«الفن ميدان».. معزوفة فنية تزاوجت فيها السياسة بالثقافة

شارك فيها الآلاف في ساحة قصر «عابدين» التاريخي بالقاهرة

احتفالية «الفن ميدان» الليلة قبل الماضية في ميدان عابدين بالقاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

في كرنفال فني اختلطت فيه الثقافة بالسياسة، شارك آلاف النشطاء المصريين في احتفالية فنية تحت عنوان «الفن ميدان» جرت الليلة قبل الماضية في ميدان عابدين بوسط العاصمة المصرية. ونظم الاحتفالية عدة ائتلافات شبابية خرجت من العباءة الثورية لميدان التحرير، على رأسها ائتلاف الثقافة المستقلة.

في الميدان كان من السهل أن ترى شبانا يرتدون القمصان المكتوب عليها عبارات مناوئة لجماعات الإسلام السياسي المتشددة ضد الفن وضد حرية التعبير. ويشعر بعض الشبان الإسلاميين بالغضب أيضا لكن كل فريق حتى الآن لا يحاول أن يقتحم ساحة الفريق الآخر، على الأقل في عروض ميدان عابدين. وتعطي الاحتفالية إشارة إلى أن نوعا من الثوار والسياسيين أصبحوا يشكلون تيارا مدنيا مفتوحا على التنوع والاختلاف السياسي والفني، وهو تيار يتناقض على ما يبدو مع التيار الإسلامي المحافظ الذي نأى بنفسه عن حضور احتفالية الليلة قبل الماضية التي استمرت من الساعة الثامنة مساء وحتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل.

ويقول محمد حسن، من حركة ائتلاف الشباب الاشتراكي: بدأت الفكرة بتجمعات صغيرة في الميادين على مستوى المحافظات، وذلك في الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011.. لكن أكبر احتفالية أقيمت في القاهرة قبل شهرين باستغلال الميدان الواسع وهو ميدان عابدين وهو قريب أيضا من ميدان التحرير، وبسبب تجمع الفنانين حازت الفكرة على إعجاب الكثير من النشطاء خاصة من يعرفون بأنصار الدولة المدنية. وأصبحت الفرق الشبابية الثورية من هذا النمط تضيء وتختفي في الميادين المصرية لتشكل نوعا جديدا من العمل السياسي المغموس في الشعر والموسيقى والرسم والنحت. كل شيء يبدو أنه يتشكل بطريقة تلقائية.. وفي الموعد المحدد في ميدان عابدين أو ميدان طلعت حرب أو غيرهما من الميادين المنتشرة في القاهرة والمحافظات، يتجمع العشرات من الشبان والفتيات، وبعد أقل من ساعة تجد أن العدد وصل إلى عدة آلاف، كما حدث الليلة قبل الماضية في العاصمة.

نصب الشبان المتطوعون مسرحا مكشوفا مزودا بالكهرباء والتقنيات الخاصة بالغناء والموسيقى، بينما كان عشرات الشبان يعرضون فنونهم التشكيلية من لوحات ومنحوتات ونسيج على جوانب الميدان الواسع. وظهرت من وراء الأضواء من أعلى المسرح أعضاء فرقة اسكندريلا، وبعد ذلك ارتفعت أصوات ألوف الشبان «عيش حرية عدالة اجتماعية». وبدأ العزف والغناء. وشاركت فرقة سهاري بعروضها الغنائية. وصدحت المغنية الفلسطينية ريم بنا، وفرق مصرية أخرى.. كما كان هناك الفنان أحمد إسماعيل حاملا عوده الثوري والذي قال إنه جاء ليشارك متطوعا في أداء فقرات. ويحب الجمهور سماع أغنيات من أداء إسماعيل ومغنين آخرين، للفنان المصري الراحل الشيخ إمام الذي كان يعزف على عوده في الظلام ولعقود ضد ظلم الرؤساء السابقين والراحلين. وبين الفقرات الفنية يتجول المشاهدون لشراء بعض التذكارات، بينما تتفتح في السماء ألوان الألعاب النارية، ومن بعيد يبدأ عرض «ستاند أب كوميدي» الذي يقدمه صلاح الدالي ثم تظهر وجوه لعدد من الشعراء والفنانين.. ومن بعيد ترى الملابس الملونة لعرض التنورة وفي الخلفية جماعات من الأطفال يتحلقون حول الأراجوز وهو يقلد بين حين وآخر الطريقة التي يتحدث بها السياسيون الجدد من أعضاء البرلمان الذين اشتهروا في الشهور الماضية من التيار الإسلامي. وتقول سناء محمد إن بعض التجمعات من بقايا ائتلاف الحركة الاحتجاجية التي أشعلت ميدان التحرير بالحماس لإسقاط حكم الرئيس السابق حسني مبارك خرجت من التحرير بعد سقوط النظام لتشكل تيارات شعبية ومدنية لمواجهة صعود التيار الإسلامي. لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد. حيث أعطت المجموعات الفنية الشبابية التي خرجت من بطن التحرير أيضا، زخما لكل هذه الكتل البشرية التي تبحث عن نقطة التقاء فنية في ميدان من الميادين. وأصبح العنوان الذي يوحد الجميع «الفن ميدان».

وحين اقتربت الساعة من الواحدة بعد منتصف الليلة قبل الماضية في ميدان عابدين الشهير أمام المقر التاريخي للقصر الجمهوري وأمام المبنى الإداري لمحافظة القاهرة، كان قد مر على هذا الميدان والمنصة التي تصدح بالأغاني الثورية آلاف من البشر. بينما وقف نحو خمسة آلاف يصفقون ويرددون أغاني مصرية وفلسطينية على موسيقى فنانين هواة ومحترفين أيضا.

ويقول أحمد صالح وهو من شباب التيار السلفي بوسط القاهرة إن السلفيين من الصعب أن يشاركوا في احتفالات «الفن ميدان» لأنها ليست إسلامية وفيها «الكثير من التصرفات غير الإسلامية»، وأضاف أن البعض من جمهور «الفن ميدان» يوجه انتقادات للإسلاميين، و«نحن لا شأن لنا بهم.. لكن نرفض الشتائم وكل مصري يحب بلده عليه أن يرفض الشتائم حتى لو كانت على سبيل المزاح، في هذه المرحلة».