قرية رئيس الوزراء الهندي في باكستان تنتظر زيارته

«القرية النموذجية» لرمز الوحدة بين إسلام آباد ونيودلهي باتت أشبه بمدينة الأشباح

مسقط رأس رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ يشهد طفرة في المرافق العامة («واشنطن بوست»)
TT

يغطي الغبار والروث أرضية مركز الصحة العامة بقرية جاه الباكستانية الذي لم يفتح مطلقا، وتبني الطيور أعشاشها على مدخل المدرسة الثانوية للبنين التي لم تفتح أبوابها للطلبة من قبل، كما لم يأت الموظفون للعمل في المركز المهني للمرأة الذي تم بناؤه في الآونة الأخيرة. وكان من المفترض أن تكون هذه «القرية النموذجية»، التي تقع في الأراضي الزراعية الجافة في إقليم البنجاب، بمثابة رمز للوحدة بين باكستان والهند، ولكنها باتت أشبه بمدينة الأشباح التي تجسد الجهود التي كثيرا ما تتعثر بين البلدين في إطار المباحثات الرامية إلى تسوية النزاعات التاريخية بينهما.

ولعل أكثر شيء يلفت النظر في قرية جاه، التي تضم 300 منزل من الطوب اللبن وتقع على بعد نحو 60 ميلا من جنوب غربي العاصمة الباكستانية إسلام آباد، هي أنها مسقط رأس رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ الذي تلقى دعوة الشهر الماضي من الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري لزيارة قرية جاه في إطار الجولة الأخيرة مما يسمى بـ«الدبلوماسية الناعمة» بين الدولتين النوويتين.

وتأتي هذه الدعوة في الوقت الذي تشهد فيه العلاقة بين البلدين تحسنا نسبيا، على الأقل من الناحية التجارية. وكانت الهند قد اتخذت قرارا الأسبوع الماضي يسمح بالاستثمارات الباكستانية، سواء من قبل الأشخاص أو الشركات، وهو ما يعد علامة أخرى على التطور الذي تشهده العلاقات بين البلدين، ولكن لم يقم أي من الجانبين بتقليل عدد الجنود الموجودين على الحدود.

وتعد هذه الدعوة هي الثانية من نوعها لسينغ والتي تظهر حسن النية الباكستانية، حيث كان من المقرر أن يأتي سينغ إلى قرية جاه منذ عدة سنوات بناء على دعوة من الحاكم العسكري آنذاك برويز مشرف الذي تبنى عملية للسلام مع الهند عام 2004. عندما تولى سينغ رئاسة الوزراء عام 2004.

وفي ظل حكم مشرف، تدفقت الأموال على قرية جاه من حكومة إقليم البنجاب الذي كان يسيطر عليه حزب مشرف، وكان يتم تمويل الطرق ومشروعات المياه ومرافق الخدمات الاجتماعية. وسمحت باكستان لفريق من الخبراء الهنود من معهد الطاقة للسفر إلى قرية جاه لتثبيت مصابيح الشوارع التي تعمل بالطاقة الشمسية وإنارة المنازل وإدخال أنظمة المياه الساخنة في مسجد القرية.

وبعد ذلك، تم إلغاء زيارة سينغ عام 2007 بسبب الأزمة السياسية التي أدت إلى الإطاحة بمشرف عام 2008. وقد أدت الهجمات على مومباي في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من ذلك العام – والتي اتهمت الهند نشطاء باكستانيين بالضلوع فيها – إلى تدهور العلاقات الثنائية التي كانت تعاني بالفعل نتيجة عداوات وشكوك قديمة بين البلدين.

وعلق الدبلوماسيون المحادثات التي كانت تعقد بانتظام بشأن النزاعات المتعلقة بالحدود، بما في ذلك القضية الرئيسية المتعلقة بإقليم كشمير ذات الأغلبية المسلمة والواقع في جبال الهيمالايا والذي قامت من أجله 3 حروب بين الهند وباكستان منذ استقلال الدولتين عن الاحتلال البريطاني منذ 65 عاما.

وبناء على ذلك، توقف تدفق الأموال التي كان يتم استخدامها في مشروعات القرية، وحتى المدارس والمؤسسات التي تم بناؤها بالفعل لم تعمل مطلقا.

وفي هذه القرية الفقيرة، جعلت دعوة سينغ البعض يشعر بالأمل في تحسن العلاقات، في حين شعر البعض الآخر بخيبة الأمل. وقال غلام مرتضى، وهو مدرس بالمرحلة الابتدائية يبلغ من العمر 38 عاما، وهو يقف خارج العيادة الطبية المغلقة: «إننا مستاءون من عدم وجود متابعة، ونتيجة لذلك لا يوجد أي شيء هنا، وهو ما يؤثر بالسلب على الفقراء».

وكانت عائلة مرتضى قد تبرعت بقطعة الأرض التي تم بناء المدرسة الثانوية للبنين عليها، عندما طلبت حكومة إقليم البنجاب المساعدة من سكان القرية. وأضاف مرتضى: «لقد التزمنا بالعهود التي قطعناها على أنفسنا، ولكنهم لم يلتزموا بعهودهم. كل ما يحدث ما هو إلا مضيعة للوقت».

وقال عبد الخالق، وهو أحد زعماء القرية والذي يعمل منذ وقت طويل لتحقيق التنمية الاقتصادية، إن زيارة سينغ سوف تسلط الضوء على توق الباكستانيين العاديين للسلام، مضيفا: «إننا نريد السلام ونؤمن بأن كلا البلدين بحاجة إلى الجلوس سويا لحل القضايا العالقة بينهما والاتفاق على ضخ مزيد من الأموال على التنمية وليس على القدرات الدفاعية».

وأصبحت قرية جاه في دائرة الضوء عندما تولى سينغ رئاسة الوزراء، وعمل نظيره الباكستاني تشودري شجاعت حسين على تحويل قرية جاه إلى قرية نموذجية وأمر بأن تحمل المدرسة الابتدائية للقرية اسم سينغ، الذي درس بها عندما كان صغيرا. وقام زملاء سابقون لسينغ بإرسال رسائل تهنئة له على ذلك.

والآن، ينظر سكان القرية إلى هذه المدرسة نظرة تبجيل وإعزاز، حيث التحق بها سينغ، وهو ابن أحد التجار، في السابع عشر من أبريل (نيسان) عام 1937 وكان رقم 187 في سجلات المدرسة وبقي بها حتى الصف الرابع. وتظهر سجلات المدرسة أن مستوى سينغ كان في تحسن مستمر. وكان سينغ، الذي حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد وشغل منصب وزير المالية في الهند، قد درس الرياضيات والجغرافية واللغة الأردية التي كانت اللغة الأكثر شيوعا في هذا المكان الذي أصبح باكستان بعد ذلك.

ويتحدر سينغ من عائلة تنتمي لطائفة السيخ هاجرت إلى إقليم البنجاب الهندي عام 1947 عندما انقسمت شبه القارة التي كان يسيطر عليها البريطانيون إلى دولتين منفصلتين.

واقترح زرداري أن يأتي سينغ إلى باكستان في شهر نوفمبر لأنه يتزامن مع عيد ميلاد قديس من طائفة السيخ، وقال زرداري في خطابه لسينغ إن تلك المناسبة من شأنها أن تعمل على «تعزيز رغبتنا المشتركة في دعم الوئام بين الأديان».

وكان الرئيس الباكستاني قد ذهب للهند في رحلة حج لزيارة ضريح قديس صوفي. ويبدو أنه قد تم استغلال هذه الزيارة بشكل جيد في قرية جاه التي يتحدث ساكنوها عن التعايش السلمي بين الهندوس والسيخ والمسلمين. وعن ذلك يقول مرتضى، الذي كان والده، المسن والمريض الآن، زميل دراسة لسينغ: «كان هذا الوقت أفضل من الآن. لم يكن هناك أي تفرقة على أساس الدين أو أي شيء آخر». وأضاف مرتضى، نقلا عن ذكريات والده: «كان الأطفال يلعبون مع بعضهم البعض ويذهبون لمنازل بعضهم البعض، ولم يكن هناك أي شكل من أشكال التفرقة، وكان هناك تعليم مختلط».

وتتوقف حقيقة ما إذا كان سينغ سيتجول مجددا في الشوارع الضيقة لتلك القرية التي قضى بها طفولته على عدة عوامل لا يمكن التنبؤ بها. وتقوم السلطات الهندية بمراقبة الوضع السياسي في باكستان، حيث قامت المحكمة العليا في الآونة الأخيرة بإقالة رئيس الوزراء من منصبه بتهمة ازدراء المحكمة وهي في طريقها للإطاحة بخليفته أيضا.

وفي ظل هذه الحالة من عدم اليقين، لا تريد نيودلهي تقديم أي إعلان رسمي عن زيارة سينغ ولا تريد تكرار الموقف الذي حدث مع مشرف.

ومن المقرر أن يقوم وزير الخارجية الهندي سامانهالي كريشنا بزيارة إسلام آباد لعقد مباحثات مع القادة الباكستانيين في شهر سبتمبر (أيلول). وستتطرق المباحثات إلى النزاع الحدودي بين البلدين حول شريط سير كريك المائي الذي يمتد بطول 60 ميلا والذي يطل على بحر العرب ويقع بين ولاية غوجارات الهندية وإقليم السند الباكستاني. وعلاوة على ذلك، قد يتم التوصل إلى اتفاق يتحرك بمقتضاه رجال الأعمال من كلا الجانبين عبر الحدود بحرية أكبر.

وقال راجديب أوبال، وهو نائب رئيس غرفة أمريتسار التجارية للمصدرين: «الحصول على تأشيرة رجال الأعمال أمر مرهق، حيث يتعين عليك السفر إلى دلهي والحصول على كافة أنواع الخطابات من باكستان والحصول على تصريحات محددة وفقا للمدينة. وبعد ذلك، يتعين عليك إخبار قسم الشرطة في كل مرة تدخل فيها إحدى المدن الباكستانية أو تخرج منها».

وأضاف أوبال، الذي يقوم بتصدير الخضراوات والتوابل إلى باكستان ويستورد الإسمنت منها: «إننا نطالب ببعض التغييرات منذ سنوات كثيرة، ولكن يبدو الآن أن الحكومتين تهتمان بالأعمال، وتجاوزا مجرد الحديث واتجهوا للعمل».

وكان أوبال يتحدث بتلك النبرة المتفائلة متوقعا أن يقوم كلا البلدين بإضفاء الطابع الرسمي على تلك الاتفاقية في إسلام آباد في شهر مايو (أيار)، وهو ما لم يحدث، حيث أجلت باكستان التوقيع على تلك الاتفاقية بحجة الحاجة إلى مزيد من المداولات على «المستوي السياسي».

وثمة عقبة أخرى في طريق تحسن العلاقات بين البلدين وهي مومباي – وتحديدا رفض باكستان المستمر لقبول الأدلة التي تسوقها الهند والتي تشير إلى تورط باكستانيين في المذبحة التي استمرت ثلاثة أيام وقتل فيها 166 شخصا. وعلاوة على ذلك، رفض مسؤولون باكستانيون اعتقال محمد حافظ سعيد، وهو مؤسس جماعة عسكر طيبة المسلحة التي تتهمها الولايات المتحدة والهند بالضلوع في هجمات مومباي.

وفي قرية جاه، التي لم تدخلها الكهرباء سوى عام 1998، فإن مثل هذه الخلافات لا تحظى بنفس أهمية القضايا الاجتماعية والاقتصادية الأساسية، حيث تحتاج القرية إلى الأطباء، علاوة على أن المدرستين الموجودتين بالقرية – واحدة للبنين وأخرى للبنات – مغلقتان بانتظار المدرسين.

ومع ذلك، قال غلام مرتضى إنه لم يعد يعول على القادة الباكستانيين، ولكنه يتطلع إلى الهند وإلى رئيس الوزراء المولود في قرية جاه، مضيفا: «لو قام رئيس الوزراء الهندي سينغ بزيارة القرية سيكون هناك اختلاف كبير، لأن الناس هنا سوف يخبرونه بمشاكلنا، وهذا هو أملنا الوحيد».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»