاع الصمود امام افلام جاءت من مختلف دول العالم تتنافس على جوائز مهرجان دمشق الدولي الثاني عشر.

«قمران وزيتونة» الفيلم السوري أكد ان السينما العربية مهما قيدتها ضآلة الامكانيات المادية وفداحة القيود الرقابية فإنها تستطيع ان تنفذ بجدارة الى الجوائز بدون مراعاة لخواطر السياسة.

مع «قمران وزيتونة» يقدم عبد اللطيف حالة فنية حقيقية. شيء ما ينتقل من لا شعور هذا المبدع الى الناس اتذكر فيلمه السابق على «قمران وزيتونة» وهو «نسيم الروح» كيف استطاع عبد اللطيف ان يمسك بهذا النسيم وقدم هذا النسيم الى جمهوره داخل شريط سينمائي.

وفي «قمران وزيتونة» كانت الرؤية ابعد، اننا نعود مع المخرج الى مطلع الستينات زوج مشلول يعيش مع عائلته المكونة من زوجة محرومة من كل شيء وابنة وابن في احدى القرى السورية التي تعيش في ظل قسوة الطبيعة حيث الثلوج والامطار والوحدة والوحشة. ينضم الى هذه الاسرة طفل قريب لهم يذهب مع الابن الى المدرسة ويضطر للاقامة مع هذه الاسرة لتعذر عودته الى منزله.

في هذه القرية نجد طقسا يوميا لا يتغير هو تشييع جنازة. يمر الطفلان في طريقهما الى المدرسة على عويل النساء وقرآن يتلى وتساؤل دائم بلا اجابة عن اسم الراحل. وذلك لأن الاهم هو الرحيل نفسه الذي يحدث يوميا مثل هطول المطر وجمع الحطب وتناول الطعام، الجميع ضحايا في هذا الفيلم: الاب العاجز عن الفعل لكنه لم يفقد بعد سلطته الابوية ولا تلك القبلة التي يطبعها الابن على يده قبل ان يذهب الى المدرسة.

الأم منوط بها حماية الاسرة فهي التي تزرع وتحصد وايضا تعاقب من يخطئ بحلق شعر الرأس.

وادت هذا الدور نورمان اسعد بحالة فنية تقف فيها على قمة شموخ الاداء لأنك لا تملك الا ان تبكي عليها وليس منها وهي تحلق شعر ابنها ثم ابنتها. بعد ذلك عبر المخرج عن حالة الاحتياج وهي تمسك بيد الزوج الباردة، يد فاقدة السخونة والحياة وجسد امرأة يفيض بالحياة وصوت نداء يخرج منها رغما عنها.

وداخل المدرسة يمارس المدرس الذي أدى دوره اسعد فضة العقاب على تلاميذه الذين يدفعون ثمن دروسهم بأعواد الحطب التي يرسلونها الى المدرسة ومن ابدع المشاهد تلك التي يحيي فيها التلاميذ العلم وعيونهم تتعلق عاليا حتى ترى العلم، اليد اليمنى تمتد اثناء التحية الى الجبهة بينما اليسرى تمسك بالحطب، ولهذا ينتظرون بفارغ الصبر نهاية التحية حتى يلقون بالحطب على الارض ويصفقون للعلم باليدين المتعبتين.

لم ينس المخرج في نهاية الفيلم المرحلة العمرية التي يمر بها ابطاله والتي تتمثل في التطور الطبيعي للجنس، ولهذا عثر على مساحة لكل ذلك في رؤيته السينمائية. لم ينس ايضا حالة التمرد على السلطة والتي عبر عنها بإحجام القمرين ـ التلميذين ـ عن الذهاب للمدرسة لأنهما يضيقان باسلوب التعليم المباشر والتقلين بالعصا.

انه فيلم عن الوطن والسياسة والحب، لكنك لا تجد فيه مرادفا مباشرا عن الوطن والسياسة والحب.

لقد حصل «قمران وزيتونة» على جائزة مهرجان دمشق الدولي الفضية، وكان «قمران وزيتونة» هو القمر الذي لا يحتجب ضوءه والزيتونة التي لا يجف زيتها، ولا تصنيع رائحتها.