الاقتتال السياسي الداخلي في إيران يظهر إلى العلن

تبادل الاتهامات حول تدهور الأوضاع المعيشية

TT

طفا الصراع الطويل والمرير بين الرئيس الإيراني ومجموعة من الأشقاء في المؤسسة الحاكمة على السطح يوم الاثنين، ما اعتبره البعض أحدث مؤشر على الانقسام في الوحدة الشكلية، في وقت تواجه فيه إيران أوضاعا اقتصادية متفاقمة، وعزلة دولية بسبب برنامجها النووي المتنازع عليه.

ففي رسالته التي نشرتها مواقع إخبارية إيرانية، اتهم الرئيس محمود أحمدي نجاد رئيس السلطة القضائية القوي آية الله صادق لاريجاني بحماية «أشخاص بعينهم» من الملاحقة القضائية على الرغم من إدانتهم بالفساد الاقتصادي، والذين يعرفون على نطاق واسع بأنهم مسؤولون كبار، بما في ذلك أخو لاريجاني الأكبر.

كان أحمدي نجاد بالسماح قد طلب زيارة أحد مساعديه في سجن إيفن في طهران والمعتقل هناك منذ شهر تقريبا. ولدعم حججه أشار نجاد إلى عدد من البنود في الدستور الإيراني التي تنص على سلطات الرئيس.

زاد الاتهام من حدة الخلاف المستعر بين أحمدي نجاد وخصومه من أصحاب العمائم النافذين وأعضاء البرلمان والقادة. وجاء هذا الاتهام في أعقاب قرار رئيس السلطة القضائية يوم الأحد برفض زيارة أحمد نجاد للسجن - وهو ما يمثل إهانة لسلطات الرئيس.

كان نجاد يرغب في زيارة علي أكبر جوانفكر، المستشار الصحافي للرئيس ورئيس وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الرسمية الأسبق، المسجون منذ سبتمبر (أيلول) بعد الحكم عليه بالسجن ستة أشهر لإهانة المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي. وقد نظر البعض إلى اعتقال جوانفكر والحكم عليه بأنه خطوة لتحجيم سلطات الرئيس.

ما زاد الطين بلة، بيان السلطة القضائية أن الرئيس تم إعلامه بأن زيارته ستكون «غير ملائمة» وستحول الانتباه عن المشكلات الاقتصادية التي تعاني إيران.

وكان كل من حكومة أحمدي نجاد ومعارضيه يحاولون تحميل بعضهم البعض المسؤولية عن التضخم الكبير وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض قيمة العملة الإيرانية. تدهورت هذه المؤشرات الاقتصادية بشكل كبير خلال الشهور الأخيرة نتيجة جولة العقوبات الأخيرة التي حدت من قدرة إيران على بيع النفط القيام بالتحويلات المصرفية المعتادة.

يأتي هذا الموقف العدائي بين كبار قادة إيران، في وقت تتزايد فيه الضغوط الغربية، على الرغم من الدعوات المتكررة للوحدة السياسية من قبل آية الله خامنئي.

وشدد أحمدي نجاد في رسالته على أنه المسؤول الأكثر أهمية المنتخب في البلاد، وأنه يملك بموجب دستور البلاد الحق في زيارة السجن.

وقال محللون إن الهجوم الصريح الذي شنه نجاد على أشقاء لاريجاني عكس استعداده الواضح لخوض صراع علني مع خصومه السياسيين. وقد تحدد نتائج هذا الصراع مدى تأثيره بعد انتهاء ولايته الثانية في يوليو (تموز) 2013.

ويقول أمير محبيان، المحلل السياسي المقرب من المرشد الأعلى، مشيرا إلى طلب الرئيس زيارة السجن: «خلق أحمدي نجاد أزمة يستطيع الاستفادة منها أيا كانت النتيجة، فإذا ما رفض طلبه فسوف يبدو خصومه غير معقولين، وإذا ما دخل إيفن فسوف يبدون ضعافا».

يقوم النظام السياسي الإيراني على الرئيس وبرلمان منتخب بصورة مباشرة من بين مجموعة من المرشحين يتم فحصهم من قبل مجلس قضاة ورجال دين، والبعض منهم من قبل المرشد الأعلى وآخرون من قبل البرلمان. ويملك المرشد الأعلى سلطة تعيين مسؤولين آخرين، والكلمة الفصل في كل الأمور الهامة. وقد أثار أسلوب أحمدي نجاد المتعنت في إدارة البلاد واختيار المستشارين المثيرين للجدل غضب رجال الدين ونقاشات حول سلطاته.

ويحاول أحمدي نجاد الدفاع عن دائرته الداخلية من المستشارين ضد الاتهامات بالفساد والسحر الأسود والتجسس لصالح وكالة الاستخبارات البريطانية. كما أنه يواجه كراهية الإيرانيين الذين نزلوا إلى الشوارع في أعقاب فوزه في انتخابات عام 2009 المتنازع عليها.

وكان نجاد قد منع محاولة اعتقال سابقة لجوانفكر، مما أدى على ما يبدو بالسلطة القضائية إلى اعتقال المستشار في توقيت محدد عندما كان الرئيس يلقي كلمة إيران أمام الجمعية العامة في نيويورك في السادس والعشرين من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

في الوقت ذاته تحول الكثير من رجال الدين الشيعة والقادة الذين ناصروا أحمدي نجاد في السابق للوصول إلى السلطة إلى أعداء شرسين ويأملون في أن يرحل نجاد بهدوء بعد انتهاء ولايته. لكن نجاد يحاول على نحو متزايد تصوير نفسه برجل الشعب الذي تلقى سياساته معارضة من المسؤولين ذوي المصالح الشخصية. ويقول نادر كريمي، الصحافي الإيراني الذي يتابع الصراع على السلطة عن كثب: «يريد أحمدي نجاد بإشارته إلى الكثير من مواد الدستور، التأكيد على أنه يمثل الشعب لأنهم من انتخبوه».

وبعد سنوات من اتهام الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني وعائلته بالفساد يركز أحمد نجاد في الوقت الراهن بشكل كبير على عائلة لاريجاني التي يشغل فيها خمسة من عائلة لاريجاني مناصب عليا في النخبة الحاكمة في إيران.

فقد عين المرشد الأعلى رئيس السلطة القضائية عام 2009، كما يرأس أخوه الأكبر علي لاريجاني، الذي كان كبير المفاوضين النوويين السابق، البرلمان وربما يترشح للرئاسة العام المقبل. وقد شن نجاد مؤخرا هجوما على رئيس البرلمان صراحة في مؤتمر إخباري قائلا إن لاريجاني ينبغي أن يساعد الحكومة بدلا من محاولة تحميلها المسؤولية لما تواجهه البلاد من مشكلات.

وقد وصف رئيس البرلمان أحمدي نجاد بـ«أخي العزيز» وحاول التأكيد على أن النزاع ليس شخصيا، وقال بحسب وكالة أنباء الطلبة الإسلامية: «لأن بلدنا دولة ديمقراطية فإن الاختلاف أمر صحي».

أما أكبر أشقاء لاريجاني، محمد جواد، فدائم الظهور على شاشة التلفزيون الأميركية حيث يرأس مجلس حقوق الإنسان الإيراني.

* خدمة «نيويورك تايمز»