حرب كر وفر بين الثوار والإخوان في «موقعة جمل» جديدة بالتحرير

أنصار الجماعة حطموا منصتهم ورشقوهم بالحجارة.. وإصابة العشرات

صدامات بين أنصار جماعة الاخوان المسلمين والثوار في ميدان التحرير (أ. ف. ب)
TT

بعد أكثر من عام ونصف العام على «موقعة الجمل» الشهيرة، تحول ميدان التحرير في وسط العاصمة القاهرة أمس إلى «موقعة جمل» جديدة، حيث تصاعدت اشتباكات دامية بين أنصار جماعة الإخوان المسلمين والثوار في مليونية «كشف الحساب» التي دعت لها حركات سياسية وأحزاب ثورية للمطالبة بمحاسبة الرئيس محمد مرسي على ما أنجزه خلال الـ100 يوم الماضية من حكمه، وإعادة محاكمة قتلة الثوار في «موقعة الجمل» الأولى بعد يومين من صدور حكم ببراءة جميع المتهمين فيها، وإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد الدستور الجديد للبلاد.

ورغم اختفاء الجمال والبغال التي امتطاها بلطجية مدججون بالسيوف والأسلحة البيضاء لترويع المتظاهرين إبان الموقعة الأولى، فإن جماعة الإخوان المسلمين امتطت الميدان واعتدى شبابها على الثوار وحطموا منصة الثوار التي كان من المقرر أن يذاع من فوقها فعاليات المليونية.

وشهد ميدان التحرير عمليات كر وفر بين شباب الجماعة والمتظاهرين، حيث تبادل الفريقان الاشتباك بالأيدي والتراشق بالحجارة، خاصة بشارع محمد محمود (محيط وزارة الداخلية) مما أدى إلى سقوط عشرات الجرحى من الطرفين، بينما امتلأ الميدان باللافتات التي تعبر عن أهداف المشاركين بالمليونية، وانقسم الميدان إلى مجموعتين متصارعتين حيث تمركزت مجموعات مؤيدة للرئيس محمد مرسي بجوار المتحف المصري في اتجاه عبد المنعم رياض اعتراضا على براءة جميع المتهمين في قضية «موقعة الجمل» التي وقعت في مطلع فبراير (شباط) عام 2011، للمطالبة بإقالة النائب العام المستشار عبد المجيد محمود وتطهير القضاء، واحتشد آخرون من التيارات المدنية والحركات الثورية لمحاسبة الرئيس مرسي بعد مرور مائة يوم على توليه الرئاسة، في الطرف المقابل من الميدان، في ما سمع دوي أصوات مفرقعات لم يتحدد مصدرها، ورجح البعض أنها أصوات خرطوش أو مسدسات صوت.

وكانت وزارة الصحة أعلنت أول من أمس عن توفير 40 سيارة إسعاف لعلاج أي إصابات مرتقبة في الميدان، لكن الميدان خلي من سيارات الإسعاف ومن رجال الشرطة. وقالت وزارة الصحة أمس، إن «الإصابات نتيجة الاشتباكات بلغت 42 مصابا، أصيب بعضهم بجروح قطعية في الوجه والرأس نتيجة التراشق بالحجارة»، ونفت وجود حالات وفاة في الاشتباكات.

واستمرت هتافات الطرفين طوال يوم أمس، حيث هتف أنصار مرسي: «الشعب يريد تطهير القضاء»، و«يا نجيب حقهم.. يا نموت زيهم»، و«حرية وعدالة.. مرسي وراه رجالة»، في حين ردد أنصار القوى المدنية في هتافهم: «يسقط يسقط حكم المرشد»، ورددوا لأول مرة: «يسقط يسقط حكم مرسي».

ومع استمرار المواجهات قررت قيادات حزب الحرية والعدالة الانسحاب من ميدان التحرير والانتقال بالمظاهرات إلى دار القضاء العالي بوسط القاهرة، حيث مكتب النائب العام، للمطالبة بتطهير القضاء والقصاص لشهداء الثورة.

وكانت القوى الديمقراطية المعارضة لحكم الإخوان قد أعلنت منذ وقت طويل عن تنظيمها للمظاهرة السلمية أمس في ميدان التحرير وغيره من الأماكن بالمحافظات لمحاسبة الرئيس مرسي على وعوده خلال الـ100 يوم الأولى من حكمه، لكن قيادة الإخوان قررت منذ يومين فقط النزول إلى نفس مكان التظاهر، تنديدا بالحكم ببراءة جميع المتهمين في قضية مقتل متظاهرين بميدان التحرير في «موقعة الجمل»، وقد قوبلت دعوة الجماعة المفاجئة بهجوم حاد من القوى المدنية، واعتبر حمادة الكاشف منسق اتحاد شباب الثورة، دعوة الإخوان «انتهازية سياسية» هدفها إجهاض مليونية حساب مرسي، بعد أن لاقت انتشارا واسعا وتوقعات بمشاركة كثير من المصريين، قائلا: «ليس من المقبول أن تقوم قوى سياسية بالدعوة إلى التظاهر في مكان ما ثم تقوم قوى أخرى بالدعوة لمظاهرة مضادة في نفس المكان، فميدان التحرير ليس حكرا على أحد».

وقال منسق اتحاد شباب الثورة، إن «مليونية أمس بدأت بخمس مسيرات توجهت لميدان التحرير في توقيت واحد، وسوف تختتم بمسيرة إلى قصر عابدين الرئاسي».

من جانبها، أدانت قوى سياسية احتلال الإخوان لميدان التحرير بالقوة وتكسير المنصة الرئيسية، وقال خالد علي المرشح السابق لانتخابات الرئاسة، على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إن «الجماعة لا تحتمل أصوات المعارضة»، مضيفا أن «ما يفعله الإخوان بالتحرير لا يقل استبدادا عما فعله الحزب الوطني المنحل يوم (موقعة الجمل)»، وذكر الإعلامي حمدي قنديل على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أنه «عار على الإخوان أن يهاجموا معارضيهم في التحرير»، مضيفا أن «هذه ممارسات لم يجرؤ عليها حزب مبارك».

وقال الناشط السياسي وائل غنيم، إن «مصريا يضرب مصريا في ميدان التحرير لأن هناك سياسيين رفضوا تغليب مصلحة الوطن على مصلحة الحزب أو الجماعة أو التيار». وتابع قائلا «اللوم يجب أن يلقى على السياسيين باختلاف توجهاتهم باعتبارهم السبب الرئيسي في ما نحن فيه اليوم من استقطاب في الشارع وصل إلى حد استخدام العنف بين المصريين ورغبة كل طرف في (تحرير) ميدان التحرير ممن يخالفونه في الرأي».

وحذرت حركة 6 أبريل على حسابها على «تويتر» جماعة الإخوان من «التمادي في التعامل الفوقي مع التيارات الأخرى»، مطالبة الجماعة بضبط أعضائهم أو التبرؤ منهم، وقالت إنجي حمدي عضو المكتب السياسي للحركة، إن «الصراع في التحرير بسبب التعصب الأعمى لصالح تيار أو حزب وليس تعصبا لمصلحة البلاد».

وحمل الحزب الاشتراكي المصري الرئيس مرسي شخصيا وجميع قيادات الجماعة، المسؤولية عن سلامة المتظاهرين واحترام حق المواطنين في التظاهر السلمي. وأدانت «الجبهة الحرة للتغيير السلمي»، و«تحالف القوى الثورية»، ما وصفته بـ«البلطجة السياسية التي قامت بها جماعة الإخوان بالتعدي على أعضائهما وشباب الثورة وإصابة بعضهم»، وأعلنا أنهما لن يتركا هذا الأمر يمر مرور الكرام، ولن يتركا ميدان التحرير وسيوجدان به من أجل استكمال الثورة واستردادها.

في المقابل، نفت جماعة الإخوان تعديها على ثوار التحرير على لسان المتحدث الرسمي الدكتور محمود غزلان، قائلا: «دأب الخصوم السياسيون على إلصاق التهم بالإخوان.. في حين أن الإخوان دائما ما يعتدى عليهم ولا يردون العدوان بمثله».

ونفى غزلان أن يكون القائمون بالاعتداء على المتظاهرين وتحطيم المنصة من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، وقال «الإخوان لا يعتدون على أحد.. ومن قاموا بذلك محبون للرئيس مرسي». وتابع قائلا «قد يكون الإخوان موجودين بأعداد قليلة في الميدان، لكن الأكيد أنهم لا يمارسون العنف، فتلك عقيدة لديهم، كما أن لديهم تعليمات بألا يعتدوا على أحد».

بدوره، قال عضو بارز في مكتب إرشاد جماعة الإخوان، فضل عدم ذكر اسمه، إن «الجماعة أصدرت تعليمات صارمة إلى أعضائها بضبط النفس بأقصى درجة ممكنة لمنع الاحتكاك بالقوى السياسية الموجودة في التحرير والميادين العامة في حال نشوب أي معارك جانبية».

وأكد حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، أن «الطرف الثالث عاود الظهور مرة أخرى في ميدان التحرير». وأضاف الحزب في بيان له على صفحته الرسمية أن «مجموعة من الشباب المجهولين حاولوا إثارة الفزع في الميدان، وحطموا المنصة الرئيسية، وانتشروا بشكل مثير للريبة في أرجاء الميدان وهم يصرخون مدعين أن شباب الإخوان اعتدوا عليهم بالضرب، إلا أن متظاهري الميدان طردوهم وأبعدوهم».