الصدر: زرت أربيل رغم تحذير المالكي وسليماني.. وربما كلفتني الزيارة بعضا من شعبيتي

يكشف في مذكرات عن تفاصيل اللقاء مع بقية دعاة سحب الثقة.. واتهم الحكيم بـ«الوقوف على التل»

مقتدى الصدر
TT

على غير عادته، لا سيما مع كثرة الفتاوى والأجوبة التي كانت تصدر عن مكتبه يوميا فيما يتعلق بمختلف الشؤون السياسية والاجتماعية وغيرها وهو ما كان يشكل مادة دسمة لأجهزة الإعلام، فقد اختفى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر فجأة عن المشهد السياسي العام. فمنذ أكثر من شهر لم يلاحظ أي نشاط للصدر سواء في استقبال أحد أو إصدار فتوى أو بيان دون أن يثير الأمر أي لغط سياسي نظرا لكون الصدر مشغولا منذ سنوات بدراساته الحوزوية في قم بطهران.

لكن المفاجأة لم تدم كثيرا.. فبالأمس وعبر الموقع الرسمي لمقر الهيئة السياسية للتيار الصدري نشر الجزء الأول من مذكرات الصدر والتي خصصها للأزمة السياسية الحالية من خلال المحاور الرئيسية التالية، وهي زيارته إلى إيران ولقاؤه رئيس الوزراء نوري المالكي هناك بترتيب من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.. ومن ثم زيارته إلى أربيل والتي وصفت بأنها «تاريخية».. وقضية مشروع سحب الثقة من المالكي ومسالة ديكتاتوريته والملابسات التي ترتبت على ذلك كله.

المذكرات التي حملت عنوان «الهدف النبيل من زيارة أربيل» سعت إلى إماطة اللثام عما سبقها وما رافقها من لغط وكلام، لا سيما أن الصدر كشف في المذكرات عن أنه تلقى تحذيرا من كل من المالكي وسليماني بعدم الذهاب إلى أربيل ولقاء القادة الأكراد. وفي هذا السياق كتب الصدر عن لقائه بالمالكي برعاية سليماني «في نهاية المطاف أو اللقاء أخبرت المالكي بأنني سأذهب إلى (أربيل) أو كردستان، فهل من حاجة أبلغها لهم لتقريب وجهات النظر، فما كان جوابه إلا مصحوبا بتأييد (قاسم سليماني) بألا تذهب، فذهابك فيه مخاطرة أمنية وإضعاف شعبي، وقد وصفوا الأكراد بوصف لا أريد ذكره هنا.. فأبيت ذلك، وقلت أنها زيارة طبيعية ولا ضرر فيها أبدا».

ويقول الصدر عن أول لقاءاته مع مسعود بارزاني إنه كشف له «الكثير من الأمور التي كانت خفية عني، بسبب البعد المكاني بيننا، أو بسبب بعض ما يصلني ويصلهم من أمور تلاشت في أول دقائق من لقائي بالأخ مسعود بارزاني، وكان اللقاء اخويا جدا، أهم ما طرح فيه هو (سحب الثقة)، ولا مجال للحيلولة دونها.. فكان نقاشا طويا جدا جدا.. إن هذا المشروع الكبير ذو تشعبات كثيرة لا يمكن أن نقره بمجرد جلسة واحدة فقط، لأنه سيلقى مجابهة كثيرة وكبيرة، وخصوصا أني من الطائفة الشيعية في العراق، وهذا مما يؤدي إلى ابتعاد بعض الأطراف الشيعية عنا، وفي نفس الوقت فإن سحب الثقة يحتاج إلى أصوات كثيرة أجاب عنها الأخ بارزاني بأنَها موجودة ومن دون شك أو ريب، على الرغم من تشكيكي بذلك». ويضيف الصدر «التقيت في اليوم الثاني بفخامة رئيس الجمهورية الأخ جلال الطالباني في مقره وكان مؤيدا ضمنا لما طرحَ على الرغم من أنني وجدت تخوفا من بعض الأطراف الأخرى منه، لكنه قد طرح الأمر بوضوح وشفافية مما يعني أن هناك إجماعا كرديا على ذلك.. فجاء الأخ الدكتور إياد علاوي، الذي ما تردد للحظة على ما طرح، ولحقه أسامة النجيفي.. فإنني في طول ذلك كنت أوضح لهم أن هذا المشروع صعب المنال، وأنه يجب أن يكون مسبوقا بشيء أهم منه، وهو عدم التجديد لأي شخص لولاية ثالثة بخصوص رئاسة الوزراء على الإطلاق.. إلا أن رأيهم كان، على أنَ سحب الثقة مقدم وحاكم على ما طرحته».

الصدر وإن لم يكن نادما على زيارته أربيل إلا أنه أقر بأن مشروع سحب الثقة عن المالكي جاء على حساب ما كان يتمتع به من شعبية، لا سيما في الوسط الشيعي إذ يقول «لعل هذا ما حدث بعض الشيء، وما يحدث من ضجة إعلامية ضدنا مفبركة وممنهجة، حتى إنهم يعلنون بين حين وآخر، أن غلق الطريق إلى النجف القديمة يكون بسببي، على الرغم من أني أقيم خارجها وفي (حي الحنانة)، فما دخل النجف القديمة بالوفود التي تزورني؟».

وبينما حذر الصدر من إمكانية نشوب حرب طائفية في المنطقة فإنه وجه انتقادات نادرة لبعض أبرز القيادات الشيعية مثل رئيس التحالف الوطني إبراهيم الجعفري الذي رأى أنه صاحب أجندة حكومية، بينما وصف زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم بالوقوف على التل.

ومن بين أبرز ما عبر عنه الصدر على صعيد المعاناة الشخصية هو ما اعتبره من شخص رئيس الوزراء نوري المالكي، حيث أعطيته بعض النصائح وأعطاني بعض أعماله التي قام ويقوم بها، مبررا بعض ما حدث سابقا أو ما يحدث لاحقا.. وفي حين ادعى أن حزبه يمر بضائقة مالية، وخصوصا بعد أن قلت له: أنا أيدك في حربك ضد الفساد والسرقة، إلا أن هذا لا يكون ضد خصومك فقط، بل يجب أن يكون مع أتباعك أيضا.. فأجابني: (حزب الدعوة) لا فساد فيه.. وبطبيعة الحال فهذا ليس نص ما قلت وما قال، بل فحواه». ويضيف الصدر أنه ذكر المالكي بأن الرئيس الأسبق صدام حسين «قد تربع على كرسي الرئاسة ما يزيد على العشرين عاما، وفي حال ترشحك إلى رئاسة الوزراء للمرة الثالثة ستكون نصف هدام (صدام)، فما كان جوابه إلا أن قال: إن الدستور يعطيني الصلاحية بالترشح مرة وأربعا وعشرا وما إلى ذلك.. وكان هذا القول بحدة قليلا وبجد لا يشوبه مزاح أو تأويل.. فقلت له: يمكنك أن تتخلى عنها لفترة وتعود لها لاحقا، لكي لا يقال إنك متمسك بها.. فما أيدني أيضا، والله العالم.. ولكي لا أمحور الكلام في محور واحد ومصب واحد، فإن مما دار في تلكم الجلسة حديث حول فرض سيطرته على بعض الهيئات والوزارات، ولا سيما الأمنية وبعض مؤسسات الدولة، بل وحتى البنك المركزي وغيرها كثير مما لا يخفى على المتتبع أخباره وأخبار العراق الحبيب، وكان في كل ذلك يقول بعض المبررات التي قد يكون بعضها مقنعا والآخر ليس كذلك. ولكنني فهمت من كل الحديث أنه يريد فرض سيطرته على كافة الدولة بصغيرها وكبيرها.. وعلى الرغم من أن تلك الفكرة قد تكون صحيحة لما نسميه: بالمركزية وإلا أنني لا أوافقه بصورة أو بأخرى على الآليات المتبعة من قبله للوصول إلى ما سميته أنا وليس هو (بالمركزية)، فإن آلياته المتبعة من قبله قد لا توصل إلى (المركزية) بل إلى ما يسمى غالبا (الديكتاتورية)».

قياديو التيار الصدري لا يملكون بعد الكثير عن هذه المذكرات وما هو الدافع لنشرها في هذا الوقت بالذات. عضو البرلمان العراقي عن التيار الصدري عدي عواد أبلغ «الشرق الأوسط» ألا أحد من قياديي التيار الصدري يملك المعلومات الكافية عن هذه المذكرات أو الإذن بالكلام حولها طالما أنها مذكرات شخصية إلا بعد أن تأتي التعليمات من مكتب الصدر. ورفض عواد الحديث عن أي تداعيات يمكن أن يخلفها نشر مثل هذه المذكرات أو ما إذا كانت هناك فصول أخرى من هذه المذكرات.