العيد في الخرطوم.. زحام وغلاء مستطير

كانت شوارعها فيما مضى من أعياد تكاد تخلو من السيارات

المصلون أثناء صلاة العيد.. وبعد انقضائها يهنئون بعضهم بعضا والأطفال ينتظرون «عيدياتهم» (رويترز)
TT

اعتادت الخرطوم التقاط أنفاسها في عطلة العيدين، والتخلص من بعض زحامها، مثلما اعتاد أهلها «الأصليون» على تنسم هواء أقل تلوثا أيام العيدين، لأن أعدادا كبيرة من سكانها من أبناء الولايات والأرياف، يغادرونها لقضاء العطلة بين الأهل والعشيرة في أنحاء البلاد المختلفة.

كانت شوارعها فيما مضى من أعياد تكاد تخلو من السيارات ودخان عوادمها، وكانت متاجر وسط المدينة تسد أبوابها، لأن معظم العاملين بها من الأرياف البعيدة والقريبة، بل وتختفي كثير من حافلات النقل العام الداخلية (مايكروباص) من الشوارع، لأنها إما سافرت خارج المدينة، أو تركها سائقوها ليلحقوا العيد.

أما هذا العام فاختلف الوضع كثيرا، فشوارع المدينة ما زالت تضج بسياراتها، وكثير من المتاجر أعادت فتح أبوابها منذ اليوم الثاني، أو لم تغلقها أصلا، ومحطات النقل البري مكتظة بالحافلات ولا أعداد غفيرة من المسافرين.

يرى سكان الخرطوم الأصليون - أو هكذا يرون أنفسهم - أن الغلاء أجبر «الجاليات الريفية» على قضاء عيدهم في الخرطوم، فضاعت عليهم «الخلوة بمدينتهم».

ولعب ارتفاع أسعار تذاكر السفر إلى الولايات دورا كبير في الحد من السفر، مثلما لعب «غلاء المعيشة» العام دورا في التأثير على مدخرات الناس، وما يشترونه من هدايا وما يحملونه من مساعدات للأهل هناك، ما جعل كثيرين منهم يرجئون السفر - ربما - إلى عيد الأضحى المقبل.

فـ«الميناء البري» بالخرطوم، أحد أكبر تجمعات حافلات النقل البري، خلا من زحامه المعهود وشهد حالة سكون غير معهودة طوال الأيام الأخيرة من الشهر الكريم والأيام التالية.

عدد من المسافرين القلائل نسبيا، على الرغم من وفرة حافلات النقل العام اشتكوا لـ«الشرق الأوسط» من أسعار التذاكر، إذ زادت أكثر من مرة خلال العام، ودرجت «غرفة اتحاد أصحاب الباصات السفرية» على زيادة التعرفة أيام الأعياد لإغراء الحافلات على العمل أيام العيد، وتعويضهم عن عودة حافلاتهم فارغة، إذ تكون حركة السفر إلى خارج الخرطوم أيام العطلة، وإليها بعد نهايتها.

وقدر متوسط المسافرين اليومي هذا العام بـ145 ألف مسافر بعد أن كان يتجاوز الـ250 ألفا في الأعوام الماضية، نقلتهم نحو 750 حافلة يوميا، بعد أن كان عدد الحافلات في الأعياد السابقة يقارب الألف في العيد.

وزاد سعر التذكرة إلى المدن المختلفة بقرابة 30 في المائة عنها في الأيام العادية، إذ تراوح سعر التذكرة إلى المدن القريبة بين 28 و45 جنيها، بعد أن كان بين 22 و35 جنيها للراكب، بينما ارتفعت قيمة التذكر بقرابة 50 في المائة للمدن البعيدة، مثل الأبيض والقضارف وبورتسودان وغيرها.

وقال المواطن أحمد أبكر المسافر إلى الأبيض غرب البلاد، إنه اضطر لترك أسرته في الخرطوم، بسبب غلاء التذاكر، على الرغم من أنها اعتادت العيد في «البيت الكبير» كل عام، لكنه وأسرته البالغ عدد أفرادها 9 يحتاج لمبلغ يقارب الألف جنيه في رحلة الذهاب، وآخر في رحلة العودة، وهو مبلغ يتجاوز مقدراته كليا، وحتى لو توفر له مثل هذا المبلغ، فلماذا يدفعه لأصحاب الحافلات، مثلما قال لـ«الشرق الأوسط».

أما الذين اعتادوا السفر بسياراتهم الخاصة، فقد قل عددهم هذا العام بسبب ارتفاع أسعار الوقود، يبلغ سعر «غالون البنزين» 12.5 جنيه بعد أن كان في العام السابق لا يتعدى 6.5 جنيه. يقول موسى آدم إنه اعتاد السفر وأسرته إلى القضارف على سيارته الصغيرة سنويا، لكن إطاراتها تحتاج لتبديل، لكن سعرها هو الآخر تضاعف كثيرا. ويضيف: «كان سعر (زوج الإطارات) لا يتعدي 700 جنيه، والآن قارب 1500، فمن أين آتي بالفارق ودخلي الشهري ما زال على ما هو عليه؟!»، وأضاف: «سأكتفي بالمعايدة على الوالدة والوالد هاتفيا، وبدلا من صرف هذا المبلغ سأرسل جزءا منه لهم كـ(عيدية)».

أما عبد العزيز طه وأسرته التي تعد نفسها «خرطومية» بلا امتدادات في الولايات، فيقول إنهم كانوا في الأعياد السابقة ينتظرون الأعياد لـ«يشموا الهواء» بعد أن تخلو لهم المدينة، لكن الحال هذا العام تغير ولم يغادر الكثيرون، ويضيف: «الله يجازي من كان السبب، فقدنا حتى فرصة أن نخلو بمدينتا».

وتقول إحصاءات غير رسمية أن أعداد من غادروا المدينة هذا العام لا تتجاوز نصف العدد الذي كان يغادرها في السابق، وإن أكثر من مليون كانوا يغادرون، أما هذا العام فلم يتجاوز العدد 600 ألف.

وتقول تقديرات رسمية أن سكان الخرطوم البالغ عددهم زهاء (4) مليون نسمة يغادر نصفهم تقريبا المدينة في عطلات الأعياد.

وهكذا عاشت الخرطوم عيدها وهي مكتظة بالناس وبالسلع مرتفعة الأثمان وبالمحرومين من «دفء العشيرة»..!