تحت خيمة ذهبية من المعدن في قلب باريس، على شكل بساط الريح، تتوزع 3 آلاف تحفة فنية جاءت من جزيرة العرب ووادي الرافدين والشام ومصر وبلاد فارس والأندلس والإمبراطورية العثمانية، لتجتمع، جنبا إلى جنب، في القسم الجديد لفنون الإسلام في متحف اللوفر.
يشعر الزائر بالرهبة وهو يقف تحت هذه الخيمة التي تزن 135 طنا وتستند على 8 أعمدة. ثم تزول الرهبة تاركة المجال للشغف والمتعة أمام كل تلك الأعمال التي أمضى فيها بشر ماهرون شهورا، بل سنوات من أعمارهم، وهم ينحتون ويرسمون وينقشون ويصيغون وينسجون ويصهرون ويزججون وينفخون في النار، لكي يخلفوا وراءهم كنوزا تتفرج عليها الأجيال التالية وأبناء الحضارات الأخرى.
من أبرز المعروضات جدارية خزفية عثمانية تعود إلى العصور الوسطى وتمتد بطول 12 مترا، خرجت من المخازن لتعرض للمرة الأولى. وقد استغرق ترميمها عدة سنوات. ومن المعروضات التي تخرج إلى النور للمرة الأولى، أيضا، بعد زمن من التواري في المخازن، 300 قطعة فنية من مصر تعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي.
يسحر الزائر تلك الألوان المائية الشفافة الآتية من خزفيات جوامع دمشق والمصنوعة في ثلاثينات القرن الماضي. وقد جرى تعليقها على جدار واحد، وتحتها مجموعة من الشواهد القاهرية، بالإضافة إلى اللقى الثمينة التي جاءت بها بعثات التنقيب الفرنسية من موقع سوس، إلى الجنوب الغربي من إيران، منذ عام 1885 وحتى فترة قريبة. كما تعرض علبة مستديرة من العاج من عمل صاغة أندلسيين في القرن الخامس عشر الميلادي، وهي من ممتلكات الأمير المغيرة، نجل الخليفة الحاكم في قرطبة، وكانت تستعمل لحفظ المجوهرات. إنها قطعة تبهر البصر بدقة نقوشها المتنوعة التي تصور 69 بشرا وحيوانا مختلفا رغم أن ارتفاعها لا يزيد على 16 سنتيمترا. ومن القطع الجميلة، أيضا، خنجر ذو مقبض من العاج بشكل رأس فرس، تتوزع الأحجار الكريمة على جيده ولجامه.
بعض القطع المعروضة تغيرت أغراض استعمالاتها مع مرور الزمن. ومنها، على سبيل المثال، جرن معمودية القديس لويس المزينة فوهته بنقوش لعدد من الشخصيات. فهذا الجرن المصنوع من الذهب والفضة في سوريا، بحدود عام 1340 ميلادية، كان في الأصل وعاء لغسل الأيدي. ومن المرجح أنه نقل إلى فرنسا في القرن الخامس عشر وحفظ ضمن كنوز كنيسة قصر فنسين، لصق باريس. وفي عام 1793 جرى نقله إلى «اللوفر» حيث استخدم في تعميد أطفال العائلة المالكة الفرنسية، كما جرت فيه معمودية الأمير نابليون أوجين، الابن الوحيد للإمبراطور نابليون الثالث. «وبهذا يكون أمراء مسيحيون قد غطسوا في أحواض إسلامية»، كما علق صحافي فرنسي متعجبا.
وإذا كان التصوير أو تشخيص البشر محرما، فقد عرفت الخطوط العربية والنقوش النباتية والمجسمات الحيوانية رواجا وازدهرت بين الأنامل المبدعة للفنانين في ديار الإسلام. وقد بلغ فنا الخط والرسم في إيران أعلى مراتبهما ولا سيما في نسخ وتزيين مؤلفات شهيرة مثل ملحمة الملوك للفردوسي والمعروفة بـ«الشاهنامة» والتي تعود إلى عام 1000 تقريبا. ويقول دليل المعرض إن المغول دشنوا، في القرن السادس عشر، مرحلة جديدة لفنون الرسم وخصوصا في عهد الإمبراطور أكبر الذي كان هاويا للفن ويوصي رساميه على نسخ من اللوحات الشهيرة في أوروبا. وقد بدأ الرسم الإسلامي يميل إلى الواقعية في تلك الفترة، مع الاحتفاظ بالشاعرية التي تميزه.
عن هذه المعروضات كتب أحد محرري صحيفة «الفيغارو»: «إن المنمنمات والأشكال الهندسية والأدوات التي تستعمل في الحياة اليومية هي من الجمال بحيث يخيل لزائر المتحف أنه يفرك مصباح علاء الدين السحري فتطلع له هذه الفنون». إن الزائر لهذا القسم الجديد المؤلف من طابقين يخيم فوقهما البساط الطائر مثل غلالة من نور، يتلفت حوله فيرى مخطوطات مذهبة ومزهريات مزججة وسجادا ما زال يتألق بنقوشه وشلالا من الفضة والكريستال والحلي والأحجار الكريمة. وفي الطابق الأرضي، واجهة زجاجية تحتوي على الخط المقترح للطواف بالمعروضات، مع رسوم بارزة وشاشات مضيئة ومشربيات خشبية وأفلام فيديو تشرع القطع الأثرية المتتابعة، وهكذا هو الأمر مع كل زاوية من زوايا قسم فنون الإسلام الذي يجمع كل ما أبدعه فنانون مسلمون أو غير مسلمين عاشوا تحت خيمة دول إسلامية، من الصين حتى الأندلس. وقد دار جدل حول الفرق بين تسميتي «الفنون الإسلامية» و«فنون الإسلام»، لأن هناك من يرى أن التسمية الأولى تنحصر في القطع الفنية التي يحتاج إليها المسلم في عباداته، أما الثانية فإنها تشمل مهارات شعوب مسلمة عاشت في انسجام مع أبناء عقائد أخرى من صناع محترفين ومهرة شاركوا في إثراء ذلك التراث الفني. وحسب صوفي ماكاريو، مديرة القسم الجديد، فإن قسم الفنون الإسلامية قد اختفى من متحف «متروبوليتان» الشهير في نيويورك، منذ عام تقريبا، وظهرت بدلا منه قاعات كثيرة تحمل عدة تسميات، مثل «الفنون العربية» و«الفنون التركية» و«الفارسية» أو تلك التي نشأت في آسيا الوسطى، مع تغييب اسم الإسلام.
وبالتأكيد، فإن علاقة فرنسا مع شمال أفريقيا ومصر والعالم الإسلامي كانت وطيدة عبر التاريخ، ما بين تجاذبات سلبية وإيجابية. وقد اقتنت باريس أولى قطع الفن الإسلامي منذ عام 1793. وكان ذلك ضمن ممتلكات ما كان يسمى بالمتحف المركزي للفنون، الأب الشرعي لمتحف «اللوفر» والأساس الذي قامت عليه مجموعاته. وبعد مرور قرن على ذلك التاريخ ظهرت وظيفة «محافظ فنون المسلمين»، وهي تلك القطع الآتية من آسيا وأفريقيا والأندلس. وقد خصص لها معرضان كبيران في العاصمة الفرنسية، في عامي 1893 و1903. وكان «اللوفر» يقتني، في البداية، القطع الأثرية من منحوتات وأحجار. ثم راح القائمون عليه يهتمون باقتناء القطع التزيينية من خزفيات وسجاد ونحاسيات وزجاجيات كانت تنتشر بين أثاث القصور. إلى أن زاد عدد القطع المتجمعة في حوزة «اللوفر» من فنون حضارات الإسلام على 15 ألف قطعة، كان بعضها معروضا في الصالات القديمة التي تبلغ مساحتها 800 متر مربع، وأغلبها في المخازن ولا تستوعبه تلك المساحة، ولا تراه عين.
من هنا، جاء افتتاح القسم الجديد ليمنح المقتنيات البديعة حقها من التنفس والعرض أمام زوار بالملايين، كل عام، صاروا يتجهون في الأسابيع الأخيرة إلى خيمة فنون الإسلام، بعد أن كانوا يسألون، قبل كل شيء، عن «الموناليزا» وشرعة حمورابي.