الأميركيون يستذكرون هجمات 11 سبتمبر قريبا.. وينسون بوش

دعوات لإحياء ذكرى زيارة الرئيس السابق للمركز الإسلامي بواشنطن بعد 6 أيام من الهجوم

صورة أرشيفية للرئيس الأميركي السابق جورج بوش خلال زيارته للمركز الإسلامي في واشنطن
TT

في خلال الأيام المقبلة، سوف تحل الذكرى السنوية لحدثين بارزين. أولهما بالطبع هو هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، التي تحل الثلاثاء من هذا العام، وهو اليوم نفسه الذي وقعت فيه في عام 2001، عندما قام إرهابيون من تنظيم القاعدة يستقلون أربع طائرات مختطفة بشن هجوم راح ضحيته أكثر من 3 آلاف أميركي. ومن خلال مراسم التأبين على المستوى العام ودموع الحزن على المستوى الخاص، سوف تستحضر ذكرى المتوفين وتثار الأحزان مجددا.

وتتمثل الذكرى السنوية الأخرى في الزيارة التي قام بها الرئيس جورج بوش الابن إلى أحد مساجد واشنطن بعد ستة أيام فقط من وقوع الهجوم؛ حيث شن هجوما بأسلوب فصيح على المضايقات التي يتعرض لها العرب والمسلمون الذين يعيشون في الولايات المتحدة وأشار إلى ضرورة احترام الإسلام.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الفعل الذي ينم عن سمات القيادة الحكيمة قد تلاشى من الذاكرة الجمعية القومية. لكنه في واقع الأمر يستحق أن يشار إليه بالبنان وأن يحظى بالتقدير.

في لحظته الفورية، ربما يكون ظهور بوش في المركز الإسلامي بواشنطن قد أسهم في تخفيف حدة الهجمات اللاذعة على المسلمين الأميركيين وعلى فئات، أمثال الشيوخ، ممن كان ينظر إليهم بمحمل خاطئ على أنهم متطرفون. على مستوى السياسة، أسهمت كلمات الرئيس في إبراز أنه على عكس فرانكلين روزفلت بعد الهجوم على بيرل هاربور، لم يكن ليسجن أو يعاقب بشكل جماعي المواطنين الأميركيين الأبرياء الذين تصادف تماثلهم في الدين أو العرق مع الأعداء الخارجيين.

وبعد الإشادة بالمسلمين الأميركيين بوصفهم «أصدقاء» و«مواطنين يدفعون الضرائب» في تعليقاته بالمسجد، واصل بوش حديثه قائلا: «أعمال العنف الموجهة ضد الأبرياء تخالف المبادئ الأساسية للإسلام. ومن المهم أن يفهم الشعب الأميركي ذلك». واستشهد بآية قرآنية مفادها أن من يقترفون آثاما في الدنيا سيكون جزاؤهم العذاب الأليم في الآخرة. بعدها، واصل خطابه قائلا: «مظهر الترهيب والترويع ليس هو الوجه الحقيقي للإسلام. ليس هذا هو جوهر الإسلام. الإسلام هو السلام. هؤلاء الإرهابيون لا يمثلون السلام. إنهم يمثلون الشر والحرب».

بعد مرور اثني عشر عاما، يتم التعامل مع بوش بوصفه قائدا ملهما لا يحظى بالتقدير في وطنه. فلم يرد ذكره في المؤتمر الجمهوري الأسبوع الماضي سوى من خلال إشارة عابرة، وقد شن مرشحون رئاسيون سابقون، أمثال نيوت غينغريتش وهيرمان كاين وميشال باشمان هجوما عنيفا ضد المسلمين. كانت الإشارات الوحيدة إلى بوش في المؤتمر الديمقراطي الذي عقد في تشارلوت بولاية نيويورك هذا الأسبوع مرتبطة بالحرب في العراق والانهيار الاقتصادي الذي حدث خلال الأشهر الأخيرة من توليه منصبه.

غير أنه دائما ما كان هناك جانب آخر لبوش، حاضرا في تعريفه لنفسه بوصفه «محافظا مرهف الحس» من خلال إيمانه العميق واحترامه للأديان جميع. ربما يكون أكثر الرؤساء الجمهوريين غير المتعصبين منذ عهد لينكولن، من خلال قيامه بتعيين أميركيين من أصل إسباني وأميركيين سود في مناصب مهمة بالحكومة، مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية ووزير التعليم والنائب العام.

إبان حملة بوش للترشح من قبل الحزب الجمهوري في عام 2000، تحدث في أحد المساجد، مما يجعله أول مرشح من الحزبين يقوم بهذا. وخلال مناظرة ضد خصمه الديمقراطي، آل غور، أدان التمييز ضد العرب والمسلمين الأميركيين المسافرين على متن خطوط الطيران الأميركية.

تضمن جدول مواعيد بوش في 11 سبتمبر (أيلول) 2011، إلى أن وقعت الكارثة، موعدا في الساعة الثالثة عصرا مع وفد من القادة المسلمين الأميركيين.

«لا يمكن استيعاب مفهومه الكامل للحرية البشرية بمنأى عن رأيه الأول في الطبيعة الروحية لجميع الرجال والنساء»، هذا ما قاله تيم غيوغلين، أحد أعضاء فريق العمل بالبيت الأبيض المشارك في التخطيط لزيارة المسجد ومؤلف كتاب «رجل في الوسط» عن دور الدين في إدارة بوش. ويضيف: «يعتبر هذا واحدا من أهم الروايات عن رئاسة بوش».

مثلما روى بوش في كتابه «قرارات حاسمة» في الأيام التي تلت أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، أزعجته تقارير عن جرائم التحيز ضد المسلمين الأميركيين. كذلك، كان قد سمع روايات مباشرة عن اعتقال أميركيين من أصل ياباني من أحد ضحاياه، وهو نورمان مينيتا، الديمقراطي الذي شغل منصب وزير النقل في إدارة بوش. وانطلاقا من ذلك المزيج من المنظور التاريخي والكياسة، بعث بوش بتوجيهات إلى مكتب الاتصالات العامة التابع للبيت الأبيض للتنسيق معه لزيارة أحد المساجد. بالنسبة للرجال والنساء في ذلك المكتب، كانت المراهنات واضحة جليا.

قال مات سميث، المدير المشارك لمكتب الاتصالات في ذلك الوقت: «في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، عندما كانت كل خطوة قام بها الرئيس تخضع لرقابة مشددة، كان من الأهمية بمكان إبراز أن المسلمين الأميركيين ليسوا هم أنفسهم الأشخاص الذين نفذوا هجمات سبتمبر». وأضاف: «عندما تظهر أن هؤلاء الأشخاص أميركيون، يكون ذلك كافيا إلى حد بعيد».

كان أحد الأعضاء المسلمين بفريق العمل في البيت الأبيض هو سهيل خان، الذي عمل في مكتب الاتصالات ونهض بدور قيادي في تحديد أي مسجد يجب أن يزوره الرئيس. وقد جذبه المركز الإسلامي في واشنطن بوصفه نموذجا شبه مثالي. كان الرئيس دوايت أيزنهاور قد وضع حجر الأساس له في عام 1957، وتضمن أعضاؤه دبلوماسيين ورجال أعمال ومتخصصين آخرين. وعلى عكس كثير من المساجد الأخرى في واشنطن، بني هذا المسجد ليؤدي فيه المسلمون العبادة، ولم يكن مبنى تم تغيير استخدام سابق له. ومن ثم، فستكون الكاميرات التلفزيونية والكاميرات الثابتة قادرة على التقاط صورة لرئيس أميركي في موقع إسلامي واضح.

وفي غضون نحو 24 ساعة، خضع المسجد لفحص من قبل خدمة الأمن السرية، وتم إعداد مذكرة توجيهية للرئيس وإرسال فريق إلى المركز الإسلامي. وفي ظهيرة يوم الاثنين الموافق 17 سبتمبر، توجه بوش وجميع وسائل الإعلام الإخبارية المرافقة له إلى المسجد.

خلع بوش حذاءه، بما يتوافق والتقاليد الإسلامية، قبل دخول المصلى. وأجرى مقابلة مدتها نحو 45 دقيقة مع رؤساء كثير من المؤسسات الإسلامية الأميركية، من بينهم نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية. بعد ذلك، تحدث بوش، الذي كان يقف أمام حائط من البلاط عليه نقوش إسلامية وعلى مقربة من امرأة ترتدي الحجاب، بنبرة متزنة هادئة، معلنا عن دعوته للتسامح والوحدة.

«أعتقد أنه في تلك الأيام، شاهد كثير من الأشخاص هنا وبمختلف أنحاء العالم ذلك المقطع»، هذا ما قال عوض مؤخرا. وأضاف: «يجب عرض هذا المقطع مرارا وتكرارا لتذكير الناس بأن ما جعل أميركا دولة عظيمة هو احترامها لحرية العقيدة وعدم تسامحها مع جرائم الكراهية التي تقترف ضد أناس أبرياء».

* خدمة «نيويورك تايمز»