وزير خارجية فرنسا: ليس لفرنسا أن تقول للبنانيين افعلوا كذا أو كذا

قال: نثق بالإبراهيمي وهو يقوم بعمل جيد

TT

لا تريد فرنسا التدخل في الشأن اللبناني وفي لعبة لي الذراع الداخلية بين الحكومة والمعارضة؛ هذا ما أكده أمس وزير الخارجية لوران فابيوس في مؤتمر صحافي أمس في مقر الوزارة إذ شدد على أنه «لا يعود لفرنسا أن تقول إننا نريد كذا وكذا أو ماذا يجب أن يحصل على المستوى السياسي» في لبنان.

وأصل التوضيح أنه يأتي عقب البيان الذي صدر عن سفراء الدول الخمس الكبرى في بيروت عقب اجتماعهم في القصر الجمهوري والذي فهم منه أنهم يحضون على بقاء الحكومة بينما المعارضة اللبنانية تطالب برحيلها بعد اغتيال اللواء وسام الحسن. ولذا، فقد اغتنم فابيوس أول مناسبة توفرت له لـ«توضيح» الموقف الفرنسي.

يقول فابيوس: «ما نريده تلافي امتداد النزاع السوري إلى لبنان والتعبير عن تضامننا مع كل مكونات الشعب اللبناني وتحاشي تصعيد فريق ضد فريق لأن من شأنه أن يخدم أعداء لبنان والراغبين في تمزيقه. وهذا تكتيك استخدمه النظام السوري في الماضي مرارا». وكرر الوزير الفرنسي الذي تواصل في الأيام الأخيرة مع المسؤولين اللبنانيين وعدد كبير من السياسيين، تأكيده أن اغتيال الحسن «امتداد للازمة السورية إلى لبنان» وأنه يتعين على اللبنانيين المحافظة على «وئامهم» إذ إنه «ليس ثمة أسوأ من أن يقوم هذا الفريق بإنزال مئات الآلاف (إلى الشارع) وأن يقوم الفريق الآخر بالشيء نفسه فـ(الهدف) يجب أن يكون تحاشي زيادة حدة الانقسامات في بلد تكن له فرنسا المودة وتوفر له الدعم».

وترى باريس أن ما حصل مؤخرا «يعكس إرادة سوريا لنقل الأزمة إلى لبنان» وهو ما تصفه بأنه «أمر بالغ الخطورة» دأبت على التنبيه منه في الأمم المتحدة وفي المحافل الأخرى بسبب هشاشة الوضع اللبناني واستفحال الخلافات حول كيفية التعاطي مع الأزمة اللبنانية.

وكان بارزا تحرك السفير الفرنسي في بيروت باتريس باولي بعد اغتيال الحسن وتنقله بين المسؤولين اللبنانيين. ويصدر موقف باريس، كما تقول مصادرها، عن مخاوف واعتبارات أولها ضرورة تحاشي حصول فراغ سياسي في لبنان تدفع إليه استقالة حكومة الرئيس ميقاتي. وعلى الرغم من التحفظات التي عبرت عنها الدبلوماسية الفرنسية بداية إزاء كيفية إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وتشكيل حكومة لحزب الله اليد الطولى في قراراتها، فإن باريس عدلت موقفها من ميقاتي ومن حكومته وكان ميقاتي من بين الشخصيات التي اجتمع بها الرئيس فرنسوا هولاند في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان من المقرر أن يأتي ميقاتي إلى باريس في زيارة رسمية ما بين 19 و21 نوفمبر(تشرين الثاني) المقبل. وحضر للزيارة برنامج حافل جدير برئيس دولة.

ومن الأسباب التي تجعل فرنسا تدعم ميقاتي أنها ترغب بتقوية موقعه بوجه حزب الله من جهة ولأنه التزم بوعوده بخصوص المحكمة الدولية. وبعد برودة الأشهر الأولى، أخذت باريس تتفهم سياسة «النأي بالنفس» التي ابتدعتها الدبلوماسية اللبنانية لا بل رأت فيها ترجمة لرغبتها إبقاء لبنان بعيدا عن العدوى السورية.

فضلا عن ذلك، تعتبر المصادر الفرنسية أن «مواد الانفجار» متوافرة على الساحة اللبنانية ولذا فالأمر الملح هو «إبعاد الصاعق» عنها. ومن هذه الزاوية، يمكن أن يفهم الموقف الفرنسي «والدولي» الضاغط باتجاه بقاء الحكومة من غير أن يعني تغليب فريق على فريق.

وبعد أن كانت فرنسا تتوقع انهيارا سريعا للنظام السوري، فإن التقويم الراهن أصبح اليوم مختلفا على الرغم من أن باريس ما زالت مقتنعة بأن النظام ذاهب إلى زوال بسبب تقلص الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها وعجزه عن السيطرة بشكل دائم على الأراضي والمناطق التي فقدها وتحسن تسليح وأداء قوات المعارضة المسلحة. وبحسب المصادر الفرنسية الرسمية، فإن «مفتاح» بداية الحل السياسي في سوريا يكمن في «التحولات الميدانية» وطالما بقي الوضع «جامدا» على حاله على جبهات القتال، فإن باريس تستبعد السر في حل سياسي بينما كل طرف يراهن على كسب الحرب ميدانيا.

من هذه الزاوية، تكرر باريس دعمها للمبعوث الدولي -- العربي الذي يقوم، وفق ما قاله الوزير فابيوس أمس بـ«عمل مفيد ونحن ندعمه بقوة». غير أن مصادرها لا ترى أن حظوظه بالنجاح كبيرة لأن «العوامل التي أفشلت مهمة سابقه كوفي أنان ما زالت قائمة» ولأن الأطراف الخارجية وعلى رأسها روسيا «لا ترى أن أوان المساومة للتوصل إلى صفقة قد حان». وما زال رحيل الأسد «حجر الزاوية» في المقاربة الفرنسية للسير في حل سياسي. ولذا تدفع باريس باتجاه توحيد جهود المعارضة وربما التوصل إلى تشكيل حكومة انتقالية تحظى بشرعية واسعة والتركيز على دعم المجالس المدنية في «المناطق المحررة» بحيث تكون «نواة» لسوريا الغد.

لكن دون إسقاط الأسد عقبات لم تجد باريس ولا العواصم العربية والغربية الدافعة بالاتجاه نفسه طريقة للتغلب عليها حتى الآن ما يؤشر إلى أن النزاع، وفق المصادر الفرنسية، مرشح ليدوم طويلا.