الصين ترحب بالاتفاق النفطي بين الخرطوم وجوبا

جنوب السودان يتهم المجتمع الدولي بالانحياز إلى جانب السودان في المفاوضات

TT

رحبت الصين، أكبر مستوردي النفط السوداني، أمس بالاتفاق النفطي الذي توصل إليه السودان وجنوب السودان السبت وحثت البلدين على التحلي «بالشجاعة السياسية» لتسوية بقية الخلافات التي دفعت بهما إلى شفير الحرب. وأعلن كين غانغ المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في بيان «نرحب بهذا الاتفاق الذي توصل إليه السودان وجنوب السودان حول تقاسم موارد النفط».

وينص الاتفاق المبرم في أديس أبابا (إثيوبيا) على أن تدفع جوبا 9.48 دولار عن كل برميل نفط يصدر عبر السودان، إضافة إلى تعويض من دفعة واحدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار في انخفاض معتبر مقارنة بـ36 دولارا عن كل برميل كانت الخرطوم تطالب بها.

وأضاف غانغ أن «الصين تدعو السودانين إلى التحلي بالشجاعة السياسية والتعاون مع الجهود التي تبذلها الوساطة الدولية للحفاظ على الأجواء والديناميكية المواتية للتفاوض وحل الخلافات المتبقية». كذلك نوه بدور الاتحاد الأفريقي وحث جوبا على استئناف إنتاج النفط في أسرع وقت، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أمس.

وتعتبر الصين أكبر مستوردي نفط جنوب السودان وتقيم علاقات منذ فترة طويلة مع الخرطوم التي تشتري أيضا نفطها. ومنذ بداية النزاع بين السودانين حاولت الصين الالتزام بموقف حيادي. وقد منحت الصين بمناسبة زيارة قام بها رئيس جنوب السودان سلفا كير إلى بكين في أبريل (نيسان) الماضي، جنوب السودان قرضا قيمته ثمانية مليارات دولار لتطوير بنيته التحتية.

وقد ورث جنوب السودان ثلاثة أرباع الثروة النفطية من السودان قبل انفصاله لكنه يظل في حاجة إلى أنابيب الشمال لتصدير نفطه.

ونظرا لعدم التوصل إلى اتفاق حول الضريبة التي يجب أن تدفعها جوبا عن نفط جنوب السودان الذي يمر عبر أراضيه، قرر الشمال اقتطاع جزء من النفط لدى تصديره ما أثار غضب الجنوب الذي توقف عن الإنتاج. وحرم هذا القرار الدولة الحديثة العهد من 98% من مواردها وأدى إلى ارتفاع كبير للتضخم كما فاقم الوضع الاقتصادي المتردي أصلا لدى جارتها الشمالية.

من جهة أخرى، بدأت جوبا في إجراء الترتيبات الخاصة باللقاء المزمع عقده بين رئيسي جنوب السودان سلفا كير ميارديت والسوداني عمر البشير للتوقيع على اتفاق النفط والتفاوض حول قضية آبيي المتنازع عليها بين البلدين، في وقت اتهمت فيه الدولة حديثة الاستقلال المجتمع الدولي بالانحياز إلى جانب الخرطوم في المفاوضات حول القضايا العالقة بينهما. واعتبرت أن الولايات المتحدة وبريطانيا انتهجتا منهجا غير متوازن.

وقال الدكتور برنابا مريال بنجامين وزير الإعلام في جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط» إن حكومته بدأت في ترتيباتها لعمل التحضيرات اللازمة لعقد اللقاء بين الرئيسين سلفا كير ميارديت وعمر البشير والذي دعا إليه رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى ثابو مبيكي، لكنه لم يحدد موعدا لعقده. وأضاف: «اللقاء سيكون في وقت قريب». وكشف عن أن لقاء البشير وكير سيتم فيه التوقيع على اتفاق النفط الذي توصل إليه الطرفان السبت الماضي. وقال: «نعمل الآن على تحديد موعد اللقاء خاصة أن مبيكي حدد 22 سبتمبر (أيلول) المقبل الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق في كافة القضايا العالقة». وأضاف: «سيتم التوقيع على اتفاق النفط ومن ثم التفاوض حول قضية آبيي لاتخاذ قرارات بشأنها إلى جانب قضايا الترتيبات الأمنية والحدود والمواطنة».

واعتبر بنجامين تكرار الخرطوم بالحديث عن عدم سريان اتفاق النفط قبل تنفيذ القضايا الأمنية بأنه موقف يخصها. وقال: «السودان كان يكرر أنه لن يدخل في القضايا العالقة مثل النفط وغيرها قبل التوصل إلى اتفاق حول الترتيبات الأمنية والآن حدث العكس اتفقنا على موضوع النفط». وأضاف أن الخرطوم تقصد بالترتيبات الأمنية الحرب الدائرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، مجددا رفض حكومته إقحامها في تلك الحروب. وقال: «قرار مجلس الأمن الدولي 2046 واضح وخارطة الطريق التي أصدرها الاتحاد الأفريقي واضحة.. على السودان أن يتحاور مع الحركة الشعبية في الشمال»، مؤكدا استعداد رئيس بلاده سلفا كير بمساعدة البشير في التوصل إلى حلول مع الحركة الشعبية في شمال السودان وإنهاء الحرب في المنطقتين.

وحول التقرير الذي نشره أحد المواقع الأميركية وزعم فيه أن سلفا كير أرسل خطاب اعتذار إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما عن أن جوبا تقدم دعما للمتمردين في جنوب كردفان والنيل الأزرق، قال بنجامين إن هذا التقرير فيه كذب كبير ولا علاقة له بالحقيقة إطلاقا. وأضاف «أن موقع (ماكلاتشي) ظل يعمل مع الخرطوم منذ زمن طويل وكاتب التقرير موجود في نيروبي ولديه الكثير من مثل هذه التقارير ضد الجنوب»، متهما الموقع بأنه ينشر ما تريده الحكومة السودانية ضد جنوب السودان. وقال: إن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عند زيارتها جوبا الجمعة الماضي كانت قد سلمت الرئيس سلفا كير رسالة من أوباما يؤكد فيها على ضرورة التعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتنموية والاستثمار.

وكان التقرير في موقع «ماكلاتشي» الأميركي قد أشار إلى أن رئيس جنوب السودان سلفا كير قد أرسل خطاب اعتذار إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما شرح فيه الأسباب التي دعته ينكر مرتين دعمه للمتمردين السودانيين. وقال التقرير إن البيت الأبيض غضب منه. وأضاف أن كير أرسل رسالة إلى أوباما اعتذر فيها وكتب أنه لم يعرف عن الدعم العسكري للمتمردين ضد البشير.

من جهة أخرى اتهم كبير مفاوضي جنوب السودان باقان أموم المجتمع الدولي بالوقوف إلى جانب السودان في المفاوضات الجارية حول القضايا العالقة في النفط وترسيم الحدود ومنطقة آبيي. وقال: إن انحياز المجتمع الدولي كان واضحا وانتهج نهجا غير متوازن في الخلافات بين الخرطوم وجوبا. وأضاف أن المجتمع الدولي صمت عن مصادرة السودان لنفط بلاده أواخر العام الماضي حتى أغلقت آبار النفط. وقال: إن واشنطن ولندن مارستا ضغوطا على جوبا لإعادة فتح آبار النفط وتصديره عبر السودان. وأضاف: «بالنسبة للمجتمع الدولي إعادة فتح الآبار كانت مصلحته في ضوء الأثر الذي كان على الأسواق الدولية». وقال: إن المجتمع الدولي ظل يبحث عن حل سريع للمفاوضات الجارية دون الاعتبار لجوانب أخرى من المناقشات مثل ترسيم الحدود ومستقبل منطقة آبيي المتنازع عليها. وتابع: «القوات المسلحة السودانية ما زالت في آبيي في الوقت الذي نتحدث فيه الآن».