غياب التيار الكهربائي رمز عدم المساواة في الهند

الأثرياء يجدون طرقا للتكيف مع ضعفها.. والفقراء يعيشون في الظلام

الأطفال يستذكرون دروسهم على ضوء الشموع (واشنطن بوست)
TT

يرخي الليل سدوله سريعا في هذه القرية الهندية وسرعان ما يخيم الظلام الدامس عليها. وعند السابعة والنصف، يرقد الرجال والنساء والأطفال على الأسرة المصنوعة من الخيش أمام منازلهم. والأصوات الوحيدة التي تكسر الصمت هي أصوات الضفادع وصرصار الليل وحركة المراوح اليدوية. في السهول الشمالية بالهند، لم يكن يدرك الكثيرون أن نصف البلاد عانى من انقطاع التيار الكهربائي الأسبوع الماضي. قليلة هي المنازل التي بها كهرباء هنا، وحتى هذه المنازل لا تصل إليها إلا بصورة متقطعة، مما يجعل أكبر إخفاق في توفير الكهرباء في التاريخ لا شيء مقارنة بهذا الإخفاق. ولم يتم توصيل الكهرباء إلى منازل نحو ثلث سكان الهند، أي ما يقرب من 400 مليون نسمة، مما يعزلهم عن التنمية والتقدم والفرص التي تمثلها الكهرباء. ويعيش الكثير منهم هنا في آوتار براديش وبيهار على سهول نهر الغانغ المزدحمة في الشمال. ربما يكون الحرمان من الكهرباء هو أبرز مثال لعدم المساواة الذي لا يزال يعجز هذه البلاد، ولإخفاق الحكومة التي تعرقل تطلعات ازدهار الاقتصاد.

ويقول أشيش خانا، كبير خبراء الكهرباء في البنك الدولي في الهند: «من الناحية الاقتصادية، يعد عدم توافر الكهرباء على الأرجح أكبر عائق للنمو في الهند». وتوضح الدراسات التي أجراها البنك الدولي أن عدم انتظام التيار الكهربائي في الهند يعد العائق الأساسي للاستثمار وتوفير فرص العمل هنا، حيث لا يمكن أن تعمل عيادات الرعاية الطبية بكفاءة من دون وجود تيار كهربائي أو ثلاجات لحفظ الأدوية، ولا يمكن للأطفال أن يستذكروا دروسهم في الظلام. ويفسر غياب التيار الكهربائي ترتيب الهند المتدني في تصنيف التنمية البشرية على مستوى العالم، وكذلك يعتقد أن الضباب الدخاني الذي يلف هذه السهول الشمالية نتيجة انتشار استخدام الحطب والروث في الطهي من أسباب سرعة ذوبان الجليد في الهيمالايا.

وفي الوقت الذي يجد أثرياء الهند طرقا للتكيف مع ضعف شبكات الكهرباء من خلال تشغيل البطاريات أو مولدات الكهرباء التي تعمل بالديزل، يعتمد الفقراء على حكومة اعتادت الفشل في توصيل الكهرباء إليهم.

لا يوجد في أي منزل من الأربعمائة في قرية كاتايان كهرباء، وهو ما يمثل عارا بالنسبة إلى غولابي أمير خان، البالغة من العمر 35 عاما، عند زيارتها لأقاربها في القرى التي بها كهرباء. وتتساءل بينما تعد الطعام على موقد يعمل بالحطب في مطبخها القذر المتكدس: «لدي ثلاثة أطفال، لكن هل ستكون لديهم فرصة في حياة أفضل؟ إنهم لا يشاهدون التلفزيون لتعلم أي شيء مثل الأطفال الآخرين. إنهم لا يستطيعون القراءة في المنزل. علينا أن نعيش في الظلام والجهل».

وفي منزل قريب، يحاول كامليش ياداف ذو الثلاثة عشر ربيعا جاهدا أن يقرأ كتبه الدراسية على ضوء مصباح. يقول: «عيناي تؤلماني، وأشعر بألم في الرأس. أداء الصبية القادمين من قرى أخرى بها كهرباء أفضل كثيرا». وكثيرا ما تأتي محاولات ياداف استذكار دروسه في المرتبة الثانية، حيث مهمته الأساسية هي مراقبة المتاجر القليلة في المنطقة التي تنعم بالتيار الكهربائي بعض الوقت. ويقول: «إذا رصدت الضوء عن بعد، علي أن أركض بهاتف أبي الجوال إلى واحد من تلك المتاجر حتى أشحنه مقابل 5 روبيات (10 سنتات)».

خطة توفير الكهرباء منذ سبع سنوات، وضعت الحكومة الهندية خطة طموحة لتوصيل الكهرباء إلى كافة القرى والمنازل بحلول عام 2012. وبحسب الإحصاءات الرسمية يبلغ عدد القرى التي تتوفر بها الكهرباء في البلاد مائة ألف، ورغم أن هذا الهدف لن يتم تحقيقه، ارتفعت نسبة القرى المتوافر بها التيار الكهربائي من 75% إلى ما يزيد على 90% العام الماضي. وتعد قرية كينواسيا نموذجا، حيث من المفترض أن الكهرباء متوافرة بها بحسب الإحصاءات، لكن فقط بعض المنازل هي المتصلة بشبكة الكهرباء، وليست بالقدر الكافي.

ويقول باوان، سائق ريكشا تعمل بمحرك تحولت إلى شاحنة سلع: «تنقطع الكهرباء أربع مرات كل ليلة. أما خلال ساعات النهار، فنادرا ما نحظى بثلاث ساعات من الكهرباء، وتكون ضعيفة بحيث لا تكفي لتشغيل أي جهاز في المنزل. الثلاجة والتلفزيون في غيبوبة. أما المراوح فتتحرك لكن لا يصل إلينا أي هواء. كل ما يمكننا فعله هو شحن هواتفنا الجوالة».

الوضع أسوأ في المناطق الفقيرة من القرية، التي يسكنها المنبوذون الذين يمثلون أدنى طبقة في الهند. ولا يوجد بها أي منزل موصل بالكهرباء، حيث يقول داي تشاند، الذي ناضل من أجل توصيل الكهرباء إلى قرية كينواسيا، إن الفقراء لا يمكن أن يستمتعوا بهذه الخدمة. ويوضح قائلا: «عليهم دفع نقود للمهندسين وفني الكهرباء. وتختلف قيمة الرشاوى، فالمقابل المادي لتركيب عمود إنارة يختلف عن المقابل المادي لتركيب محول وسلك ووصلة». وتنقطع الكهرباء بين الحين والآخر، وإجراءات الحصول على خط كهرباء معقدة ومرهقة، لذا تنتشر الرشاوى مما لا يجعل الناس لا يهتمون.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»